تبقى الفنون التشكيلية بأنواعها مؤرخاً لحضارات العالم وهناك علاقة طردية دائمة بين تقدم المجتمع وتطوره، وارتقاء مستوى الفن التشكيلي فيه ومستوى المخزون البصري لدى أبناء هذا المجتمع، وسورية أم الحضارات في كل رقعة منها شاهد على حضارتها وعلى الأغلب تكون أعمالاً نحتية فهي الأقرب إلى لغة التخاطب مع العامة،

وفي محافظة "درعا" يقام الآن ملتقى فن تشكيلي، الأمر البالغ الأهمية في هذه المحافظة البسيطة الأقرب إلى الريفية والتي يلقى فيها الفنان صعوبات بالغة وتحديات عميقة ليستمر بكونه فناناً ضمن بيئته.

كانت باكورة الإنتاج الفني لهذا الملتقى هو التصوير الضوئي والذي شارك فيه حوالي /11/ فناناً منهم "ناظم أبازيد"، "راتب الغزاوي"، "هيثم العلي"، "فهد عقاب"، "فتحي الصيادي"، "ضياء الدين السعيد" وآخرين، وسنقيم معرضاً للأعمال بعد انتهاء العمل في الملتقى الذي سيستمر لغاية 23/4/2009

"eSyria" بتاريخ 15/4/2009 قام بجولة ميدانية إلى محافظة "درعا" وفي مديرية الثقافة هناك والتي تحولت إلى الملتقى الأول للفنانين التشكيليين بـ"درعا"، وهناك كان لنا لقاء مع الدكتور "أحمد الحمادي" مدير مديرية الثقافة بـ"درعا" وكاتب في مجال الصراعات، حيث حدثنا عن هذا الملتقى باعتباره القائم والراعي له: «ضمن إطار التوجه لتشجيع الثقافة بشكل عام، ومنها الحركة الفنية، سعينا لإقامة هذا الملتقى الذي يتضمن /6/ ورش فنية منها التصوير الضوئي، التصوير الزيتي، الخط العربي، الغرافيك، والنحت، بالإضافة إلى ما لا يقل عن /15/ ورشة فرعية منتشرة في كل أنحاء المحافظة من الحد الغربي إلى الحد الشرقي فيها، والمديرية تستضيف وتؤمن كل مستلزمات الملتقى بكافة الاختصاصات».

مدير الثقافة الدكتور أحمد الحمادي

يتابع الدكتور "حمادي" حديثه عن المشاركات الموجودة: «كانت باكورة الإنتاج الفني لهذا الملتقى هو التصوير الضوئي والذي شارك فيه حوالي /11/ فناناً منهم "ناظم أبازيد"، "راتب الغزاوي"، "هيثم العلي"، "فهد عقاب"، "فتحي الصيادي"، "ضياء الدين السعيد" وآخرين، وسنقيم معرضاً للأعمال بعد انتهاء العمل في الملتقى الذي سيستمر لغاية 23/4/2009».

شهد الملتقى في قسم النحت مشاركات من غير الأكاديميين إلا أنهم تميزوا بمستوى أعمالهم وتأثرهم بهذا الفن، عن ذلك يتابع الدكتور "أحمد الحمادي": «لدينا مستوى فنانين رائع في "درعا" وكنا نتمنى منهم عدد مشاركات أكبر، وفي الورش الأخرى شارك معنا فنانون من خريجي كلية الفنون الجميلة، فالمشاركة متاحة لأي فنان يرغب بذلك، وأنا أرى أن الفنان لا يقيّم حسب دراسته وإنما بسوية إنتاجه الفني ومستواه الفكري، وهناك الكثير من الفنانين ممن قدموا عطاءات للفن معتمدين على فطرتهم وأحاسيسهم في العمل، إلا أننا رغبنا بمنح هذه الفرصة لمن لم تساعده ظروفه ليكون أحد طلاب هذه الكلية يوماً».

الفنان برهان محمد

خارجاً وعلى رصيف المديرية كان قسم النحت، حيث التقينا فيه مع "إبراهيم أبازيد" الفنان الذي أذهل النقاد والمهتمين بفطرته التي حول من خلالها صخرتين من البازلت القاسي الأولى بوزن /6/ طن والثانية /117/ طن إلى عملين رائعين ينقل من خلالهما المعالم التي تخص الحضارات القديمة بكل إتقان، وهنا حدثنا عن تجربته: «أعمل في النحت منذ كان عمري /9/ سنوات، عملي هذا بازلتي ويتحدث عن كسوف الشمس عن أرض "فلسطين" رغبت أن أتطرق في هذا الملتقى للتحدث عن معاناة أهالي فلسطين فالشجرة تخفي شروق الشمس وهي في حالة الكسوف دلالة على الموت والأطفال المشردين، ونحت صورة مسجد قبة الصخرة وكنيسة المهد والبراق».

كما التقينا مع تجربة فنية أخرى نابعة من الفطرة والموهبة "ياسين خالد النقاوة" والذي حدثنا عن مشاركته: «قدمت عملين الأول بازلتي يتحدث عن الأمومة، والثاني رخام يوحد مجموعة عناصر بحثاً عن القوة وتنتهي بسنبلة قمح تمثل الخير والعطاء في بلدة حوران ارتفاع العمل /260/ سم، ولدي سابقاً حوالي /40/ عملاً لم أشارك بهم في أي نشاط، هذا الملتقى ناجح ويمنح الشباب الذين يمتلكون موهبة ويبحثون عن التشجيع، فرصة جيدة بفضل مديرية الثقافة».

