كان يوماً أراده سفاحٌ أن يكون درساً في الخنوع والذل لشعب بأكمله، ولكنه تحول إلى ملحمة نضالية ألهبت الروح الوطنية لينقلب الحقد على الحاقد، وليرتفع صوت الحرية من قلب "ساحة المرجة" في "دمشق" معلناً ولادة أخرى لبطولة أبناء سورية على يد خيرة رجالاتها الذين لم يتراجعوا عن رفض عبودية المستعمر على الرغم من أن ذلك الرفض جعل حبال المشانق تلتف حول أعناقهم، فلم ترتعش أنفاسهم الأخيرة أبداً.. بل امتزجت بفعل كيمياء المقاومة مع هواء أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ لتنشر "أوكسجين الحرية" في كل المدن والقرى السورية والعربية ولتنطلق شرارة الثورة العربية الكبرى.

هو يوم السادس من أيار عام 1916 الذي أصبح عيداً لكل الشهداء، ذلك اليوم الذي حاول فيه الوالي العثماني على بلاد الشام "جمال باشا السفاح" أن يشفي غليله مما حل به من فشل وإخفاق في حملته على مصر بسبب سوء إدارته للمعركة التي واجه فيها الانكليز في سيناء، وتوالت التقارير التي تنبئه بالخلايا الثورية العربية المدنية والعسكرية فولدت في نفسه دواعي الاهتمام والرغبة الكبيرة في الانتقام فبدأ باستبدال الكتائب العربية في بلاد الشام بكتائب غالبية جنودها من الأتراك وأخذ باعتقال الزعماء الوطنيين والمفكرين العرب والتنكيل بهم وتعذيبهم حتى الموت، هؤلاء المناضلون كانوا من مختلف بلاد الشام: سورية ـ لبنان ـ فلسطين. في ذلك اليوم بالتحديد 6 أيار عام 1916.. سبعة أبطال أعدموا شنقاً في ساحة المرجة في دمشق وهم:

لو كان عند تركيا عشرة رجال من عيارك لعدت من أرقى دول العالم

شفيق بك مؤيد العظم

ولد بدمشق سنة 1861 كان أديباً وشاعراً باللغة العربية ومرجعاً في علم الاقتصاد والمال وعضواً في مجلس النواب، عين في شبابه بوظائف مختلفة منها مديرية الدفتر الخانقاني بدمشق ومصلحة الجمارك في بيروت وكان في الخامسة والعشرين من عمره آنذاك ولما سافر والده المرحوم أحمد مؤيد باشا إلى الأستانة والتقى السلطان عبد الحميد الثاني أصدر قراراً بتعيينه مترجماً، وفي سنة 1896 عهد إليه بمفوضية الديون العامة في الأستانة. نقم الاتحاديون عليه لأسباب عديدة أهمها قيامه بتأسيس جمعية الإخاء العربي بعد إعلان الدستور كحزب يعمل على خدمة مصالح البلاد العربية ضمن كيان الدولة، في يوم السادس من شهر أيار عام 1916 في ساحة الشهداء (المرجة) في دمشق تقدم "شفيق العظم" إلى حبل المشنقة بكل شجاعة، فألقى خطبة بين فيها الغاية الشريفة التي كان يهدف إليها رجال العرب، ثم طلب من الحاضرين قراءة الفاتحة.

بعد الإعدام

الشهيد رفيق رزق سلّوم

الشهيد شفيق المؤيد العظم

ولد الشهيد "رفيق رزق سلوم" في مدينة حمص سنة 1891 أدخله والداه المدرسة الروسية التابعة للجمعية الإمبراطورية الفلسطينية في حمص، ولما رأى المطران أثناثيوس نبوغه وعبقريته أرسله إلى المدرسة الإكليريكية في دير البلمند في لبنان في عام 1904 وكان في الثالثة عشرة من عمره،ثم التحق بالجامعة الأميركية حيث درس اللغة الإنكليزية ووضع رواية (أمراض العصر) التي كرسها لمعشوقته الحرية الحمراء، فكان لها أعظم وقع في الطبقة المثقفة النازعة إلى الحرية آنذاك.

