أبدع الفلاح الحوراني في طريقة حفظ "التبن" الذي يخرج من حصاد موسم القمح في الأرياف، فكانت "الرزونة" التي حملت قصص حب وحياة اجتماعية، مازالت حاضرة في ذاكرة الجيل حتى اليوم.

مدونة وطن "eSyria" عادت إلى الماضي وبحثت عن العادات والطقوس التي كانت ترافق بناء "الروزنة" في قرى ريف "حوران"، والتقت بتاريخ 19 شباط 2016، الجدّ "عبد الوحيد المقداد" من قرية "غصم"؛ الذي شارك في شبابه ببناء العديد من غرف "الروزنة" مع أهل قريته، ويرى أن هذا التعاون يعبر عن الطيبة والتلاحم بين سكان هذا المجتمع الريفي، ويقول: «في موسم القمح وعندما كان الفلاح الحوراني يفكر بمواكبة حياته العملية وتأمين حاجياته، أخذ يفرغ "التبن" بعد الدرس والحصاد في "المتبن"، ويضعه كطعام للماشية في المكان الذي يصنعه فيه، فكانت "الروزنة" حافظة للتبن عند الفلاح الحوراني في الأرياف».

في موسم القمح وعندما كان الفلاح الحوراني يفكر بمواكبة حياته العملية وتأمين حاجياته، أخذ يفرغ "التبن" بعد الدرس والحصاد في "المتبن"، ويضعه كطعام للماشية في المكان الذي يصنعه فيه، فكانت "الروزنة" حافظة للتبن عند الفلاح الحوراني في الأرياف

ويتابع: «بعد نقل حبوب القمح وتسويقها تأتي المرحلة الأخيرة وهي نقل التبن من البيادر، حيث يقوم الشباب بتعبئته في أكياس تنقلها الصبايا والعمال إلى "التبان" الموجود بجانب البيت، ويتم النقل بـ"خياش التبن"؛ وهي أكياس كبيرة بطول متر ونصف المتر تقريباً، وبقطر تقريباً 1م، ليتم تفريغها من "الروزنة"، وهي فتحة في سقف "التبان"، وهو مكان تخزين التبن، وتكون "الروزنة" دائرية الشكل تقريباً، وعادة ما يكون الدرج الصاعد إلى سطح "التبان" بعرض 2م وبميول منتظمة من دون درجات؛ حيث تتمكن الحيوانات من الصعود إلى سطح التبان لتفريغ التبن من "الروزنة"، الذي يكون من الخشب القاسي الذي يحمل الأوزان».

تجهيز "شوالات التبن"

"صلاح السعيد" فلاح من مدينة "الشيخ مسكين" يتحدث عن مساحة وسعة "الروزنة" بالقول: «تكون "الروزنة" ذات مساحة كبيرة لتستوعب إدخال أكبر كمية ممكنة من "التبن"، وهي فتحة في أعلى السطح، وتكون في وسطه أو على إحدى الزوايا، قطرها ما بين 50 إلى 70سم، ولها باب كبير، و"التبانة" عادة ما تكون مؤلفة من غرفة واحدة كبيرة، حيث يقوم الفلاح بحمل الأكياس المملوءة بالتبن إلى أعلى السطح ثم تفرغ، ويجب أن تكون "التبانة" محصنة جيداً لكيلا يدخلها الماء، وعندما ينتهي موسم التبن تغلق "الروزنة" بالأخشاب والأحجار والطين لحماية التبن من الأمطار».

ويتابع: «"للروزنة" قصة وحكاية معروفة في الريف، وتعود إليها الأغنية الشعبية "عالروزنة"، وتقول الحكاية أن شاباً وفتاة أحب أحدهما الآخر، وعندما علم أهل الفتاة أمر حبهما قاموا بحجزها في غرفة القمح والتبان، والطاقة الصغيرة التي كانت في أعلى غرفة التبان يقال لها "الروزنة"، فكان الحبيب يومياً يأتي صباحاً ومساءً، ويغني لحبيبته وهو يقف تحت "الروزنة" ويردد: (عالروزنة عالروزنة كل الحلا فيها.. شو عملت الروزنة الله يجازيها)».

محمود الدوس

"محمود الدوس" أحد كبار السن في مدينة "درعا" يقول: «الفلاحون في "حوران" كانوا مبدعين في حياتهم الريفية بكل معنى الكلمة، فلم يكن يصعب عليهم أي شيء، وكانوا يصنعون ويبتكرون كل ما يحتاجون إليه في حياتهم اليومية، ومنها أبنية متعددة لتخزين الحبوب وتشغيل أفكارهم لتحقيق إبداعاتهم التي كان منها "الروزنة" التي ابتكروها لتسهيل عملية تخزين الحبوب وحفظ "التبن" لإطعام الحيوانات في فصل الشتاء، وبنقله إلى "الروزنة" وتخزينه ينتهي الفلاح من العمل الذي بدأ قبل أشهر، ولذلك يقيم حفلة غداء أو عشاء بعد التخزين تسمى "الجورعة"؛ حيث يتناول الحاضرون الطعام وتوزع بعده "الراحة الحورانية" و"اللزاقيات" ابتهاجاً بالانتهاء من العمل وتخزين "التبن" بعد طول عناء».