«يعتبر الفن الملتزم أحد أهم الثقافات المعاصرة والتي يمكن القول إنها تجربة تحمل بمضامينها معاناة نجاحها، لأنها قائمة على التجريب غير المضمون، خاصة أن تجربتنا مع الفنان "سميح شقير" حملت طابع المباشرة من خلال المسرح، هذا لأن تجربتي معه منذ أكثر من ربع قرن وأنا أحترم هذه التجربة، فقد ذقنا طعم المعاناة معاً حتى أنشأنا مسرحاً خاصاً بنا».

هذا ما تحدث به الموزع والمؤلف الموسيقي "زياد حرب" لموقع eSyria بتاريخ 4/1/2009 وأضاف بالقول: «منذ انطلقنا بأغاني "هي يا سجانة "و"يا الجولان" و"من القريا" وغيرها فقد هدفنا لبناء المسرح الغنائي ذي الخط الملتزم بالكلمة وبالألحان، فقد كان ولادة ذاتية لعمل "سميح شقير" على إيقاع روحي، ولكونه شاعراً فهو يعيش الكلمة بمقوماتها، ولمسنا تأثيرها وانعكاسها على المتلقي، ولهذا فقد كانت مشاعرنا لا توصف بلقاء الناس حين أدركنا مدى قيمة تجربتنا وتأثيرها، ولذلك تم تشكيل هذا المسرح الخاص بنا الذي اسمه مسرح "سميح شقير"، واليوم وغداً نشعر بمسؤولية أكبر وأكثر أمام ما يعانيه أهلنا من اضطهاد تحت نير الاحتلال في الجولان وفلسطين والعراق المكلوم».

منذ انطلقنا بأغاني "هي يا سجانة "و"يا الجولان" و"من القريا" وغيرها فقد هدفنا لبناء المسرح الغنائي ذي الخط الملتزم بالكلمة وبالألحان، فقد كان ولادة ذاتية لعمل "سميح شقير" على إيقاع روحي، ولكونه شاعراً فهو يعيش الكلمة بمقوماتها، ولمسنا تأثيرها وانعكاسها على المتلقي، ولهذا فقد كانت مشاعرنا لا توصف بلقاء الناس حين أدركنا مدى قيمة تجربتنا وتأثيرها، ولذلك تم تشكيل هذا المسرح الخاص بنا الذي اسمه مسرح "سميح شقير"، واليوم وغداً نشعر بمسؤولية أكبر وأكثر أمام ما يعانيه أهلنا من اضطهاد تحت نير الاحتلال في الجولان وفلسطين والعراق المكلوم

موقع eSyria التقى الفنان"سميح شقير" بالحوار التالي:

الموسيقي زياد حرب

  • ما سر دخول الشجن في نفوس محبي فنك؟
  • ** يسعدني أن استمع إلى هذه الملاحظة، والجواب لديهم، وأنا عبرت عن نفسي بطريقة معينة ويبدو لأنني عزفت على وتر الحنين داخل أرواحهم للتواصل مع الناس الذين يدركون أبعاد ومعنى الأعماق الإنسانية.

    قيثارتان

  • أراك ترتبط بتراثك المحلي كثيراً ما أسباب ذلك؟
  • ** إنها حالة طبيعية لذاكرة وطبيعة الحياة وانتماء لذاكرة مكان وأنا متأثر منذ طفولتي بكثير من القيم الراسخة بمكان نشأتي، فأنا محظوظ ولي الشرف أن أسكن بالقرب من مضافة القائد العام للثورة السورية الكبرى "سلطان باشا الأطرش" وجدي من رفاقه بالكفاح والنضال، وقد شاهدت لباس جدي المملوء بالرصاص، ما ولد أحاديث وحكايا وذاكرة لها علاقة بمقاومة استمرت طويلاً بظروف قل أن تخوضها المقاومات من فقر وشح وعذاب في العيش حتى إنهم أكلوا حشرات الأرض لا إنتاج تلك الأرض، وبالتالي كلها بذاكرة هذا الطفل تحولت إلى مشاعر ومعاني وتعلق بالقيم الذي دافع عنها أسلافنا، ومن جيل الطفولة وللجرعة العالية جداً من مخزون النضالي والثوري فتلقفت من دون عناء وبيسر مع الماء والحليب ذلك، ربما كان المصدر الأساسي وأيضاً فيما بعد تواتر الأحداث التي لها نفس الطبيعية العدوانية على منطقتنا ونفس القهرية التي واجهها أسلافنا واجهناها قهريات داخلياً وخارجياً ومتعددة في المنطقة إذ كانت مشحونة منطقتنا بأزمنة شبابنا الأول وبالتالي من الطبيعي أن الروح الثائرة الوالدة في هذه الظروف أن تكتسب طاقة اندفاع اكبر ومع فرصتنا أخذت أقدامنا طريقها نحو الموسيقا والفن والشعر والتعبير عبر الفن، وكان يبدو من طبيعي أن تعبر عن ذات لا فردية بل ذات جمعية ما دمنا التصقنا بها وكان ذلك قدر طبيعي.

