مسيرته حافلة بالإنجازات، وإبداعاته الفنية تتحدث عن نفسها، ولعل تميزه بالأسلوب التجريدي في الفن التشكيلي أعطاه زخماً وفرادةً من نوعٍ خاص، وأهلّه ليكون أحد سفراء الفن إلى العالم.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 12 آب 2018، الفنان "عبد السَّلام العبُّود"، ليتحدث عن بداياته الفنية، فقال: «عشقت الرسم مبكراً، حيث بدأت منذ الصف الثامن برسم طبيعة صامتة، وقد شجعني كثيراً وقتها مدرّسي آنذاك الفنان "حنَّا بشارة" بمعلوماته القيمة وتجربته الفريدة، كما علمني كيفية التعامل مع اللوحة والألوان الزيتية والمائية. وقد شاركت في تلك المدة بمعرض للمواهب في المركز الثقافي بـ"درعا" من خلال لوحات مناظر طبيعية. ثم التحقت بمركز تعليم الفنون التشكيلية، الذي سمي لاحقاً مركز "هيَّال أبا زيد" من أجل صقل موهبتي الفنية، حيث تعلمتُ طريقة التعامل مع المواد والخامات، وتكنيك اللون، وتقنيات التصوير، بأسلوب أكاديمي. وكان يدرسنا في المركز وقتئذٍ الفنان الراحل "هيَّال أبا زيد" الذي شجعني بدوره كثيراً. وقد عرضتُ بعض أعمالي حينئذٍ في مراكز عدّة للفنون التشكيلية في "دمشق"، وحصلتُ على بعض الجوائز. التحقتُ بعدها بـ"كلية الفنون الجميلة" لمتابعة تحصيلي العلمي وردف موهبتي بأسلوب أكاديمي».

أبدأ العمل الفني بعفويَّة، إذ لا تكون صورته مكتملة في مخيّلتي، لكن يتملكني شعورٌ قوي وطاقة إيجابية تدفعني إلى الرسم، ومن خلال خبرتي الفنية أبدأ التعامل مع الجوانب التشكيلية للّوحة، إذ يحدث نوع من التفاعل بيننا، ينتج عنه في النهاية عملٌ فني مكتمل العناصر

وعن أسلوبه بالرسم، ومدى تأثره بأعمال غيره، يقول: «بدأتُ الرسم بأسلوب واقعي، ثم تعبيري مبسط، ثم انتقلتُ إلى الأسلوب التجريدي، وأرى أنّه لم يعد هناك تصنيفات جامدة في الفن، إذ للفنان الحرية بأن يصول ويجول في الميدان الذي يراه مناسباً. لا أخفي تأثري ببعض الفنانين، كالذين أشرفوا على تدريسي، وأيضاً الفنان الراحل "مصطفى فتحي"، حيث أثّر بطريقة نظرتي إلى الأشياء، كما تأثرت بفنانين عالميين من أمثال "رامبراندت"، و"فان كوخ"».

من أعماله

العمل الفني يبدأ من لحظة تأسيس اللوحة برأي الفنان "عبد السَّلام"، وأضاف: «أفضّل أن أرسم في الساعات الأخيرة من الليل، حيث الجو الهادئ والبعيد عن الصَّخب، وعندها يكون الإنسان أقرب إلى ذاته.

أستمدُ أفكاري الفنية من الأحداث وتجاربي الشخصية، وكذلك مشاهداتي. كما تمثّل الطبيعة بوجه عام وبيئتي "حوران" خصوصاً ملهماً لي. وبتصوري إن نفسية الفنان لها دورٌ كبير أثناء القيام بالعمل الفني، فمثلاً عندما تكون نزقة تأتي الخطوط قوية وقاسية وانفعالية، وإن كانت النفسية هادئة تكون خطوط الفنان كذلك هادئة ورصينة، وهذا ينطبق أيضاً على الألوان. وكثيراً ما ألجأ إلى العمل الفني للتعبير عن مشكلاتي وهمومي، وأحياناً للتعالي عليها، فتلك اللحظات لا تعوَّض لأداء فنٍ حقيقيٍ مختلف، ومرسمي بما يحقق لي من طمأنينةٍ وألفة هو سبيلي لهذا الأداء. كما أنني أغوص أحياناً في عالم الحُلم والخيال الممزوج بالواقع، محاولاً الوصول إلى حالة تميز وإبداع تخصني».

لوحة رسم فيها صديقه

ويتابع: «أبدأ العمل الفني بعفويَّة، إذ لا تكون صورته مكتملة في مخيّلتي، لكن يتملكني شعورٌ قوي وطاقة إيجابية تدفعني إلى الرسم، ومن خلال خبرتي الفنية أبدأ التعامل مع الجوانب التشكيلية للّوحة، إذ يحدث نوع من التفاعل بيننا، ينتج عنه في النهاية عملٌ فني مكتمل العناصر».

