يمتلك الفنان "نايل الكراد" قدرةً فريدةً في التعامل مع الخامات المختلفة، وتشكيلها فنياً ككتلة في الفراغ، فتغدو بين يديه منحوتة جميلة، وذات دلالات فكرية عميقة. كما أنّه بارعٌ في تجسيد الحالات الإنسانية المختلفة للنفس البشرية، بما يعتريها من تقلبات كثيرة؛ متأثرةً بمعترك الحياة.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 2 تشرين الأول 2018، الفنان "نايل الكراد"، حيث حدثنا عن بداياته بالقول: «لديّ موهبة فنية تجلّت منذ الصغر، وبداياتي كانت بالرسم بقلم الرصاص، ثمّ بما توفر لديّ من ألوان، إذ كنتُ أرسم مناظر طبيعية، وأحياناً شخصيات محببة لديّ، ثمّ أخذتْ تتطور مواضيع رسوماتي شيئاً فشيئاً بحسب المشاهدات والمراحل العمرية والدراسية المختلفة، وقد حظيتْ رسوماتي آنذاك بتقييمات عالية من قبل مدرّسي التربية الفنية، الذين أحاطوني بالإشراف والاهتمام، وقد انتقلتْ أعمالي الفنية من مجرد رسومات إلى عمل مجسّمات خشبية نحتية بأدوات بسيطة متوفرة، وكان حافزي آنذاك حبّ إثبات الذات والموهبة، إلى جانب المتعة الكبيرة في عمل أيّ شيء جميل».

أبدأ عملي الفني بحسب الخامة المراد تشكيلها، فأنا أنحت على مواد مختلفة، مثل: (الطين، الحجر الكلسي، الرخام، الخشب)، وغيرها من المواد. وأغلب الأوقات يبدأ العمل بصب القالب لتشكيل الكتلة، التي يقوم الفنان جاهداً على إزالة الزوائد منها بالأدوات النحتية المختلفة؛ يدوية كانت أم كهربائية، حيث تبرز في الفراغ ومن كافة الجوانب، كما أنّ للفراغ في المنحوتة أهمية خاصة للدلالة على بعض الأحاسيس التي تعطي فكرةً معينة، ويحقق الفراغ أيضاً التوازن في العمل النحتي

ويتابع الفنان عن مرحلة جديدة في حياته: «انتقلتُ بعدها إلى جامعة "دمشق" لصقل موهبتي بأسلوب أكاديمي، وبدأتُ أشارك ببعض المعارض الفنية، كالتي تقام في المراكز الثقافية، وكانت معظم مشاركاتي الأولى بلوحات زيتية واقعية، تصوّرُ الأبنية القديمة والتراث في "حوران". وبعد تخرّجي في الجامعة انطلقتُ كفنان تشكيلي محترف متخصص في مجال النحت، ورحتُ أشارك بالمعارض التي تقيمها وزارة الثقافة، وكان يتمُّ اقتناء بعض أعمالي المشاركة من قبل الوزارة. وأصبحت أدرّس مادة التربية الفنية بمعهد إعداد المدرّسين في "درعا"، الذي أعدُّ نفسي من مؤسسيه، ثمّ انتقلتُ بعدها إلى دولة "الإمارات"، وتابعت بمهنة تدريس التربية الفنية من دون انقطاعٍ عن العمل النحتي، حيث عملتُ هناك أعمالاً نحتية على الرخام، كما اشتركتُ بمعارض وفعاليات ثقافية مع المعنيين هناك بالفن التشكيلي».

النحّات "الكراد" مع طلابه أثناء العمل

وعن كيفية عمله النحتي يقول: «أبدأ عملي الفني بحسب الخامة المراد تشكيلها، فأنا أنحت على مواد مختلفة، مثل: (الطين، الحجر الكلسي، الرخام، الخشب)، وغيرها من المواد. وأغلب الأوقات يبدأ العمل بصب القالب لتشكيل الكتلة، التي يقوم الفنان جاهداً على إزالة الزوائد منها بالأدوات النحتية المختلفة؛ يدوية كانت أم كهربائية، حيث تبرز في الفراغ ومن كافة الجوانب، كما أنّ للفراغ في المنحوتة أهمية خاصة للدلالة على بعض الأحاسيس التي تعطي فكرةً معينة، ويحقق الفراغ أيضاً التوازن في العمل النحتي».

