«رحل كل أصدقائي، ومات جميع الذين هم من جيلي، وبعد أن ودعتهم الواحد تلو الآخر لم يبق من أبناء ذلك الزمن الجميل أحد غيري»...كلمات ألقاها على مسامعنا شيخ المعمرين في مدينة "داعل" وأكبر أهلها سنا، مستذكرا حياته القديمة الممتدة عميقا في قلب التاريخ، ومتأسفا على أقرانه الذين ارتحلوا عنه وتركوه وحيدا،هذه الحياة ورغم صعوبتها وكثرة تقلبها استطاع وبعزيمة قوية أن يغالبها ويغلبها وينتصر عليها، هذا المحارب الذي خبر الحياة وعرف كيف يتعامل معها ما يزال متشبثا بحقه فيها وما تزال في جعبته أشياء ليقولها.

إنه الحاج "عوض أحمد الدخل الله"الذي التقى موقع eDaraa بتاريخ12/4/2009 وأطلعه واستذكر معه بعض المراحل من تاريخ حياته الحافلة بالأحداث وعن البداية يقول:

يعود تاريخ ميلادي إلى عام /1910/وهذا حسب سجلات النفوس الرسمية التي غالبا ما كان يتم التسجيل فيها يشكل عشوائي وغير منتظم، أما التاريخ الصحيح فهو أقدم من ذلك وعلى الأرجح أنه يعود إلى العام /1907/ أوربما أقدم من ذلك بقليل

«يعود تاريخ ميلادي إلى عام /1910/وهذا حسب سجلات النفوس الرسمية التي غالبا ما كان يتم التسجيل فيها يشكل عشوائي وغير منتظم، أما التاريخ الصحيح فهو أقدم من ذلك وعلى الأرجح أنه يعود إلى العام /1907/ أوربما أقدم من ذلك بقليل».

مع ابنه الصحفي "جمال"

وعن طفولته والمراحل اللاحقة من عمره يضيف: «لقد كانت مرحلة الطفولة قصيرة جدا كنا نمارس فيها بعض الألعاب المتعارف عليها في القرية، ولكنها سرعان ما انتهت لتبدأ مرحلة العمل وهذا الشيء مما كانت تفرضه ظروف المنطقة نتيجة الفقر الشديد الذي كان يسود آنذاك وكانت أغلب الأعمال التي أقوم فيها هي أعمال زراعية، ومع تقدمي في السن عملت "مرابعا" لدى العديد الفلاحين وأصحاب الأملاك من أبناء البلد وكان آخرهم وهو من أصحاب الأيادي البيضاء علي الحاج "يوسف العقلة الحريري" والذي عينني لثقته بي وكيلا على أملاكه وكان دوما يحضني ويدفعني لشراء الأراضي وأن ابدأ عملا لحسابي الخاص، وهذا ما حدث حيث قمت ببيع قطعة أرض ورثتها عن أبي واستثمرت ثمنها في مشروع"دكان" بدأت من خلاله العمل بالتجارة».

وعن أجمل ما في هذه المرحلة يقول الحاج "عوض":

مع اثنين من احفاده

«كان أجمل ما في هذه الأيام رحلة الحج التي قمت بها إلى مكة المكرمة، وقد كان من ثقة الرجل الذي كنت أعمل عنده بي أن بعث أمه معي، وقبل أن نغادر قام إمام مسجد القرية بالصلاة علينا خشية أننا لن نعود وقد توفي هذا الرجل أثناء غيابنا، وكان الذهاب إلى الحج في تلك الأيام يتم على الجمل وقد أمضيت معظم الطريق سيرا على الأقدام وفي مكة المكرمة كانت الأجواء ساحرة وما تزال عالقة في ذاكرتي وكنت أمضي معظم الوقت داخل الحرم الشريف وتمكنت من الصلاة في جوف الكعبة وهي من الأشياء التي لا أنساها، وبعد عودتنا من "مكة"، ذهبت في رحلة إلى "القدس الشريف" وقمت بزيارة الأماكن المقدسة هناك مثل "المسجد الأقصى" و"مسجد قبة الصخرة" ويعود تاريخ هذه الرحلة إلى عام /1937/تقريبا».

أما عن تعلمه فيقول:«كان التعليم على زماننا في المدرسة يتطلب وقتا طويلا ومصروفا كبيرا، لذلك لم أذهب إلى المدرسة كثيرا ولكني قمت بالتعلم على أيدي مجموعة من شيوخ دمشق مثل الشيخ "علي الدقر"الذي كنت التقيه بجامع "السنانية"، وكذلك الشيخ"حسن حبنكة"، والشيخ "بدر الدين الحسني"، وقد تمكنت من ختم القران الكريم على يد الشيخ "أحمد الخطيب"وهو من أبناء البلد والذي أجازني عليه وأعطاني "ليرتين ذهب"».

مع ابنه واحفاده

وعن أهم الأحداث النضالية التي شاهدتها القرية في تلك الفترة يقول: «كان ذلك زمن الاحتلال الفرنسي حيث قام مجموعة من الفدائيين والمقاومين بعد معركة مع الفرنسيين باللجوء إلى القرية والاختباء بين أهاليها فقامت الطائرات الفرنسية بقصف القرية، وبعد ذلك دخل مجموعة من الجنود الفرنسيين القرية وقاموا بإطلاق النار واستشهد على أثره ستة أشخاص».

وفيما يخص حفاظه على صحته يقول: «ربما يعود ذلك لطبيعة الأعمال الشاقة التي كنت أقوم بها والتي أكسبت جسمي الصلابة بالإضافة إلى "المشي" حيث كنت أمشي قرابة/14/ساعة تقريبا يوميا في ذهابي وعودتي من العمل، ولطبيعة الأكل الذي كنت آكله أيضا دور كبير والذي كان بمعظمه يقوم على الحليب ومشتقاته وأيضا "العدس" و"البرغل"».

للحج "عوض" ستة أبناء وخمس بنات وقد حصل عن هذه الأسرة على "وسام الأسرة" الذي منحته إياه الدولة في وقت كانت تشجع فيه على الإنجاب، أما أحفاده فيصل عددهم تقريبا إلى /150/.