ميله نحو الألوان النارية جعل للوحاته وقعاً مختلفاً، فتراها تنبض بالتحدي؛ تعتمد المباشرة حيناً والمواربة أحياناً أخرى، لكنها لا تكف عن مفاجأتك كلما طالعتها.

إنه الفنان "محمود الجوابرة" الذي التقته مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 20 آب 2014، ليحدثنا عن تفاصيل هاجسه الفني، يقول: «إن الولوج إلى مدينة الفن يجعلنا ندخل عالماً مملوءاً بالسحر والأسرار، هذا العالم ميسر للجميع دون أبواب أو أقفال؛ يقترب منا إذا اقتربنا منه، ويبتعد إذا أحجمنا عنه، فالفن هو منتج إبداعي جمالي أخلاقي، والأجدى أن يعكر صفو عاداتنا ويسقط منها ما يشكل عبئاً على حياتنا وبما لا يتوافق مع معطياتها أيضاً، فغاية الفن هي توفير حظ أوفر للإنسان وجعل حياته جديرة بالعيش».

تتخلل أعمالي الحالية الألوان الحارة الأقرب إلى الوحشية، وأشكال عناصري التي تتمثل بمسوخ إنسانية وحيوانية، فالفنان أينما أقام يكون مسكوناً بثقافة معرفية وبصرية؛ تشكل له مخزوناً ينهل منه في حالات الوعي واللا وعي أحياناً، وأثناء مزاولته للعمل الفني، فالألوان لها علاقة بالحالة لذا أجد نفسي أسيراً لألوان الشمس والنار، ولدي الكثير من وهجها

وأضاف: «تتخلل أعمالي الحالية الألوان الحارة الأقرب إلى الوحشية، وأشكال عناصري التي تتمثل بمسوخ إنسانية وحيوانية، فالفنان أينما أقام يكون مسكوناً بثقافة معرفية وبصرية؛ تشكل له مخزوناً ينهل منه في حالات الوعي واللا وعي أحياناً، وأثناء مزاولته للعمل الفني، فالألوان لها علاقة بالحالة لذا أجد نفسي أسيراً لألوان الشمس والنار، ولدي الكثير من وهجها».

من أعماله

ويتابع: «بعد تخرجي في معهد الفنون الجميلة بامتياز مع مرتبة الشرف في الدورة الأولى في عام 1972، وإنهاء خدمة العلم؛ بدأت فعلياً في نهاية السبعينيات من القرن الماضي، بعد أن استطعت إقامة مرسمٍ لي فوق بيتي في محافظة "درعا"، وكنت وقتها مأخوذاً برسم البيوت القديمة للحارة الشعبية التي أقطن فيها لما فيها من حميمية ووقار، حيث كنت أعمل وقتها على فكرة الهوية والمحلية، حيث قدمت مجموعة أعمال تحتوي على مشاهد من حارات شعبية لبيوت بازلتية وطينية مزينة بزخارف، فيها الكثير من الخصوصية للفنون الفلاحية في المنطقة، إلا أنني ميال بطبعي وتركيبتي إلى المعاصرة فتوجهت للواقعية المبسطة، ومن ثم إلى التعبيرية التي منحتني حرية التعبير والتحوير، وتغيير طبيعة الأشياء، والاستخدام الجائر للألوان والمواد.

كما منحتني إقامتي لعدة أشهر في إسبانيا في بداية الثمانينيات، فرصة تعميق ثقافتي البصرية واطلاعي الحثيث على مقتنيات متحف "البراذو" الشهير في "مدريد"، ورؤية أعمال الكبار: "غويا"، و"فيلاسكيز"، و"بيكاسو"، وغيرهم، أقمت بعدها عدة معارض فردية في مدينة "درعا"، ولي مشاركات عديدة أيضاً في "دمشق"، وفي المرحلة التي تلت ذلك زارني في مرسمي بـ"درعا" مدير مهرجان "دول البحر الأبيض المتوسط" الإيطالي "جينو لوكابيتو"، الذي اقتنى لي عدة أعمال، وأقام لي معرضاً على هامش المهرجان الثالث لدول المتوسط في مدينة "كونفيرسانو" الإيطالية في العام 1982، إضافة إلى مشاركتي في جميع معارض اتحاد الفنانين، والمعارض العشرة التي أقمناها في عدة محافظات ومشاركات، وكرمت من قبل عدة جهات رسمية؛ منها: رئيس مجلس الوزراء، نقابة الفنون الجميلة، وزارة الثقافة، وعملت مع بعض زملائي على تأسيس مركز الفنون التشكيلية ونقابة الفنون الجميلة في "درعا" في العام 1980، ونشاطات أخرى كثيرة يصعب حصرها، وأنا أعتبر نفسي من الجيل الرابع للفنانين التشكيليين الذي أسس له المعلمون الكبار "حماد"، و"المدرس"، و"الجعفري"».

الفنان أنور الرحبي

بدوره الفنان "أنور رحبي" وصف أعمال الفنان "الجوابرة" بالقول: «في تجربته "الإكرليك" احتمالات لتقديم مشهد بشري ملون، هذا اللون مصاغ بقيم درامية يرميها على جملة الوجوه الشيطانية، فيها حكايات الأسطورة مثل "انكيدو" و"جلجامش"، وإسقاطات أخرى متلبدة تحاكي العتمة والضوء.

وتبقى تجربته في الفترة الأخيرة سرداً لحكايات لم يؤلفها الفنان، بل هي حكايات الواقع المشحون، وكما يقول "كافكا": "السرد لغة الواقع، والواقع يجعلنا في رموزه وإشاراته إضاءة على الورق"، ونحن نؤكد في تجربة "الجوابرة" أنها مسارات لتبحث عن أشياء ملونة وأخرى بالأبيض والأسود عن أصدقاء قد تعاطفنا معهم».

مع الريشة والألوان

وأشار الفنان "إبراهيم حميد" بالقول: «"محمود الجوابرة" فنان يتميز برؤية فنية، خاصة من خلال إنتاج لوحة فنية تتحمل قراءات نقدية متعددة، نابعة من فهمه العميق وإدراكه ثقافة اللون والخط والتكوين، استطاع إنتاج أعمال فنية ذات صفات خاصة من حيث الموضوع الذي يريد طرحه، وهو يملك قدرة هائلة على شرح أحاسيسه وأفكاره التشكيلية ليقدم لنا فيما بعد لوحة تحمل بمكنوناتها قيمة لونية ذات أبعاد راقية ومهمة، "محمود الجوابرة" قريب جداً من ذاته وهو فنان يشبه أعماله».