ويضيف عن تقنيات العمل: «عندما يكون العمل على مادة الجبس أو الحجر الصناعي، أقومُ بعملية التعتيق مستخدماً الألوان الترابية، إضافة إلى مزجها مع "الكمليكا"، فالتعتيقُ يسهم في إبراز العمل الفني وإعطائه قِدَماً وعراقة، فهو بمنزلة إحياء للمنحوتة بعصر مختلف، وأخيراً يتشكل عملٌ نحتيٌ مكتمل الجوانب. وعندما أبدأ عملاً فنياً معيناً، فإمّا أن يكون لديَّ (ماكيت) مسبق، أو فكرةٍ مسبقة، فأمشي بتشكيل الكتلة حتى النهاية، أو أمسك الكتلة الخام وليس لديَّ أيّ تصور مسبق عن ماهية وفكرة العمل النحتي، لكنني أتبعُ إحساسي الفني ومخزوناتي الفكرية المصقولة بالمعايير والخبرة الأكاديمية وممزوجة بالتجربة، وأبدأ تشكيل الكتلة، وأحياناً تأتي فكرة عمل فني جديد من خلال عمل سابق. إذاً، هي حالة استمرارٍ للإبداع الفني؛ إذ يمكن للفنان أن يسقط أفكاراً استجدت أثناء عمل سابق على عمل لاحق».

نحت نافر "رولييف" أسلوب الميدالية

وعن أسلوبه الفني يقول: «بدأتُ مسيرتي الفنية بالأسلوب الواقعي، ثمّ التعبيري، وبعدها الأسلوب التجريدي، فالأمر عائدٌ إلى ميول وإمكانات الفنان الفكرية والنفسية، فأنا شخصياً لا أفضّل التعبير بطريقة سطحية ومباشرة في أعمالي الفنية، وإنّما أتوخّى العمق الفكري للعمل، وأغلب منحوتاتي تتبع للأسلوب التعبيري التجريدي. وفكرة عملي الفني مستمدة من أحاسيسي التي تفاعلتْ مع مشاهداتي وتجاربي، وانعكست على الخامة المستخدمة، بتشكيلٍ فنيٍ يتفق والمعايير الأكاديمية والذوق الرفيع. وهنا لا بد من القول إن بيئتي "حوران" بكل تجلياتها الطبيعية والاجتماعية أثّرت فيَّ كثيراً، فهي بمنزلة المموّل الدائم لأحاسيسي كفنان، وينطبق ذلك على المرأة أيضاً».

إنَّ فن النحت قديمٌ قِدم الإنسان الذي كان يعبّرُ من خلاله عن الطقوس المختلفة التي يعيشها، كما أنَّ النحت كان يؤدي إلى جانب مفهوم الجمال وظيفةً ذات منفعةٍ للنحات ومن حوله، أمّا حالياً، فيقول عنه "الكراد": «يعبّرُ النحت في هذا العصر عن الإسقاطات العامة لمجريات الحياة، مع مواكبة كل ما هو حديث، كما أصبح يحمل قيمةً في حدّ ذاته؛ بصرف النظر عن استخدام المنحوتة. فالفن التشكيلي المعاصر يركز على إبراز الجانب الفكري والاجتماعي، وكذلك الجمالي، ويسعى إلى تحفيز المواهب والطاقات الكامنة، لأداء كل ما هو مبدع ومفيد، والفن الراقي هو انعكاس لجمالية الروح البشرية؛ إذ يأخذ بيدها إلى كل ما هو سامٍ، ويدخلها عوالم كل ما فيها متألقٌ ومزهر؛ وهو ما ينعكس أخيراً على مستوى حياة الإنسان، من حيث تفضيل كل ما هو جميل، ونبذ القبيح في كل المجالات».

نحت جص بعنوان "شموخ"

الفنان "أحمد المصري" رئيس فرع "درعا" لاتحاد الفنانين التشكيليين يقول: «يعدّ النحّات "نايل الكراد" من أوائل الفنانين التشكيليين في "درعا"، بل من جيل المؤسسين الذين أغنوا الحركة الفنية بسمات الحداثة بكل تجلياتها، وهو كزميل ذو أخلاق عالية، ومتعاونٌ مع رواد الفن وطالبي العلم؛ وهذا جعله أحد الأعمدة التي رفعت مستوى الفن التشكيلي على مستوى المحافظة والوطن.

برعَ "الكراد" في عمله النحتي بالأسلوب التعبيري التجريدي، ودخل عوالم فنية راقية، معطياً انطباعات حسنة للمتابع العارف بأصول الفن التشكيلي عن مستوى الأعمال الفنية في "درعا"، فهو بحق فنانٌ قدير نفتخر ونعتزّ به، ودائماً ما يفاجئنا بكل ما هو جميل ومبدع».

من الجدير بالذكر، أنَّ الفنان "نايل الكراد" من مواليد "درعا" عام 1960، وخريج كلية الفنون الجميلة، قسم النحت في "جامعة دمشق" عام 1985، وعضو في اتحاد الفنانين التشكيليين، ومدرّس في كلية التربية ومعهد التربية الفنية في "درعا"، ومشارك في المعارض الفنية لوزارة الثقافة السورية، وكذلك له مشاركات في معارض عربية ودولية.