تنطق حجارة "الحبالة" بقرى "حوران" بحكايات التاريخ والحضارة، وتراث الأجداد والأبناء الذين ما يزالوا أوفياء لماضيهم ويعلمونها لأبنائهم حتى الآن. فهي جزء مهم من البيوت القديمة، لها طبيعة وذاكرة في نفس كل حوراني.

وعن "الحبالة" تحدث "عبد الرحيم المقداد" من ريف مدينة "بصرى" لمدونة وطن "eSyria"، بتاريخ 9 شباط 2016: «كانت بيوت الآباء والأجداد في "حوران" مبنية من سناسل حجر البازلت الأسود والأزرق، ولها تاريخ لنمط معيشتهم، وهي جزء من تراث ماضي الآباء والأجداد، وجزء مهم من البيوت القديمة، ولها طبيعة وذاكرة في نفس كل حوراني، وكانت سوراً للبيوت وكروم البساتين، وأحياناً سوراً لزريبة الأغنام، أو لفصل الأراضي بعضها عن بعض، وقديماً كان يعاب الرجل الذي يمشي في "عروق السناسل"، لأنها تدل على الخضوع وعدم الرجولة، ويقصد بـ"عروق السناسل" الأماكن الظليلة على جانبي أسوار الحجارة، وعادة ما تكون مخصصة لسير الدواب».

كانت بيوت الآباء والأجداد في "حوران" مبنية من سناسل حجر البازلت الأسود والأزرق، ولها تاريخ لنمط معيشتهم، وهي جزء من تراث ماضي الآباء والأجداد، وجزء مهم من البيوت القديمة، ولها طبيعة وذاكرة في نفس كل حوراني، وكانت سوراً للبيوت وكروم البساتين، وأحياناً سوراً لزريبة الأغنام، أو لفصل الأراضي بعضها عن بعض، وقديماً كان يعاب الرجل الذي يمشي في "عروق السناسل"، لأنها تدل على الخضوع وعدم الرجولة، ويقصد بـ"عروق السناسل" الأماكن الظليلة على جانبي أسوار الحجارة، وعادة ما تكون مخصصة لسير الدواب

تبنى "الحبالة" في ريف "حوران" بطريقة حرفية متقنة، ويقول "محمود الأحمد" أحد كبار السن في قرية "غصم": «كانت تمثل هذه "الحبالة" المرصوفة جزءاً من تراثنا القديم، ورمزاً لنمط حياة القرى والريف الحوراني الذي يحاكي نمط ومعيشة البساطة، وصورة عن فن العمارة القديم، وتبنى "الحبالة" في ريف حوران بطريقة حرفية متقنة، عبر صف الحجر بشكل علوي أو سفلي، وكان جميع أفراد الأسرة يشاركون بجمع الحجارة أو جلبها من الأودية ومناطق التلال الصغيرة بواسطة الدواب، وفي بعض المناطق الريفية تبنى "الحبالة" من هذه الحجارة مع الطين، لتثبيت الحجارة وعدم انهيارها.

الحبالة في الريف الحوراني

في المرحلة الأولى من بناء "الحبالة" يقوم البنّاء بتسوية وتنظيف المكان المحدد لها لتفادي الميلان وعدم انهيارها، وانتقاء الصخور بشكل يتناغم فيما بينها ليكمل المدماك الأول، ويتم اختيار الصلب والأمتن والمستوية لتكون في قاعدتها، ثم يقوم بعدها بصف الحجارة بجانب بعضها، وبعد انتهاء الصف الأول يبدأ رص الحجارة ثانية ليكون المدماك الثاني، وهكذا إلى أن تكتمل "الحبالة"، فيلجأ إلى ترصيص وجهها العلوي بحجارة رقيقة تجعلها وكأنها درب مرصع بالحجارة الجميلة يسهل السير فوقها».

على الرغم من بساطة الأدوات المستخدمة في صناعتها، لكنها تقف صامدة على الرغم من مرور عشرات السنين عليها، ويتابع: «"الحبالة" تساهم من جهة في تخليص الأرض من الحجارة التي تعيق حرثها وزراعتها، وهي من جهة أخرى تحافظ على التربة من الانجراف، عدا دورها الجمالي بوصفها لوحات حجرية متناغمة تحول الحجر إلى تناغم فتغدو لوحات تشكيلية منتشرة بجوار المزارع أو البيوت الريفية الجميلة، وأهم الأدوات التي يستعملها البناء أو رب الأسرة ببنائها "المهدة والشاكوش والإزميل"، يفتت الصخور لتأخذ مكانها بين حجارة "الحبالة" بما يمنحها متانة وجمالاً، فتكتشف هندسة لقاء الحجر بالحجر، ويقوم باستعمال الحصى الصغيرة، كـ"تشريكة" بين الصخور الكبيرة لتثبيتها».

والبيوت الحجرية هي في الواقع جزء من تراث ماضي الآباء والأجداد، وكان أهم أركانها "الحبالة" التي تساهم من جهة في تخليص الأرض من الحجارة التي تعيق حرثها وزراعتها؛ كما يؤكد كلامه "خالد عويضة" أحد المهتمين بالتراث الحوراني: «لكل منطقة في "حوران" ماضٍ وتراث تفخر به، فمنذ عقود من الزمان كان الأجداد يعيشون ببساطة تتناسب مع ظروفهم التي تحيط بهم؛ إذ كانوا يعيشون في جو غير مستقر مع شظف العيش، ومناطق "حوران" تزخر بالعديد من المعالم الأثرية والتاريخية البارزة، وكذلك الأطلال القديمة التي لها تاريخ عريق وماضٍ جميل، والبيوت الحجرية هي في الواقع جزء من تراث ماضي الآباء والأجداد، وكان أهم أركانها "الحبالة" وهي السور الخارجي المبني من الحجر، و"الجمش أو الدبش" كما يطلق عليها بـ"حوران"، وهي من أهم أنواع الحجارة التي يتم بناء "الحبالة" منها عبر تقسيمها ووضعها بين الحجارة الكبيرة، و"الحبالة" مشهورة بكثرة في مناطق "بصرى الشام واللجاة"، والمنطقة الغربية التي تنتشر فيها الحجارة الزرقاء».

خالد عويضة