يبدو أن ظاهرة البناء بالحجر البازلتي قد عادت إلى الوجود في محافظة "درعا"، وخاصة في السنوات الأخيرة، حيث برزت اهتمامات جديدة لهذا النوع من البناء، في ظل الانتشار الواسع للبازلت في المنطقة، ووجود احتياطيات كبيرة؛ ونوعيات مناسبة، لتضفي على أحياء المدن والقرى منظراً جمالياً وحضارياً.

يقول السيد "أنور الدبيس" من أهالي مدينة "جاسم" لموقع eDaraa: «نظراً للعيوب التي تتصف بها الحجارة البيضاء والمواد الأسمنتية، من طراوة وقلة مقاومة للعوامل الجوية وامتصاص الغبار، وما تحتاجه من تكلفة سنوياً لإعادة تنظيفها، توجه السكان لإستخدام الحجر البازلتي في عملية البناء سواءً بشكل كامل أو في عملية تلبيس واجهات المنازل، وذلك لما يتمتع به من مزايا عديدة كالقساوة ووجود مادة الصوف الصخري التي تستخدم في العزل الحراري للأسقف المستعارة، في الوقت الذي يعزز وجود الأبنية القديمة البازلتية من رأي الراغبين بالبناء، كونها لا زالت تتمتع بمواصفات جيدة، على الرغم من مضي سنوات طويلة على إنشائها، وتعرضها لعوامل جوية مختلفة، ما شجع الكثير من السكان للعودة للماضي من خلال البناء بالحجر البازلتي».

نقوم بشراء الكتل البازلتية والتي يقدر وزنها بـ/4-5/ أطنان، ثم شطرها وحزها وتحويلها إلى شرائح بسمكات معينة، ثم صقلها ومعالجتها كي تأخذ شكلها النهائي وتصبح جاهزة للبناء

وذكر الدكتور "عبد الصمد العطا" أحد مستخدمي الحجر البازلتي: «أستخدم الحجر البازلتي حالياً في البناء ، كونه حجر طبيعي متوفر في منطقتنا بأسعار مقبولة، مقارنة مع الحجر المستورد، وبالتالي فهو يوفر نفقات مالية بما يعادل /40%/ فيما لو استخدم حجر مستورد آخر، ناهيك عن دوره في أحياء التراث القديم كونه يشكل جزءاً من ماضينا».

وعن الاقبال على البناء بالحجر البازلتي تحدث السيد "أيوب الجلم" صاحب منشأة لقص الحجر البازلتي والرخام بتاريخ 25/12/2010 لموقع eDaraa قائلاً: «نظراً لتزايد الطلب المحلي على هذه المادة، ولجودتها من متانة وصلابة ولون، ولإقبال الناس على شراءها من أماكن بعيدة، قمنا بانشاء معمل لتلبية الاحتياجات المطلوبة، من خلال تصنيعها وتسويقها، ماساهم في خفض تكاليفها، حيث يبلغ سعر المتر المربع الواحد من الرخام المحلي نصف سعر المتر المربع الواحد من الرخام المستورد».

وفيما يخص تصنيعه أضاف "الجلم": «نقوم بشراء الكتل البازلتية والتي يقدر وزنها بـ/4-5/ أطنان، ثم شطرها وحزها وتحويلها إلى شرائح بسمكات معينة، ثم صقلها ومعالجتها كي تأخذ شكلها النهائي وتصبح جاهزة للبناء».

حول أنواع "الحجر البازلتي" وأشكاله ذكر السيد "نور الدين محمد الرافع" صاحب معمل لقص الحجرالبازلتي: «يقص الحجر البازلتي بسماكات عدة حسب الطلب، فهناك "الحجر المبوز" ويتم تبويزه يدوياً، و"الحجر المسمسم" ويتم تصنيعه آليا، و"الحجر السادة" وهو الحالة الطبيعية بعد القص، و"الحجر الأملس"، و"الحجر بوشارده"، وهذه الأشكال خاصة لتلبيس الواجهات.

والحقيقة أن إنتشار هذه الصناعات ونقل المادة الصخرية وترحيلها من الأراضي الزراعية؛ ساهم في زيادة المساحات الزراعية ودخولها دائرة الاستثمار الزراعي، وتوفير فرص عمل جديدة».

وحول ميزات "الحجر البازلتي" يقول المهندس المعماري "رياض السهو": «يتمتع الحجر البازلتي بقساواة عالية، ويتحمل ضغط كبير، ومقاوم للعوامل الجوية، إضافة لإمكانية الحصول على نماذج متعددة ومختلفة منه، تعطي جمالية لشكل البناء، وقد استخدم سابقاً قي بناء جميع الأبنية الخاصة والحكومية ولجميع عناصر البناء، من جدران حاملة وفي الأسقف على شكل قبب أو قناطر أو قبوات أو كقواطع داخلية، وكانت غالبية الأبنية عبارة عن طابق واحد، وبعد ظهور البيتون المسلح واستخداماته في الأبنية، توقف استخدام الحجر البازلتي في الأبنية، نتيجة للميزة التي يعطيها "البيتون" في إمكانية الحصول على عدة طوابق وسماكة جدران أقل.

لكن بعد التطور العمراني ونتيجة لتوفر الحجر البازلتي في المنطقة بكثرة، ولإقامة العديد من معامل تشكيل الحجر وقصه وتصنيعة، توجه البعض إلى استخدامه في عملية البناء الكامل، أو في الكسوة الخارجية للأبنية المنفذ هياكلها من البيتون المسلح، وفي بعض الأحيان استخدم كعناصر حاملة في الجدران والأسقف، وأدى هذا الاستخدام للحصول على ميزات جيدة للبناء كالمظهر الخارجي وجمال الواجهات، وميزات العزل الحراري المطلوب توفرها في البناء».

وعن أهمية التاريخية وعلاقته بأبناء المنطقة قال السيد "نضال شرف" مدرس تاريخ :«هناك علاقة بين أهل "حوران" والحجارة البازلتية السوداء، ولها خصوصية رسمها انتشار هذا النوع من الحجارة في المنطقة، فالحجر الأسود رمزاً من رموز المنطقة، واستخدامه بكثرة في البناء تاريخياً وفي الاستثمار حديثاً، يشير إلى أن البيئة تفرض نفسها ومفرداتها على البشر، فقد شكلت مادة الصخر البازلتي المنتشرة في أراضي المحافظة، مادة أساسية لبناء القلاع القديمة وإقامة السدود لتجميع المياه، ورصف الشوارع والأرصفة وبناء المساجد والكنائس والبيوت السكنية، فأنتشرت الحارات الصخرية في كل مدن المحافظة، واستفاد أبناء المحافظة من الحجر الأسود في أغناء الحياة الثقافية والفنية، من خلال بناء المدرجات وتشكيل التماثيل المنحوتة التي جسدت وقائع الحياة المعاشة عبر التاريخ».