حينما تتماهى الحياة الطبية مع الحياة الأدبية، ويتعانق البعد الأدبي مع البعد الطبي، تتحول الكلمات إلى حمائم من الحب، ويصبح الطبيب ذا روح إنسانية لأنه يتحول إلى إنسان يتحسس آلام الآخرين بشكل أكبر، عرفناه كاتباً وطبيباً وفناناً استثنائياً مميزاً بكل المقاييس المتعارف عليها في عالم الكتابة والفن، وسر تميزه أنه لم يقلد أحداً يوماً إنما ابتكر أسلوبه الخاص، أسلوب فيه بكارة الإدهاش وبساطة التعبير وعمق الفكرة ووضوح المعنى، وحضور الذات مدعماً بخفة الظل، وقبل كل ذلك هناك الثقة بالذات، النابعة من ثقافة حقيقية عميقة، وتفانٍ في التحضير لما يكتبه ويقدمه من فن وأدب.

إنه ضيف موقع eDaraa الدكتور والأديب والفنان "علي عياش" الذي بنى نفسه بعرق جبينه فحقق وجوداً أديباً وفنياً وطبياً، التقيناه في عيادته بتاريخ 8/5/2009 فحدثنا عن بداياته قائلاً: «ولدت في قرية "كحيل" عام 1964، في بيت من اللبن وحجر البازلت، وقضيت فيها سنين طفولتي وشبابي الأول ومازلت أحتفظ بمفاتيحه الحديدية على جدران عيادتي، عشت حياة اليتم وذقت طعم الحرمان، ومن سهول القرية وبيادرها رضعت الشاعرية، ورسمت على شوارعها الترابية وأزقتها الضيقة ابتسامة الحياة، درست الابتدائية في مدارس قريتي "كحيل"، ثم انتقلت إلى قرية "صيدا" ودرست الإعدادية والثانوية، ومن "صيدا" رسمت أول لوحات مستقبلي، كنت راغباً بعد حصولي على شهادة الثانوية في دراسة الفنون المسرحية، لأنني كنت أعشق الفن وخصوصاً الكوميديا، ومن هناك تعرضت لضغوط الأهل الذين أرادوا أن أتابع دراسة الطب، وأمام رغبتهم تابعت الدراسة في كلية طب الأسنان في "حماة"، وقضيت فيها سنيناً لا تنسى من العلم والكد والعمل، أبليت فيها بلاءً حسناً حيث لم أحمل أية مادة طوال سنوات الدراسة وتخرجت عام 1989، أنهيت دراستي الجامعية وانتقلت مباشرة الى ألمانيا لاتباع دورة عليا بزراعة الأسنان».

حب الناس ورؤية الفرحة في عيونهم وتأمين السلامة لهم إضافة إلى العلاقات الاجتماعية الواسعة التي أقمتها مع عدد كبير من سكان القرى المحيطة، وتعاملي مع الأدباء والفنانين والمخرجين كل هذه الأشياء مجتمعة هي مصدر سعادتي ودافعي للقيام بعملي بشكل أكثر وأشمل، وتقديم كل جديد في هذه المجالات

وعن انتقاله للفن والأدب وأهم الأعمال التي قدمها يضيف: «رغم اتجاهي للطب تلبية لرغبة أهلي بقيت تعيش في ذاكرتي وروحي حياة الفن، فكتبت القصيدة والكلمة الساخرة، ورصدت الكثير من المخالفات الاجتماعية وأبرزتها في نصوص واعدة، وأمام إصراري على إشباع روحي ورغبتي، فقد سلكت طريق الأدب والفن المفروشان بالصعوبات، فتوجهت إلى الفن وأول فيديو كليب قدمته للجمهور حمل عنوان "حنّوا العريس" من إخراج "هيثم هوانا" وبث على العديد من الفضائيات العربية، ولدي حالياً في الاسوق ألبوم غنائي من إنتاج شركة الأوتار الذهبية يحمل عنوان "لحظة بقربك"، وبعدها بدأت بتصوير الأغاني الخاصة بي على طريقة الـ"فيديو كليب"، وأنتجت "7 كليبّات" وهي جميعاً من إخراج "جمال بغدادي" و"فيصل بني المرجا"».

الدكتور علي في عيادته

وبالنسبة للأدب يتابع: «كان توجهي الأدبي منحازاً إلى الشعر فأنا لا أستطيع العيش من غير قراءة الشعر، إذ أنه السر الذي يدفعني إلى كتابة كل لوحة بمشاعر صادقة، أكتب القصيدة ألحنها وهذا الجهد ينطوي تحت هدف البحث عن كل جديد، ولي عدة مؤلفات منها "العالم من وجهة نظر طبيب" ـ ومجموعة قصائد غنائية - و"كحيليات"، وهي عبارة عن مجموعة شعرية، وحالياً أنا بصدد إعداد كتاب بعنوان "مذكرات طبيب " ويحمل لوحات ترصد الحالات الاجتماعية».

وهل الموهبة تكفي الإنسان ليكون شاعراً؟، أم هناك عوامل أخرى قال:

مفاتيح منزل اللبن والحجر البازلت

«الموهبة وحدها لا تكفي، أستطيع القول إن الشعر يقوم على ثلاث ركائز أولها الموهبة، ثانيها الثقافة، وثالثها المعاناة، الموهبة بدون الثقافة لا شيء، هي كالنبتة التي نزرعها ثم نتركها بلا عناية حتى تموت، الثقافة هي النسغ الذي تستمد الموهبة منه حياتها، ثم بعد ذلك تأتي المعاناة فالشاعر الذي لا يعاني لا يمكنه أن يكتب، فلن تستطيع أن تصف الحب ما لم يخالجك من الداخل، ولا أن تتحدث عن المظلومين إن لم تشعر بشعورهم، أي أنك لا تستطيع أن تكتب عن شيء لا تحسه إذا فلابد من المعاناة».

وعن سر النجاح والشهرة التي حظي بها يقول الدكتور "علي": «التواضع أهم أسباب النجاح ومن المعيب أن تتغير نفوس الناس بعد تغير أحوالهم وتحولها للأفضل، فعلى كل إنسان أن يبقى وفياً لأهله وبيئته، وألا يتعالى على أبناء البيئة التي ينتمي إليها، فبالرغم من حالتي المادية الجيدة إلا إني ما زلت أعامل الصغير والكبير بنفس المكانة، ولا أحمل بقلبي الحقد والكره لأي إنسان حتى للذين أساؤوا لي».

شهادة كورس الاسنان من المانيا

وعن الرصيد الذي يحمله الدكتور "علي" بعد سنوات العمل الطويلة في الأدب والفن والطب يضيف: «حب الناس ورؤية الفرحة في عيونهم وتأمين السلامة لهم إضافة إلى العلاقات الاجتماعية الواسعة التي أقمتها مع عدد كبير من سكان القرى المحيطة، وتعاملي مع الأدباء والفنانين والمخرجين كل هذه الأشياء مجتمعة هي مصدر سعادتي ودافعي للقيام بعملي بشكل أكثر وأشمل، وتقديم كل جديد في هذه المجالات».

بقي أن نذكر بأن الدكتور "علي عياش": هو أحد أشهر أطباء الأسنان في محافظة "درعا"، ولديه شركة استيراد وتصدير، ويعتبر أول من صور أغانيه بطريقة الفيديو كليب في المحافظة، سافر إلى معظم دول العالم بقصد التجارة والسياحة، متزوج من صيدلانيه ولديه أربعة أبناء هم "محمد" – "قيس" – "مارية" – "يوسف".