    الفنان سميح شقير

  • أنت صاحب طريق وخط ملتزم وقد عشقه الكثيرون، كيف اخترت خطك الفني في الغناء والكلمة الملتزمة؟
  • ** لقائي بهذا الطريق لم يكن صدفة، إنما وليد مرحلة بحث وعندما اكتشفت علاقتي مع الموسيقا واللغة كنت أكتب الشعر وتعلمت الموسيقا وأحببتها من كل قلبي ورددت الأغاني الوطنية التي عبرت عن مرحلة الصعود الوطني في مصر، وما بعد "جمال عبد الناصر"، وما بعد عام 1967 إذ كانت هناك أغاني وطنية لاهبة من التي غناها كبار المطربين أحببت تلك الأغاني وأحببت الدفق العاطفي للفنان "عبد الحليم حافظ" ولكثيرين من عظماء هذه المرحلة وعشقت الموسيقا ووجدت طريقي إليها عبر تلحيني في البداية لقصائدي التي كتبتها لنفسي ولحنتها واكتشفها المحيطون بي وهذا ما دفعني وشجعني أكثر، واكتشفت أنني قادر أن اصنع أغنية ولكن لم أكن بمعرض أن أقدم مطرباً جديداً، بل فكرتي جاءت تعبيراً عن مساحات تركها الآخرون دون أن يعبروا عنها، هجرها الآخرون لنقص الجرأة ما يجعل الطريق الفني طريق غير سالك ووعر، ويرتب مسؤوليات كثيرة وجدت نفسي مهيأ باندفاع الثائر في داخلي لأقول ما لا يقال وأخذت عهداً على نفسي أن أمضي بهذا وروضت جملتي الموسيقية حتى شعرت أنها أصبحت مختلفة وبحثت في القصائد عما يخدم فكرتي وهدفي ومساحات التعبير، وعندما وجدت أنني وصلت إلى مرحلة استطيع التقديم، أطلقت هذه التجربة بلون مختلف لتقول وتضيف شيئاً وتقترب من الناس ومن قراءة المساحات المهجورة، ولكن سر انتشارها السريع ليس في قدرتها الفنية فقط، بل في العطش الهائل الموجود في الساحة لهذا النوع من المقولة أو المنطق المغنى أو الثقافة أي كانت تحاول أن تعبر عن تلك المساحات المهجورة.

  • "سميح شقير" الشاعر أم الفنان؟
  • ** لا أجد فرقاً بينهما وهناك تكامل لأنني بدأت شاعرا وانحزت فيما بعد بشكل حار للموسيقا، وبقيت الكلمة داخل الثنايا كنصوص غنائية، ولا أجد فاصلاً بين هذين العالمين لدي، لأنهما وسائلي للتعبير عن فكرتي، وأنا غير ممتهن للشعر ولا للموسيقا، وأنا أقدم أحاسيس وفكرتي وأتوسل كل وسيلة موسيقية أم نص أم إيحاء أم تعبير بصوتي وكل ما أستطيع التعبير من وسائل لأوصل فكرتي وصوتي وأحاسيسي ومشاعري لأعتقد أنها هي تلخص مشاعر وأحاسيس الآخرين.

  • ما مشروع "سميح شقير" الثقافي والفني؟
  • ** هو المشروع الذي اشعر باستمراره رغم صعوباته الكثيرة التي اعترضت هذه التجربة أي إننا على مسافة ربع قرن من الزمن، واليوم عندما أقدم عملاً جديداً للناس فهذا يسرني ويشعرني بالسعادة أي ليست بعد هذا الزمن مجرد ذاكرة لزمن مضى إنما هناك تأكيد على هذه التجربة بأنها تمضي قدماً برؤاها بتعبيراتها بأنها تتجاوز نفسها وتحاول ذلك وتتجدد وتقدم الجديد وتحاول أن تقرأ اللحظة ونحن سعداء بذلك وفريق عمل الذي كنت وإياه وخاصة في المجموعة الأخيرة التي ساهم بالتوزيع الموسيقي فيها فنانان جميلان سيكون لهما مستقبل في التأليف الموسيقي والتوزيع الموسيقي وهما" زياد حرب وعاصم مكارم" فتحركنا بشكل فريق وأنجزنا هذا العمل الأخير وهما "قيثاراتان" الذي آمل أن يجد فيه المستمع ما هو جديد ومتجاوز على ما قدمناه سابقاً.

