لقطاف العنب في "حوران" عادات وطقوس متعارف عليها منذ زمن طويل، حيث تجتمع العائلات والأقارب للمساهمة في عملية قطاف العنب؛ ما يخلق حالة من التواصل والتكافل الاجتماعي بين أبناء "حوران".

وعن هذا الموسم المهم في "حوران" وتحضيراته الخاصة؛ يحدثنا السيد "محمد القاسم" "أبو فراس" من أهالي قرية "العجمي" في ريف مدينة "المزيريب"، الذي التقيناه بتاريخ 27 أيلول 2014، فقال: «موسم العنب في جميع مناطق "حوران"، يحظى باهتمام كبير من قبل الفلاحين؛ وذلك بسبب الانتشار الواسع للمحاصيل على مستوى المساحة التي تشغلها، ويعود ذلك للظروف المناسبة في "حوران" لزراعته من تربة حمراء وتوافر المياه، والمناخ المناسب، ولموسم جني المحصول والحصاد طقوس وعادات لا تزال متوارثة، أولها الاجتماع قبل يوم للتحضير ليوم جني المحصول، وتوفير جميع المستلزمات الخاصة للقطاف من طرود "السحاحير"، ومقصات، وخيطان، ويتم جني المحصول في الفترات الصباحية والمسائية، يرافقها أغانٍ خاصة يرددها كبار السن، والاستيقاظ باكراً ضرورة لا بد منها أيام جني المحصول؛ إذ لا يمكن العمل مع ارتفاع الحرارة، على الرغم من أن عرائش العنب تمنع الشمس من الوصول إلى الفلاحين، وتناول الطعام يتم في فترة واحدة تكون في عادة الساعة التاسعة صباحاً، ويتألف من الخبز واللبن والفطائر الحورانية والشاي المغلي على الحطب».

أيام الحصاد تخلق حالة من التواصل والتكافل الاجتماعي، وتعلم أبناء "حوران" الحفاظ على تراث أجدادهم، ومن أهم العادات التي يجب أن تطبق قيام أصحاب الأرض أو مزرعة العنب، بتخصيص بعض الكميات من المحصول وإرسالها إلى الأقارب والجيران، ومن يقوم بـ"الفزعة"، ومساعدة صاحب الحقل والمزرعة في عمليات جني العنب التي تحتاج لأكثر من مرة لعملية القطاف

الحاج "محمد المحمد" من سكان مدينة "درعا" عاد بذاكرته إلى الوراء، وحدثنا عن جني العنب قائلاً: «حافظ المجتمع الحوراني على كثير من العادات والطقوس الاجتماعية التي ورثها عن الأجداد، ومنها عادات جني المحاصيل المهمة كالعنب والزيتون، وأهازيج العمل أحد الموروثات الاجتماعية التي مازالت حاضرة وركناً أساسي فيها، فهذه الأهازيج تساعد على عدم الشعور بالوقت الطويل الذي يستغرقه قطاف ثمار العنب؛ فهي مثل مشجع لمن ينتابه التعب على بذل الجهد والاستمرار في العمل، ومن هذه الأهازيج:

العنب الحوراني

"دق الموسى عالعنقود... يا ويل يللي ما فيه ناموس... وين النشامى... إخواتي".

ويقال أيضاً:

"رمينا حبنا واتكلنا على ربنا... يا مرزق الطير بظلام الليل"».

الحاج محمد المحمد

أيام جني العنب تخلق حالة من التواصل والتكافل الاجتماعي بين أبناء "حوران"، وهنا يقول السيد "خالد عويضة" أحد المهتمين بالتراث الحوراني: «أيام الحصاد تخلق حالة من التواصل والتكافل الاجتماعي، وتعلم أبناء "حوران" الحفاظ على تراث أجدادهم، ومن أهم العادات التي يجب أن تطبق قيام أصحاب الأرض أو مزرعة العنب، بتخصيص بعض الكميات من المحصول وإرسالها إلى الأقارب والجيران، ومن يقوم بـ"الفزعة"، ومساعدة صاحب الحقل والمزرعة في عمليات جني العنب التي تحتاج لأكثر من مرة لعملية القطاف».

ويقول السيد "عبد الهادي البقيرات" صاحب مزرعة عنب وأحد المتقدمين بالسن في بلدة "تل شهاب": «هناك بعض الطقوس والعادات التي يجب أن يقوم بها الفلاحون في "حوران" قبل وأثناء عمليات قطاف العنب، ومنها إدخال الرعاة لرعي الحقول قبل جني العنب للتخلص من الأعشاب الطويلة، ليتمكن العمال من قطف الثمار بسهولة ودون معاناة، لكون زراعة العنب تعتمد على نمط الأعمدة الهوائية المصنوعة من البيتون الإسمنتي، وترتفع نحو 130سم عن الأرض؛ ما يسمح بدخول الماشية بين أشجار العنب».

قطاف العنب

ويتابع: «ويجب على رب العمل أي صاحب الحقل، توفير الطعام والشراب والسكن إذا تطلب الأمر في داره أو حقله للعمال، وحصاد العنب اليدوي من أصعب الأعمال وأكثرها عناء ومشقة، إلا أن الأغاني والأهازيج التي يرددها العمال خلال العمل تخفف عن العاملين بعض العناء وتشجعهم على العمل، وعلى العامل والفلاح قص وقطف العنب بسلاسة وهدوء لكي لا ينفرط عنقود العنب، ووضعه في الصناديق بسهولة وهدوء ووضع العناقيد فوق بعضها بعضاً، بعد أن يكون قد توزع العمال على قسمين: قسم للقطاف، وقسم لوضع العنب في "السحاحير"».