وعند عودته إلى حمص عرّفه أستاذه "خالد الحكيم" بالمرحوم الشهيد "عبد الحميد الزهراوي" الذي بتأثيره اتجه "رفيق سلوم" بنفس العام إلى الأستانة لدراسة الحقوق.

الشهيد رشدي الشمعة

خلال وجوده في الأستانة تسلم "رفيق رزق سلوم" منصب نائب رئيس النادي الأدبي، الذي ضم مجموعة من النواب والمفكرين والطلاب العرب

الشهيد المناضل رفيق رزق سلوم، الذي وُشي به للسلطات التركية فألقي القبض عليه في دمشق في 27 أيلول عام 1915

وبعد محاكمة صورية حكم عليهم بالإعدام شنقاً حتى الموت بتهمة خيانة الدولة العليا وفي يوم السبت في 6 أيار 1916 نفّذ حكم الإعدام في ساحة المرجة بدمشق.

عندما وصل إلى رأس الميدان ورأى المشنقة الفارغة قال مبتسماً: "يظهر أن مكاني هناك"، وأخذ يسير نحوها ولكنه عندما اقترب ورأى جثة /عبد الحميد الزهراوي/ أستاذه ورفيقه في الجهاد والعلم متدليةً من المشنقة الأولى غلب عليه الجد وحيّاها صائحاً "مرحباً يا أبا الحرية"

شكري العسلي

هو شكري بن علي بن محمد بن عبد الكريم بن طالب العسلي (1868 - 1916) أديب وسياسي عربي سوري، ولد في "دمشق" عام 1868، درس في "دمشق وبيروت والآستانة"، اعتمد عليه والي دمشق "ناظم باشا" في المسائل الداخلية الدقيقة، وفي النواحي الإدارية والمالية، وانتظم في حلقة دمشق الكبرى المعروفة بحلقة الشيخ طاهر الجزائري.

ولي "العسلي" قضاء الناصرة، ثم انتخب نائباً عن دمشق في مجلس المبعوثان العثماني بالرغم من معارضة الحكومة الاتحادية. إلى أن رأى بعينيه المؤامرات التي تحيكها زمرة الاتحاد والترقي على العرب، فكان جريئاً في نقد عنصريتهم، ونشر مقالاً شديد اللهجة في صحيفة النبراس ضدهم وآخر في مجلة المقتبس.

كان العسلي من أشد خصوم الصهيونية، وقد رفض اقتراح الإتحاديين ببيع ثلاثة ملايين دونم لليهود في فلسطين بمساعدة وزير المالية، فسقط المشروع بعد أن عارضه العسلي وكشف غاياته وأخطاره. وازداد نقد العسلي للاتحاديين، فضيقوا عليه الخناق في دورة المجلس النيابي التالية حتى أخفق.

رفض "العسلي" تعيينه متصرفاً لمدينة اللاذقية بسبب عدم تنفيذ الحكومة الإصلاحات التي طالب بها أعضاء الجمعيات العربية الإصلاحية، وافتتح مع صديقيه "فايز الغصين" و"عبد الوهاب المليحي" مكتباً للمحاماة. ثم عرضت عليه وظيفة مفتشاً ملكياً لولاية حلب ولواء دير الزور، فأرغمه رجال الإصلاح على القبول بها، وقد تميز بهذا العمل.

نقم غلاة الأتراك عليه، فساقوه إلى الديوان العرفي بعاليه في لبنان، ونفذ فيه حكم الإعدام.

عبد الحميد الزهراوي

عبد الحميد بن محمد شاكر بن إبراهيم الزهراوي، ولد في حمص 1855 من زعماء النهضة السياسية في سورية ومفكر وصحفي وأحد شهداء العرب في ديوان عاليه العرفي، وعمل على مقاومة السياسة الحميدية قبل إعلان الدستور العثماني فأصدر جريدة سماها المنير، كان يوزعها سراً.

كان من رجال العلم والدين والسياسة، وله رسالة "الفقه والتصوف"، وكتاب "خديجة أم المؤمنين".

