تعدّ "الطلاقية" جزءاً لا يتجزأ من منازل "حوران" المبنية من الحجر الأزرق، وتواكب العلاقة الجميلة ما بين الماضي والحاضر، وهي خير حافظ لما يدور داخل الحجرات والمضافات، وعندما تسدل درفتيها كأنهما جفنا العين على حكايات أصحابها وأسرارهم.

حول علاقة "الطلاقية" بمنازل "ريف حوران" مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 25 كانون الأول 2015، "خالد عويضة" أحد المهتمين بالتراث الحوراني، الذي قال: «البيت هو العالم الأول للإنسان، وركنه الآمن مقابل الخطر المرسوم في الخارج، وهو دفء الداخل الموصد على برد الخارج، و"الطلاقية" لها ذكريات أبدية لا تمحى من الذاكرة، حيث كانت من أهم أركان وأقسام المنزل، تقسم إلى قسمين؛ الجانب السفلي حيث يقف صفان من الخشب المائل، والقسم العلوي الذي تنفرج منه بوابتان صغيرتان ليبدو أمامهما صفّ من الأعمدة الحديدية، ومن خلال البوابتين المقفلتين يتسلل شعاع هادئ ينبئ عن وجود ضوء خلفهما».

"الطلاقيات" هي بنية معرفية تنسجم مع واقع وبيئة المجتمع الحوراني، قائمة على موروث أخلاقي متجدد لا يمحى من الذاكرة، ولأنها إرث مكاني تمنح صاحبها مكانة اجتماعية من خلال نشرها في المنزل، وهي نافذة خشبية تطل على الشارع الخارجي، حيث كانت من النوع الخشبي القديم، ولها عدة أشكال متنوعة تتيح للضوء والهواء فرصة التسلل إلى الداخل، ولا يمكن للناظر من بعث نظراته إلى ما خلفها

"عمار الحشيش" رئيس غرفة السياحة بالمنطقة الجنوبية حمل رؤية خاصة سردها لنا عن "الطلاقيات" بالقول: «"الطلاقيات" هي بنية معرفية تنسجم مع واقع وبيئة المجتمع الحوراني، قائمة على موروث أخلاقي متجدد لا يمحى من الذاكرة، ولأنها إرث مكاني تمنح صاحبها مكانة اجتماعية من خلال نشرها في المنزل، وهي نافذة خشبية تطل على الشارع الخارجي، حيث كانت من النوع الخشبي القديم، ولها عدة أشكال متنوعة تتيح للضوء والهواء فرصة التسلل إلى الداخل، ولا يمكن للناظر من بعث نظراته إلى ما خلفها».

"الطلاقية" بمنزل اللبن

ويضيف: «المنزل كائن حي مثل الجسم البشري له منافذ وفتحات ومخارج، وهي النوافذ والأبواب، و"الطلاقية" جزء لا يتجزأ من منازل "حوران" المبنية من الحجر الأزرق أو "اللبن"، وكانت تأخذ "الطلاقيات" الخشبية أو المعدنية في بعض أشكالها شكلاً طولياً مستطيلاً، وقد تكون مقنطرة في أعلاها أو معشقة بالزجاج، ونادراً ما تكون مربعة الشكل، يتسلل منها الضوء مطلاً على السماء أو الوديان أو الناس والشارع، فضلاً عن كونها خير حافظ لما يدور داخل الحجرات والمجالس، حيث كانت تسدل درفتيها كأنهما جفنا العين على حكاياتهم وأسرارهم، فكانت بذلك روح البيت، لكن لم يعد اليوم لتلك "الطلاقيات" وجود إلا في مخيلة الناس وذكرياتهم عن الماضي الجميل».

لـ"الطلاقيات" أهمية كبيرة في حياة وتراث أبناء "حوران"، فهي تحتاج إلى الخبرة في العمل لتكون بالمكان والحجم المناسبين، كما حدثنا العامل "موسى القاسم" من مدينة "درعا" مؤكداً: «أجدادنا وآباؤنا كانوا باستمرار يزودون الحجرات بفتحات من "الطلاقيات" التي كانت من أعمدة المنازل، وهي نوافذ صغيرة جداً في الجزء العلوي من الجدار وعلى ارتفاع يزيد على أربعة أمتار أحياناً، لها بناءان معروفان في كل قرية وبلدة، وسبب الاهتمام بها وظائفها المتعددة التي لا يستغني عنها صاحب المنزل، أهمها إدخال الضوء والتهوية في الصيف، وإدخال أشعة الشمس في الشتاء، وكانت في ذلك الوقت تصنع من أخشاب الأشجار المحلية على شكل مستطيل يمر به صف من قضبان الحديد الطولية المرتبة أفقياً، وكان بعضها يصنع بأشكال وأحجام مختلفة حسب الحاجة، فمنها حجرية تحفر في الجدار نفسه، وتصنع في المنازل المبنية من الحجر الأزرق البازلتي، ومنها خشبية تعشّق بالحديد وتكون مطلة على باحة البيت في الأدوار السفلية، ولا تكون مطلة على الشارع إلا في الأدوار العلوية، وعادة تتكون من درفتين».

عمار الحشيش
"طلاقية" من الحديد