التشكيلي مسعد محمد عبدالرحمن

وفي زاوية أخرى كان النحات "حازم الأقرع" ينحت قصة أهل الكهف وأيضاً يمتلك أعمالاً نحتية لم تحظى بفرصة العرض في أي نشاط ويتمنى أن يكون هذا الملتقى بمستوى أفضل.

المشاركة الوحيدة لنحات أكاديمي كانت للفنان "برهان محمد" والذي تميز أيضاً بأنه الوحيد الذي قدم عملاً من الفن المعاصر وعن مشاركته حدثنا: «إن عملي هو حروفي بارتفاع /3/ متر من الحجر الكلسي الأبيض، أريد من خلاله تقديم كتلة جميلة من الحروف تتحدث عن جذور الحرف الأول كعمل تجريدي تأثر بالإنسان والمحيط الإنتربيولوجي في زمن ابتكاره، وقد اخترت حرفي الألف والياء بسبب موقعهما في بدابة الترتيب الأبجدي ونهايته وقدرتهما على تقريب الفكرة بما يحمله حرف الألف من معاني الصلابة والشموخ الرجولية وما يحمله الياء من الحنان والاحتواء الأنثوي لحالات الرجل».

إلا أن رأي "برهان" بالملتقى كان مختلفاً بعض الشيء فقال عن ذلك: «بداية قبلت المشاركة بسبب سوء الظروف المقام عليها النشاط على الرغم من إحجام الكثير من الفنانين لنفس السبب- إلا أنني ارتأيت أن التعاون بشكل إيجابي سيكون أفضل نظراً لحساسية وضع الملتقى كأول نشاط فني في محافظة ريفية بسيطة كـ"درعا"، مما يجعله إما آخر النشاطات ونهاية أحلام فناني المحافظة أو يكون البادرة الأولى المولدة لملتقيات أخرى، والآن أستطيع القول بأني عجزت عن إنجاز عملي لسببين، الأول هو التأخير الكبير وغير المبرر في تلبية الحاجات الأساسية للعمل وغياب أبسط الخدمات، أما الثاني والأهم فهو عدم تجاوب الجهة المسؤولة (غير المبرر أيضاً) مع عروض الدعم المادي المقدمة من المجتمع المحلي والتي هي حق لكل المشاركين خاصة الذين لبوا الدعوة بدافع المساعدة والنخوة وبناءً على الوعود بتأمين التعويض المادي عندما يتوفر».

يتابع "برهان": «إلا أن الملتقى والحمد لله حقق بعض ما نصبو إليه من حيث تقديم الفن باتصال مباشر بين النحات والمواطن العابر ولا ننسى أنها التجربة الأولى لكليهما، والنتيجة الأفضل كانت في إثارته لفرع اتحاد الفنون بـ"درعا" للاستعجال بإقامة ملتقى نحت دولي على أرض "درعا" ليتدارك الأخطاء التي وقع فيها الملتقى الحالي، مما يشعرني بالرضا والتعويض وهذا يجبرني على شكر السيد "محمود الجوابرة" رئيس فرع الاتحاد بـ"درعا"، كما أتوجه بالشكر الجزيل للسيد "أحمد حمادي" على بادرته وشجاعته باقتحام عالم الفن بهذه الطريقة الشاقة، وأرجو التوفيق لجميع النوايا الطيبة».

من ثم انتقلت جولتنا إلى منزل الفنان التشكيلي "مسعد محمد عبد الرحمن" خريج كلية الفنون الجميلة قسم التصوير عام 1975 حيث كانت مشاركته في الملتقى من منزله نظراً لظروفه الصحية وحدثنا عن لوحاته: «هذه اللوحة عبارة عن قبضات متعانقة أمام القدس رمزاً بأن القدس لن تتحرر إلا بهذه الأيادي والمقاومة، وأعمالي بشكل عام تتحدث عن التعلق بالأرض، والمرأة والفلاح وأهالي غزة وأبنائها، أما لوحتي هذه فهي ذات خصوصية عالية بالنسبة لي فهي للسيدة "أم جابر" من غزة، أم السجناء التي كانت تزور ابنها "جابر" في السجن وكانت تزور كل السجناء حتى إنهم اعتبروها أمهم جميعاً وكانوا ينتظرون زيارتها ومن بينهم "سمير القنطار"، وما زالت تزور السجناء رغم الإفراج عن ابنها، وقد كرمها في "غزة" الدكتور "إسماعيل هنية" وفي "لبنان"، حيث أثارني موقفها وحاولت تذكر ملامحها بعد أن شاهدتها على التلفاز بتعابير وجهها التي تحمل الصلابة والعفوية».

ونهاية حديثه معنا كانت عن رأيه بالملتقى: «أنا لم أرسم منذ حوالي العشر سنوات وكان قيام الملتقى حافزاً لأبدأ مجدداً، وأشكر الدكتور "أحمد حمادي" على هذه الفكرة لدورها الكبير بنشر الوعي الفني لمن لا يعلم ما هو الفن، فعندما يمر أحدهم أمام المركز ويرى كيف أن النحات أمام صخرته وبهذا الأزميل البسيط ينحت الحجر سيعلم للمرة الأولى بأن المنحوتة ليست سهلة الصنع بل تأخذ الكثير من جهد وحس الفنان مما ينشر المعرفة والوعي الفني بين أفراد المجتمع فنحن في بيئة تفتقد إلى ذلك».