سافر إلى الأستانة فساعد في إنشاء جريدة معلومات التركية؛ فقامت السلطة الحميدية بطرده إلى دمشق، فاتجه للكتابة في جريدة "المقطم" المصرية. لما علم به والي دمشق "ناظم باشا" أرسله مخفورا إلى الأستانة إلا أن أبا الهدى الصيادي توسط في أمره، فأعيد إلى مدينة حمص.

بعد صدور الدستور العثماني عام 1327 هـ / 1908 م ووقتها عاد إلى دمشق وانتخب مبعوثاً عن حماة، اشترك في تأسيس حزب الحرية والاعتدال، وحزب الائتلاف المناوئين لجمعية الاتحاد والترقي التركية، وأصدر جريدة الحضارة الأسبوعية. وعند نشوب الحرب العالمية الأولى قبض عليه من قبل السلطات العثمانية، وحكم عليه في "ديوان عالية العرفي" بالموت. نفذ به الحكم شنقاً.

رشدي بن أحمد الشمعة

هو حسن رشدي بن أحمد رفيق باشا بن سليم الشمعة. ولد بدمشق عام 1865م، درس في اسطنبول الأدب والقانون وتخرج من معاهدها، عمل كاتباً وأديباً، كما عين رئيساً لكتاب مجلس إدارة الولاية والمدعي العام للمجلس، انتخب نائباً عن دمشق في البرلمان العثماني وهناك إرتفع صوته عالياً هو وزملاؤه العرب تحت قبة مجلس (المبعوثان) ضد سياسة التتريك ودعى لمكافحتها.

ألف عدة روايات وطنية مثلت على مسارح دمشق، تجلت فيها أروع معاني القومية العربية، وأشهر هذه الروايات مسرحية "طارق بن زياد" التي قامت بأدائها فرقة مدرسة مكتب عنبر عام 1908م في حديقة الصوفانية قرب باب توما، وقد أدى عرضها لحدوث إشكالات عديدة تمخض عنها حقد أعمى من الاتحاديين الأتراك.

شارك في تأسيس عدة أحزاب تهدف لتحرر العرب من سلطة الاتحاديين الأتراك منها المنتدى الأدبي المؤسس عام 1909م، الحزب المعتدل الحر 1908م، الجمعية القحطانية 1909م، الجمعية اللامركزية 1912م.

بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى ووصول جمال السفاح لقيادة الجيش الرابع جاء دور الحساب عن الماضي وشكل المجلس العرفي في عاليه الذي تولى مهمة إصدار الأحكام ضد رجالات العرب البارزين، وكانت خلاصة قرار الاتهام الموجه لرشدي بك هو أنه كان قد ألقى في دور التمثيل محاضرات تشجع الانفراد العربي واستقلاله.

يوم 5/5/1916م تم نقل رشدي الشمعة وستة من رفاقه بالقطار من عاليه إلى دمشق، وفي الثالثة صباحاً يوم 6/5/1916م أنيرت ساحة المرجة بكاملها إستعداداً لتنفيذ الأحكام، وقد بدأوا بشفيق مؤيد العظم وإنتهوا برشدي الشمعة.

الأمير عمر عبد القادر الجزائري:

وهو حفيد الأمير عبد القادر الجزائري الشهير، ولد في دمشق 1871، استدعاه جمال باشا إلى القدس، وحوله إلى ديوان الحكم العرفي بتهمة أنه كان واسطة التعارف بين "شكري العسلي وعبد الوهاب الانكليزي" وقنصل فرنسا، وفي 14 آذار سجن جمال باشا الأمير علي الجزائري شقيق الفقيد وأوقفه مع ولده حتى يتم تنفيذ الحكم، وبعد إعدامه صادر جمال باشا أملاكه ومنها قصره في دمر، وقد جعله السفاح مستوصفاً للضباط. وقد تم إعدامه بالرغم من أنه كان بعيداً عن السياسة.