  • هل ما زالت تردد أغانيك الأولى "هي يا سجانة" وغيرها؟
  • ** وهل أغلقت السجون من غير علمي؟- وهو يضحك- مادامت السجون موجودة والقهر موجود ستبقى هذه الأغنيات تتردد وهي لم تعد لي وحدي بل أشعر بأنها أصبحت ملكية عامة لكل ما يهز ضميره أو يخوض هذه التجربة، وبكل تأكيد سيبقى الصوت عالياً بكل هذه الأغاني إلى أن تأتي الحرية.

    *ما القلق الذي يعيشه "سميح شقير"؟

    ** ليس قلقاً واحداً فقط وإنما أشكال مختلفة من القلق، وأنت تفتح بهذا السؤال على الجحيم- وهو يضحك- ولكن كي أجيب يجب أن تسألني عما لا يقلقني ليصبح الكلام ممكناً أن يقال إنما ما يقلقني الكثير، إننا نعيش أزمنة قلقة بكل المعاني فكيف إذا كان لدينا مسؤوليات كبيرة كفنانيين وخاصة إذا كان هناك جمهور يتابع حركتك الفنية ومقولتك، هذا هو القلق الطبيعي لتذهب بعيداً وتقدم ما هو جديد يقلقك لتقدم الأفضل ولكن هناك مصادر قلق أعظم لأن حياتنا هي قلق ومثيرة لأسئلة كبرى أسئلة تبدأ ولا تنتهي حول وجود أو امّحاء الإنسان الحقيقي من حياتنا اليومية، ونتكلم عن تلوث بيئة العالم أم تلوث نفس الإنسانية وخرابها وفسادها واستثمار كل شيء عدا النفس الإنسانية التي هي الباب لصياغة وصناعة المستقبل الجديد، عن ماذا نتحدث بالقلق؟ كل ما يحيط فينا مثار للقلق ويوحي لنا بالحروب والدمار والحصار والقمع والكبت لعواطفنا، عن أي قلق سأتحدث؟ كل ما حولي يقلقني ولكن من داخل كل هذا القلق علينا أن نجد طريقة ما لنحيا ولنستمتع بالحياة من أجل أن نجد القدرة كي ندافع عنها حتى النهاية، وعلينا أن نسير إلى الأمام مع زوابع الأسئلة التي علينا أن نطلقها لنعيد رسم الأسئلة في أذهان الناس ليعوا ذاتهم ومحيطهم ووصولاً لابتكار الطرق دائماً كي لا تسد الآفاق أمامنا لأن على الفن والثقافة أن تكون الحصن الأخير حينما تنهدم الجسور وتنهدم المعاني عبر آليات الحياة المعقدة فالثقافة هي المرجع الأخير ليصبح ممكناً دائماً ليكون الممكن الأفضل لمستقبل أفضل.

  • كلمة "سميح شقير" هل وصلت إلى من يريد أن تصل إليه؟
  • ** لقطاع ما وصلت، لناس يشبهون أغانينا وصلت، مازلت آمل أن تمتد هذه الكلمة أو اللحن لآخرين قد يكونون أحوج إليها من الناس المهيئين أصلاً لسماع هذه الأغنية وهناك طيف لا بأس فيه من الناس ويمكن أن تجد في كثير من الدول العربية الحافظ لأغانينا والحافظ لمعانيها في وجدانه ولكن هناك الكم الأكبر لا يعلم شيئاً عن هذه التجربة لأنها لم تنشر عن طريق الإعلام بل عبر الوسائل البسيطة من المهتمين في الكاسيت وتردد بالشفاه وغيره واعتقد أننا وصلنا إلى من لديهم الاهتمام أصلاً بحس ثقافي أو سياسي مميز واعتقد أننا معنيون بقطاع كبير من الناس لم يسمعوا بأغانينا بعد ونحن نأمل ونسعى بالوصول إليهم ليكون ذات تأثير بحياتهم.