وعن الغموض الملاحظ في أعماله التجريدية، يضيف: «أنا لا أتعمد ذلك في العمل الفني، وإنما أرسم الذي أشاهده وأحسُّ به، ويتملكني هاجسٌ لإبرازه، لكنني أفضّل الإبقاء على سرٍّ في العمل، حيث يتلقاه ويفهمه كل حصيف وخبير، لأنني أتعاملُ مع جوهر الأشياء، لا مع قشورها وأثوابها الخارجية فقط. لذلك لا أفضل التعبير بطريقة مباشرة وسطحية، وإنّما أسعى إلى إيصال فكرة العمل الفني إلى المشاهد من خلال استخدام تقنيات مختلفة تبرز سطح اللوحة، حيث تلائم الموضوع المطروق».

من لوحاته

ويتابع: «أستخدم في عملي الفني موادّ كثيرة، مثل: الرماد، نشارة الخشب، رمال، أو أي مادة تخدمني للوصول إلى التعبير المناسب للموضوع، فالرماد مثلاً أعبّر به أحياناً عن البيوت الطينية والحجرية. وأميل إلى استخدام الألوان الأقرب إلى بيئتي، كالألوان الرمادية والترابية بتدرجاتها المختلفة، فالتمايز برأيي بين الفنانين يأتي من خلال الحساسية وكيفية النظر إلى الأشياء وصياغتها بمفردات تشكيلية تلامس مشاعر الفنان، ولها علاقة بطبيعة الحال بذكرياته وبيئته».

وعن المرأة يقول: «المرأة هي الحب والعطاء، كما أنّها تمثل كل شيء جميل، وهي تشبه الأرض كرماً وخصوبة. وقد تناولت المرأة في الكثير من أعمالي، وأبرزت شؤونها المختلفة، فأنا لا أهتم فقط بشكلها الخارجي، وإنّما أركز على صميمها وما يجول في داخلها من انفعالات وسمات مميزة، وأسعى إلى إبراز مشاعرها وأمومتها، وحنانها، وفرحها، وحزنها».

وعن واقع الفن التشكيلي في "درعا" يقول: «في المحافظة فنانون مبدعون، لكن أغلبهم قليلو الإنتاج، ومنهم من وصل إلى مستوياتٍ متقدمة تجاوزت القطرية ووصلت إلى العالمية. أتمنى مزيداً من الدعم للفن والفنانين من خلال المعارض التشكيلية، وتسليط الضوء على المبتدئين منهم، للمساعدة بالارتقاء بالعمل الفني التشكيلي».

الفنان "أحمد سليم الحريري" يقول: «الفنان "عبد السَّلام" كانت مسيرته صحيحة ومنتظمة، حيث امتلك موهبة الرسم مبكراً، ثم صقلها بالعلم إلى أن احترفه، ما أهله ليكون مثالاً يحتذى في المحافظة. إنَّ قدرته على صناعة اللوحة تمتاز بحساسيةٍ مرهفة وطريقة تريح البصر، وألوانه نظيفةٌ، وتدلل على احترافيةٍ عالية في التعامل مع اللوحة يدركها كل ذي معرفة بالفن التشكيلي».

ويضيف: «بدأ التعبير عن أفكاره في اللوحات بصورة واقعية في المرحلة الأكاديمية، ثمّ انتقل إلى الأسلوب التعبيري لعكس التراث بصورة جميلة وإخراج مكنونات ذاته الداخلية، لينتقل بعدها إلى التجريد بعد خبرة طويلة أهلته لفهم هذا الأسلوب بتعابير لونية تعكس عالمه النظيف، حيث تزاوجت ذاته الإنسانية مع خبرته الفنية؛ وهو ما جعله ذا زخمٍ في التعبير وشموخٍ في اللون، وكل ذلك مكنه من التميُّز».

الكاتب "خالد طلال" من المهتمين بالفن التشكيلي، يقول: «لوحات الفنان "عبد السَّلام" لا تقرأ قراءة سطحية كلاسيكية، وإنما تحتاج إلى تمعّن وتأنٍّ في التفسير. وإنَّ روعة فنه التشكيلي تكمن في هذا الغموض العذب في إدراك البعد الأخلاقي والحركة المكتظة جداً خلف كواليس الخطوط والألوان، وحين نظنّ أننا خلصنا إلى شيءٍ تكون هناك أشياء كثيرة ما زالت تنتظر مزيداً من الإدراك والتأمل».

يذكر أن الفنان "عبد السَّلام العبُّود" من مواليد "النعيمة" عام 1965، متزوج، ويحمل إجازةً في الفنون الجميلة، قسم التصوير من جامعة "دمشق". عضوٌ في نقابة الفنانين التشكيليين، ومشارك بغزارة في المعارض الفنية على مستوى المحافظة و"سورية" عموماً، كما أنَّ له مشاركات بمعارض فنية خارجية، مثل: "الإمارات، الأردن، ألمانيا، فرنسا"، وله أعمالٌ فنية مقتناة من قبل وزارة الثقافة ووزارة التربية، وسبق أن صمَّم عملاً جدارياً لمعرض دمشق الدولي عام 1995.