عبد الوهاب الإنكليزي

  • عبد الوهاب بن أحمد الانكليزي: سياسي سوري ولد في قرية المليحة بـغوطة دمشق عام 1878، ولقب بالمليحي، أما اسم بالإنكليزي لأن جده الرابع كان عصبي المزاج، وكان يقال له: «إنك مثل البارود الإنكليزي» فغلبت عليه هذه الكنية، درس في المدرسة "الجقمقية" بدمشق والمدرسة الملكية الشاهانية في اسطنبول، وتخرج منها عام 1902 حائزاً على شهادة الحقوق. تدرج في عدد من الوظائف الإدارية ، فعين قائم مقام في إحدى مناطق ولاية حلب، ومفتشاً للإدارة الملكية في بيروت، إضافة لعمله في المحاماة، كان يتقن اللغة التركية والفرنسية والإنكليزية إضافة إلى لغته الأم العربية، ويعد كاتباً أديباً من الطراز الأول في اللغة التركية، له العديد من المقالات في السياسة والاجتماع والتاريخ. قال عنه طلعت باشا الاتحادي المشهور ووزير الداخلية: «لو كان عند تركيا عشرة رجال من عيارك لعدت من أرقى دول العالم»، واقترح عليه الهروب قبل محاكمته فرفض.
  • شهداء.. قبل وبعد السادس من أيار

    وكان قبل هذا التاريخ وفي العام 1911 وبقرار من محكمة عثمانية عرفية بدمشق قد تم إعدام "ذوقان الأطرش" والد "سلطان باشا الأطرش" مع خمسة رجال من جبل العرب هم: "يحيى عامر ومزيد عامر وهزاع عز الدين ومحمد القلعاني وحمد المغوش"، وذلك لتمردهم على السلطة العثمانية، وتصديهم لممارساتها الاستبدادية.

    كما كان هناك 13 شهيداً آخر تم شنقهم في تواريخ متفرقة قبل وبعد يوم السادس من أيار 1916 وهم:

    "الخوري يوسف الحويك" شنق في دمشق آذار 1915- "نخلة المطران" ابن بعلبك شنق في تشرين الأول 1915.

    الشقيقان أنطوان وتوفيق زريق من طرابلس الشام شنقا في دمشق عام 1916- "يوسف سعيد بيضون" من بيروت وشنق في عاليه (جبل لبنان) في آذار 1916.- "عيد الظاهر" من عكار شنق في آذار 1916- الشقيقان "فيليب وفريد الخازن" من جونيه شنقا في أوائل أيار 1916- "يوسف الهاني" من بيروت شنق عام 1916- الشيخ "محمد الملحم" شيخ عشيرة "الحسنة" في بادية الشام وهو جد "تامر وعبد العزيز ونواف طراد الملحم" شنق عام 1917- "فجر المحمود" من عشيرة "الموالي" شنق عام 1917- "شاهر العلي" من عشيرة "التركي" شنق عام 1917- رجل الدين الشيخ "أحمد عارف" مفتي غزة شنق في القدس عام 1917.

    و14 شهيداً في بيروت وهم:

    "العقيد سليم الجزائري- العقيد أمين لطفي الحافظ - عبد الغني العريسي (صاحب جريدة المفيد)- الشيخ أحمد طبارة (صاحب جريدة الاتحاد العثماني) - الأمير عارف الشهابي - توفيق البساط - سعيد فاضل عقل (رئيس تحري جريدة النصير) - جلال البخاري - سيف الدين الخطيب - بترو باولي - محمد الشنطي - جرجي الحداد - د. علي عمر النشاشيبي - عمر حمد" وعلقوا في ساحة "البرج".

    اشتعال فتيل الثورة

    ولم يكن من بد على إثر تلك الجرائم البشعة التي ارتكبت في حق شعب بأكمله إلا أن تندلع شرارة الثورة، وهذا ما حدث بالفعل عندما أعلن الشريف "حسين بن علي" شريف مكة "الثورة العربية الكبرى"، والتي جمعت العرب من مختلف المناطق والأقطار، ليحرروا الأراضي والمدن العربية تباعاً، ومن ثم دخول مدينة دمشق بقيادة الأمير "فيصل بن الشريف حسين" في 30/10/1918 وسط فرحة جماهيرية عارمة واحتفالات شعبية كبيرة، وفي 25 كانون الثاني 1919 عقد المؤتمر الوطني السوري الذي أعلن استقلال سورية في 8 آذار عام 1920، وبايع الشعب العربي الأمير فيصل ملكاً على البلاد، منهياً بذلك استعماراً دام 400 سنة.