لموسم "الجنايات" أهمية كبيرة لدى عائلات "حوران"، وخصوصاً في المناطق المحاذية للأودية، لأنه موسم مميز ومملوء بالنباتات والأعشاب، التي تعد وجبات تتناولها هذه العائلات باستمرار طوال الموسم.

مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 16 تشرين الثاني 2014، التقت السيد "محمد فتحي المقداد" الباحث في التراث الحوراني، الذي قال عن موسم "الجنايات": «"الجَنَا" و"الجنّايّاتْ" والمقصود بالجنا هم البنات الشابات عندما يخرجن للسهول والهضاب حول القرى في موسم الربيع، لجمع "العكّوب، والكزبرة البريّة، والرشاد، والفطر، واللوف" في موسم الربيع، ويطلق على هؤلاء النسوة "الجنّايّاتْ"، والأداة لاستخراج "العكّوب" من باطن الأرض هي "العَبْوَة"، والجنا هو محصول "الجنّايات"، ولقد مثل جمع النباتات البرية وأهمها "العكوب والفطر والرشاد" فيما مضى، مصدر دخل وفير لأهالي مناطق "حوران"».

لا بد من التفريق بين مصطلح الجنّاية و"اللّقاطة"، وهي التي تمشي أولاً أمام الحرّاث وتسقط من يدها الملأى بحبوب العدس أو الجُلْبَانة أو الحمّص أو الذرة، وتنتظر حتى ينتهي الحرّاث الرجل الذي يقوم بالحراثة لنهاية الثِّلْم، وتعود لتمشي خلفه، وتسقط الحبوب من يدها كل 20سم نحو حبتين أو ثلاثة، ليطمرها تراب الثِّلْم، والتفريق بين الجنّاية والحشّاشة وهي التي تخرج للسهول المحيطة لتجميع الحشائش للحيوانات التي تعلف في البيوت

ويتابع: «لا بد من التفريق بين مصطلح الجنّاية و"اللّقاطة"، وهي التي تمشي أولاً أمام الحرّاث وتسقط من يدها الملأى بحبوب العدس أو الجُلْبَانة أو الحمّص أو الذرة، وتنتظر حتى ينتهي الحرّاث الرجل الذي يقوم بالحراثة لنهاية الثِّلْم، وتعود لتمشي خلفه، وتسقط الحبوب من يدها كل 20سم نحو حبتين أو ثلاثة، ليطمرها تراب الثِّلْم، والتفريق بين الجنّاية والحشّاشة وهي التي تخرج للسهول المحيطة لتجميع الحشائش للحيوانات التي تعلف في البيوت».

الباحث محمد فتحي المقداد

"العَبْوَة، والخوصةُ، والمعقاد، واللُّصْمةْ" أهم أدوات الجنّايات، وهنا يضيف "المقداد": «أهم أدوات الجنايات "العَبْوَة والخوصةُ والمعقاد واللُّصْمَهْ والركوبة والدبوس"، و"العَبْوَةُ" قصعة حديدية عريضة الرأس ما بين 10–15سم حادّة، في أعلاها حلقة دائرة توضع عصا بطول متر، وهي لاستخراج "العكوب" من باطن الأرض، و"الخُوصَة" عبارة عن سكين ذات يدٍ خشبيةٍ، وتتميز بنصلها القاسي ورأسها الحاد والمدبب لتنغرس في باطن الأرض لقطع جذور النباتات المراد جَنْيَها، بينما "المِعْقَادْ" فهو عبارة عن قطعة قماش كبيرة نسبياً تعقد من أطرافها حتى تصبح كحافظة لما تلتقطه الجنّاية، وتعلقها على ظهرها، وأخيراً "اللصمة" وهو منديل أو قطعة قماش تكون طويلة وتلفها الجنّاية على نصف وجهها وتغطي الأنف وتعقدها خلف رأسها بعقدة، وفائدتها أنها تحفظ الوجه من حرارة الشمس وتجنباً للهواء والغبار».

وعن أهم النباتات التي تقطفها "الجنايات" في السهول والأودية؛ يقول السيد "خالد عويضة" أحد المهتمين بالتراث الحوراني من مدينة "الشجرة": «تبدأ النساء المتقدمات في السن في العديد من مناطق "حوران" بعملية الجني للنبات التي تنمو بعد هطول الأمطار، ومن أهم النباتات التي تستهوي النساء لجمعها في السهول والأودية، نبات "الحميّض" وهو نبات ربيعي ينبت في السهول والأراضي الوعرة، حامض الطعم ولونه "لحمي" تقريباً مع اخضرار شاحب، ثنائي التفرع والأوراق مستديرة عند الطرف الطليق بشكل بيضوي ومستطيل ولها ما بين ثلاثة عروق إلى خمسة للأزهار، تقوم النساء بطبخه، و"الشيح" وهو نبات ربيعي ينبت في السهول والأراضي المتماسكة والوعرة الصلبة، ويميل لونه إلى البني، إضافة للعديد من الأعشاب، منها: "الخبيزة، والعكوب، والهندبة، والقرّيص، والسلق، والفرفحينه، والشومر، والبابونج، وغيرها».

جني النباتات

وعن الأوقات التي تخرج فيها "الجنايات" إلى السهول يحدثنا السيد "عبيدة الزعبي" بالقول: «تخرج الجنايات في المناطق الغربية والشرقية كل صباح في وقت مبكر إلى المناطق البرية وسهول بلدة "طفس والسامرية"، وأودية "اليرموك والعلان وأبو الذهب"، وتتم عمليات الجني في الصباح الباكر وفي المساء، ويفضل أن يكون الجو غائماً، أو بعد هطول الأمطار بيوم عندما تكون الأرض قد نشفت من المطر والوحل لتستطيع النساء التحرك بسهولة في الأودية، وبعد العصر تعود "الجنّايات" للقرية وقد أخذ منهن التعب كل مأخذ، ويقمن بفرد "الجَنَى"، "فالعكوب، والخبيزة، والمرار، والهندباء" للفطائر الحورانية الشهية، أو يطبخن "الخبيزة والمرار والهندباء" بزيت الزيتون البلدي مع البصل، تأكله العائلة مع خبز القمح الحوراني الساخن "خبز الطابون"، كما هو معروف في مناطق أخرى، ويطلقون على هذه الطريقة من الطبخ "الهَلْوَسة"».

أما الآنسة "نادين رضوان" وهي موظفة في مديرية البادية، فتقول: «ينتظر الناس كل عام فصل الشتاء و"التشارين"، بكل بهجة وسرور لما فيه من الخير لأنه موسم مميز ومملوء بالنباتات والأعشاب، التي نتناولها باستمرار طوال الموسم، ومن أهم النباتات التي تحظى بهذا الموسم بإقبال شديد من جميع الناس "العكوب، الخبيزة، والهندبة"، فهي تعد من الأكلات المفضلة لدى أبناء "حوران"، حيث تجتمع النساء كل يوم صباحاً بعد أن يتفقن مساء على التوجه للجني في السهول والأودية التي يكثر فيها، وبعد تجهيز أدوات الجني من سكاكين وأكياس الخيش والحذاء الخاص بالمناطق الوعرة والأودية، ويبدأ المسير في الباكر حيث يتوجهن مشياً على الأقدام أو الركوب في إحدى الحافلات إلى المكان المراد الجني فيه، وبعد الوصول إليه يتجهن إلى الأودية إما بالركوب على ظهور الحمير أو المشي، وبعد جني المحصول يلف في "الإيشار"، ويحمل على الرؤوس».

الخبيزة الأشهر بين الأعشاب