انطلاقاً من وصفها علاجاً روحياً لمختلف الحالات التي يمكن أن تمر فيها النفس الإنسانية اعتلت الموسيقا مكاناً رفيعاً في حياة بني البشر، وكونها أصبحت مطلباً فقد جهدت الشعوب في الحصول على الموسيقا التي تتلاءم ومتطلباتها، وفي رحلة البحث هذه لم يكن سكان البادية أقل شأناً من غيرهم بل استطاعوا وبوحي من الصحراء ومفرداتها خلق الآلة التي أنتجت لهم الموسيقا التي تعبر عن هويتهم وتحمي لهم خصوصيتهم، إنها "الربابة" أو باسم آخر "الفاطر" آلة بوتر واحد كانت كافية لتطرب وتنعش كل من كانت له الصحراء مسكناً وملاذاً.

وللتعرف على هذه الآلة التقى موقع eDaraa بتاريخ 11/5/2009الباحث الموسيقي والمهتم بالشؤون التراثية المحامي "أحمد ناجي المسالمة" الذي يتحدث عن بداياتها فيقول: «"الربابة" أو "الفاطر" آلة موسيقية عرفها العرب ومنذ أقدم العصور بهذا الاسم وهذا دليل على أنها نتاج أصل واحد ألا وهو الصحراء كما أنها عرفت بهذا الشكل وبوترها الواحد منذ أن وجدت،

احتلت الربابة مكاناً هاماً في حياة الشاعر وأصبحت من أهم خصوصياته التي لا يجوز استعمالها دون إذن منه وإلا كان هذا منافياً للأدب، وذلك بسبب الأثر الكبير الذي تحدثه الكلمة الملحنة في النفس الأمر الذي جعل الشعراء الذين لا يجيدون العزف على الربابة يسعون لامتلاك هذه المهارة لإمتاع أبناء هذه البيئة الذين ألفوا سماع الشعر مصحوباً باللحن

وتعتبر الربابة آلة البدوي بامتياز الذي أحسن التعامل معها واستطاع أن ينطقها أجمل الألحان، والذي تمكن من أن يعزف عليها بعد اختلاطه بالمدينة أصعب النغمات كنغمة "الصبا" و"الحجاز"».

بوتر واحد اطربت اهل الصحراء

وعن أجزاء هذه الآلة يقول: «لأن الربابة من وحي الصحراء لذلك كان من البديهي أن تكون أجزاؤها من طبيعة هذه المنطقة بحيواناتها ونباتاتها، تتألف الربابة من مجموعة أجزاء: "الخابور" وهو عبارة عن عصا طويلة يركب عليها الوتر ويوجد في أعلاها مجرى يثبت فيه "الكراب"،

"جسم الربابة" وهو عبارة عن كتلة خشبية تغطى بجلد "ماعز أو غزال" من الجهتين ويثبت بواسطة خيوط أو دبابيس ووظيفته تكبير الذبذبات الصادرة عن الوتر،

المحامي والباحث احمد ناجي مسالمة

"الوتر" ويصنع من الشعر المأخوذ من ذيل الحصان،

"المفتاح" أو "الكراب" وهو قطعة خشبية في أعلى "الخابور" وتستخدم لشد "الوتر"،

مع القهوة مفردات من حياة البادية

"القوس" ويصنع في الغالب من خشب الرمان أو الخيزران نظراً لمرونته وله وتر مربوط فيه وله اسم آخر وهو "السواق" وذلك لمروره جيئة وذهاباً على وتر الربابة، "الفرس" قطعة خشبية توضع تحت الوتر من الأسفل لترفعه عن "جسم الربابة" حتى لا يلامسها عند العزف عليه،

"المخدة" قطعة خشبية توضع تحت الوتر من الأعلى وله ذات الدور الذي يقوم فيه "الفرس"، ولكي تصدر الربابة ألحاناً جميلة لابد من مسح وترها وقوسها "بحصى البان" وهو مأخوذ من أشجار الصنوبر أو السرو».

وعن أشهر الألحان الصادرة عن الربابة يقول: «يعتبر لحن "الشراقي" هو اللحن الرئيسي وهو من أصعب الألحان وأحلاها وهو مأخوذ من تأملات البدوي لجهة الشرق ويوصف بأنه لحن طويل وبدون إيقاع "فالت" وليس له وزن، "الحدادي" وهو إيقاع متوسط، "النطازي" وهو إيقاع سريع ويقوم على أن يقول الشاعر ويرد عليه مجموعة من الشباب بشكل سريع، وأكثر ما يستخدم خلال "السحجة" في الأعراس، "الهجيني" يشبه الحدادي وهو إيقاع متوسط ويقوم أيضاً على الأخذ والرد في الغناء بين مجموعتين وقد جاء هذا الاسم من سير الهجن التي تشبه هذه الطريقة في الغناء».

أما عن ملازمة الربابة لشاعر البادية فيقول: «احتلت الربابة مكاناً هاماً في حياة الشاعر وأصبحت من أهم خصوصياته التي لا يجوز استعمالها دون إذن منه وإلا كان هذا منافياً للأدب، وذلك بسبب الأثر الكبير الذي تحدثه الكلمة الملحنة في النفس الأمر الذي جعل الشعراء الذين لا يجيدون العزف على الربابة يسعون لامتلاك هذه المهارة لإمتاع أبناء هذه البيئة الذين ألفوا سماع الشعر مصحوباً باللحن».