مثّلت الدكاكين القديمة في "حوران" نمطاً مثالياً للحياة البسيطة التي عاشها الأجداد في الحقبة الزمنية الماضية، والتي تمثل البساطة والصدق والعلاقات الودية مع جميع أفراد المجتمع، فكانت تراثاً لجميع أبناء المنطقة؛ ما زال حاضراً في وجدانهم.

الدكاكين التي عدّت مكاناً لعقد المقاضاة و"القضوات" العشائرية، يحدثنا عنها الحاج "حسن كحول" الذي يبلغ من العمر سبعين عاماً، وهو من مدينة "درعا" وأحد المؤسسين القدامى للدكاكين، ويقول لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 10 آذار 2016: «ما زالت الدكاكين القديمة في السوق القديم بجانب سكة القطارات للخط الحجازي الأردني موجودة، حيث تمثل الحياة القديمة والشعبية من حيث الحاجيات التي تباع فيها، لأن المجتمع الحوراني كان ومازال يراعي في حكمه العادات والأعراف.

تعدّ الدكاكين القديمة بمنزلة دواوين يجتمع فيها الأهالي وخاصة في الصباح الباكر، فيجلس كبار السن من أقارب وجيران بجانب الدكان ليلعبوا طاولة الزهر أو لعبة "النقلة والبرسيس"، ويحتسون الشاي الأسود المنقوع

فهذه الأعراف تحكم في كل القضايا الاجتماعية والمدنية والشخصية، حيث تتم مناقشة تحضيرات "عقد الراية"؛ وهو عادة شائعة لدى أهالي "حوران" في المنازعات والخلافات العشائرية، ويكون في آخر مرحلة من مراحل الصلح الذي يقوم به طرف ثالث لا دخل له في المشكلة بعد تكوين لجنة عشائرية تسمى لجنة الصلح "العَطْوَة"، التي تحدد وتعين الشخص الذي يكفل المتخاصمين عند وجهاء العشائر بأشخاص يضمنون عدم الاعتداء من كلا الطرفين، حيث كان في كل دكان "بكرج" من القهوة "السادة" للزائرين والمتسوقين والمتقاضين».

يجتمع فيها الأهالي والوجهاء من أقارب وجيران وخاصة في الصباح الباكر، وهنا يضيف "عمار الحشيش" رئيس غرفة سياحة المنطقة الجنوبية: «تعدّ الدكاكين القديمة بمنزلة دواوين يجتمع فيها الأهالي وخاصة في الصباح الباكر، فيجلس كبار السن من أقارب وجيران بجانب الدكان ليلعبوا طاولة الزهر أو لعبة "النقلة والبرسيس"، ويحتسون الشاي الأسود المنقوع».

مثّل الراديو أحد الأساسيات في جلسات كبار السن في هذه الدكاكين، ويضيف بهذا المجال "عبد الوحيد المقداد" من بلدة "غصم"؛ الذي امتلكت عائلته أكبر دكان لتجارة الحبوب في سوق "درعا" القديم، فيقول: «جرت العادة من قبل أجدادنا أن يوضع الراديو في مكان مرتفع حتى يستمع إليه الجميع في الدكاكين، ويتبادلون الأحاديث، وصاحب الدكان يسجل على دفتره طلبات كبار السن، كأن اليوم يبدأ عندهم في الدكان وينتهي بنفس المكان، مع تناول سجائر الدخان العربي».

ويتابع: «من أهم الدكاكين التي كانت مشهورة في "حوران" ومدينة "درعا" وكانت تسمى بأسماء أصحابها؛ دكان "بدر الدين الشرقطلي"؛ حيث كان محلّه للكلف والأزرار والخيطان، و"أبو سليم الخولي" وهو تاجر أراضٍ، و"خطاب" للعطور والبهارات، إضافة إلى "جنيد والصباغ" للأقمشة و"الشنابر وبيجامات العجايز"، و"عجاج وعجلوني" أجبان وألبان وسكاكر وموالح و"قضامة"، ومن اللافت أن معظم تجار السوق والدكاكين من "دمشق"، والسبب أن الحوارنة لم يلتفتوا في البدايات إلى التجارة، إنما اعتمدوا في حياتهم الفلاحة والزراعة».

وعن ميزات الدكاكين القديمة يقول "مروان العودة" من منطقة "الضاحية"، ووالده من أهم تجار المدينة: «تعدّ أسواق ودكاكين "حوران" من أهم الأسواق في المنطقة الجنوبية من حيث جمالها واتساعها واحتفاظها بطابعها الأصيل، وهي تمتاز بسقوفها وحجارتها الزرقاء التي تحمي روادها من قيظ الصيف وبرد الشتاء، وتحمل عبق الماضي حيث تتكون من باب خشب بمفتاح كبير ورفوف خشبية، سقفها مبني من الحور العريض و"دوامر حديد وطلاقيات"، ومساحة الدكان نحو 10 أمتار بعرض 5 أمتار، فيها غرفة للمنامة تقام على "السقيفة"، كما تركن على الرفوف مكانس القش وملاقط الغسيل الخشبية، ويوضع على الرفوف والطاولة الخشبية حلويات شعبية داخل أوعية، و"راحة" كرتونية مربعة تشتهر بها المدينة».

وعن طرائق البيع في هذه الداكين يقول الحاج "محمود الدوس" من كبار السن في مدينة "درعا": «طرائق البيع أغلبها بالدين؛ تسجل على دفتر كبير أكل عليه الزمن، والبيع يتم شرط إحضار دفتر صغير للذي يريد أن يشتري، يتم التسجيل على الدفترين الكبير والصغير، وفي آخر الشهر تتم المقارنة والتسديد، حيث يضع ما يشتريه في أكياس ورقية، وكان الناس في الماضي يعتمدون حاجيات بسيطة كالقماش ويفصلون منه الألبسة، ولحاجيات المنزل يشترون السكر والشاي والقمح، نتيجة بساطة الحياة واعتمادها على الأكلات القديمة؛ "كالرشوف، والعبيطة، والمجامير، واليقطين باللبن، والمقطعة"».