عازف من "درعا" تعلقَ بآلة "المجوز" تعلـُق النحل بالورد لكن الفرق بينهما أن النحل يشم الورد بينما هو ينفخ هواء روحه في هذه الآلة ويعزف أجمل الألحان ويتراقص معها بطريقة تجبرك على التفاعل معه ومشاركته الرقص وتشجيعه بالتصفيق.

إنه الفنان "حمدي قطيفان" الذي التقاه موقع "تدوين الموسيقا السورية" واستمع منه إلى أجمل الألحان التراثية قبل أن يستمع منه إلى حديثه عن ماضيه وبداياته وعلاقاته مع هذه الآلة النفخية العريقة، يقول: «أحببت الموسيقا منذ الصغر، لذا كنت دائماً أبحث عمن يعلمني العزف، فكنت أتنقل في الأفراح والحفلات وأقف بالقرب من عازف المجوز وأتعلم منه حتى أصبحت قادراً على العزف بمفردي فبدأت بالألحان الشعبية البسيطة ثم انتقلت إلى "الدلعونا" و"يا ظريف الطول" وبعدها تطور مستواي في الألحان المحلية الأصيلة وأخذت أعزف الموسيقا التي اشتهرت بها منطقة "حوران" ومنها لون "الجوفية، والهجيني" إضافةً إلى عزف التراث الحوراني الأصيل».

عزفت مع معظم الفنانين الشعبيين في سورية وعلى رأسهم "علي الديك، وفيق حبيب، أحمد القسيم، فرج القداح، رندة الطحان" وكانت لي مشاركات مع فنانين من خارج سورية أهمها مع الفنان العراقي "سعدون الجابر"

ينسجم "قطيفان" كثيراً مع هذه الآلة لدرجة يشعر فيها بأنها باتت جزءاً لا يتجزأ منه، فهي تلازمنه منذ عام "1987" عام انطلاقته الحقيقية كما حدثنا: «في هذا العام تعلمت عزف كل المقامات الموسيقية بواسطة هذه الآلة الصغيرة الحجم كبيرة المفعول والتي تأخذني معها في رحلة رقص كلما عزفت عليها، فأنا أقوم بتأدية حركات راقصة أثناء العزف تنسجم مع إيقاع الموسيقا لكي أزيد حماسة الجمهور من جهة، ولأنني بحق أتمتع بالرقص على أنغام المجوز».

من إحدى مشاركاته

يستطيع "قطيفان" العزف لمدة أربع ساعات متواصلة دون توقف بحسب ما قوله: «بإمكاني العزف أربع ساعات متواصلة كأقصى حد لأن عملية الشهيق والزفير متعبة، فأنا آخذ شهيقاً من الأنف وأخرج الزفير من الفم، وهي تقنية تسمى "النفس المقلوب" يدرسها الطلاب عادة دراسة معمقة وطويلة في أكاديميات الموسيقا، ولكن عندنا فنحن نتعلمها بما اصطلح عليه "الغلطة" أي أنك تتعلمها أثناء التدريب وهي تشبه الخطأ ولكنه خطأ ضروري للعازف، وهي عملية متعبة وتحتاج إلى خبرة وممارسة ونفس طويل مع صبر وانسجام».

مشاركات عديدة ومهرجانات متنوعة شهدت وقوف "حمدي قطيفان" أمام جماهير استطاع أن يحركها لتنسجم مع عزفه ومع موسيقاه، يقول: «لقد عزفت في كل المحافظات السورية من "اللاذقية غرباً حتى دير الزور شرقاً وصولاً إلى إدلب شمالاً ودرعا جنوباً" ولم أزر محافظة إلا وطلبني سكانها مرةً أخرى واتصلوا بي وأبدوا إعجابهم بعزفي، هذا النجاح في بلدي ساعدني على المشاركة في المهرجانات الخارجية حيث عزفت في "الأردن، الجزائر، ودول الخليج" لكن كل هذه المشاركة لا تساوي فرحتي بمشاركتي في مهرجان "بصرى" الدولي الذي حققت فيه نجاحاً وتفوقاً وحظيت بإعجاب الحضور من كل الدول المشاركة والضيوف».

يعزف ويرقص

أما أشهر الفنانين الذين عزف معهم "قطيفان" فيذكر بعضاً مما أسعفته الذاكرة بهم، يقول: «عزفت مع معظم الفنانين الشعبيين في سورية وعلى رأسهم "علي الديك، وفيق حبيب، أحمد القسيم، فرج القداح، رندة الطحان" وكانت لي مشاركات مع فنانين من خارج سورية أهمها مع الفنان العراقي "سعدون الجابر"».

بما أن "قطيفان" يعزف على آلة "المجوز" كان لابد من سؤاله عن هذه الآلة الصغيرة الحجم ومكوناتها حيث أجاب: «المجوز آلة موسيقية نفخية قديمة جداً، تصنع من نبات القصب ومع مرور الزمن وتطور الأدوات والوسائل المتاحة أصبحت تصنع من الألمنيوم مع العلم أن الصوت الصادر عن القصب "أحنّ" وسمي "المجوز" لأنه يتكون من أنبوبين أو قصبتين متلاصقتين ومن هنا أتت تسميتها "مجوز"، تثقب كل قصبة ستة ثقوب، بعد وصلها يوضع لها من الأعلى مادة شمع العسل بطريقة نستطيع من خلالها التحكم بدوزان علامات السلم الموسيقي التي نريد أن نعزفها على هذه الآلة "ري، مي، سي، لا، فا" لكن الأكثر استخداماً هي "ري"، بعد وضع شمع العسل يتم وضع ما يسمى "البنيات" وهي تسمية محلية في "درعا" وتعني "الزمامير" وتكون حصراً من القصب، يتم إحداث شق أفقي في كل "بُـنية" ويسمى "الريشة" وهي التي تعطي صوت "المجوز" وبذلك تكون الآلة جاهزة للاستخدام فهي آلة بسيطة الصناعة لكنها متعددة الأحجام».

يشرح النفس المقلوب

بقي أن نذكر بأن "حمدي قطيفان" من مواليد محافظة "درعا" وهو متزوج ولديه أربعة أبناء يسعى لجعلهم خير خلف له عندما يتقاعد عن العمل وإذا تمكن يريدهم أن ينافسوه وهو مازال قادراً على العطاء.