في فترة الاحتلال العثماني جسد أهلنا في جنوب سورية بطولات لاتزال تظلل تاريخ المنطقة بأروع صور البطولة.

"طلال حريذين".. هو أحد هؤلاء الأبطال وزعيم من زعماء حوران الذين لا يمكن أن ينساهم أبناء منطقته "طفس".

أهلاً "طلال أبا منصور" يا رعشاً/ من الضياء وراح الدمع ينبجـــــس كأنما الأرض ماجت أخضراً عطراً/ وضرعها الدر لا غور ولا حبس وأشقر النور قد جاب الذرى وسرى/ في مقلة الحب واجتاح المدى عرس يا طلة الخير في ساحي وفي وطني/ كما تفجر صبح ليله دمس قد أوسعونا عطاءً غير ما بخس / ونالهم من عطانا الماحل اليبس

الباحث في التراث الشعبي الحوراني "أحمد عطا الله الزعبي" تحدث "لمدونة وطن eSyria" بتاريخ 15/9/2012 عن قصة المجاهد "الحريذين" بالقول: «تميزت الفترة التي ظهر فيها المجاهد "طلال" بالقسوة من قبل العثمانيين، حيث مرت سنوات قاحلة على حوران تلتها موجات الجراد، لكن مستودعات الأتراك بقيت تغص بالحبوب المنهوبة من أهالي حوران، والأهالي أنفسهم لا يجدون ما يأكلون، وزادت سياسة الاتحاديين القائمة على البطش والقتل ونهب المحاصيل الزراعية، حيث أيقظت هذه الأمور الحس الوطني عند المجاهد "طلال" فأخذ على عاتقه مهمة توجيه الدعوات وقيام الاجتماعات السرية، واشتدت ملاحقة الأتراك له عندما أخذ يهاجم المخافر التركية فكان يوقع بهم خسائر فادحة، بالإضافة للسلاح الذي استولى عليه ووزعه على جماعته، وهذا ما عرض "طفس" لهجمات متكررة من قبل الأتراك».

الباحث تيسير الفقيه

وتابع: «تعاون الشيخ "طلال حريذين" مع "لورنس العرب" من أجل طرد الأتراك من "درعا"، وكان من هذه العمليات نسف الخط الحديدي من أحد الجسور والتي تطوع لها الكثير من المناضلين من أجل قطع كل اتصال بين الجيش التركي المرابط في فلسطين، وقاعدته في "دمشق". وفي يوم ممطر التقى "لورنس" مع الشيخ ورجاله، وسار معه إلى "تل عرار" المحاذي للخط الحديدي، وتجمعت القوات في الأزرق لقطع الخطوط الحديدية التي تلتقي في "درعا" مع خط "المفرق" وخط "تل عرار" وخط "المزيريب"، وتوجهوا إلى "درعا" بعد العودة من الأزرق، حيث وصل "حريذين" مع بعض الدروز من "العيسوسة، وحوران"، ثم بعثوا سيارتين إلى الجسر من أجل هدمه، وتم ذلك بعد قتل الجنود الأتراك، ثم مضى مع الجيش العربي إلى جسر "عرار"، بينما كانت تصب عليهم القذائف واستطاعوا الاستيلاء عليه، ومرة أخرى توجهوا إلى قرية "الشيخ سعد"، وانقضوا على العدو وشتتوا شمله ونشروا الرعب بين صفوفه وأسروا العديد من جنوده».

نالت "طفس" الانسحاب من قبل الأتراك بعدما عينه الأمير "فيصل" قائداً للجيوش الشمالية وهنا يتحدث السيد "تيسير الفقيه" الباحث في التراث وهو من أبناء مدينة "طفس": «توسط زعماء الجبل لدى السلطات التركية بعدما صدر أمر بإعدام الشيخ "طلال" غيابياً بعد أن توجه إلى "أم الرمان" في "جبل العرب"، وانتهى بحصول "طلال" على عقود مشاركته باجتماع "السلط" مع "جمال باشا السفاح" على رأس وفد مؤلف من "محمد رجا المسالمة، وعرسان، ومحمد مفلح الحشيش"، وذلك لم يمنعه من مراسلة "فيصل" عندما سمع بأخبار الثورة السورية الكبرى.

المجاهد طلال حريذين

وقد جرى اجتماع عاجل في "المسيفرة" بعد زحف جيوش الثورة شمالاً، ووصول "فيصل" إلى الأزرق، ثم توجه خمسون فارساً على رأسهم "طلال"، والتقى بفيصل الذي عينه قائداً للجيوش الشمالية، وهكذا دخلت القوات العربية مدينة "درعا" عام 1918 ورفع العلم العربي فوقها، وشكلت حكومة عسكرية فيها، واستقبلهم أهلها بالفرح، وجاء فيصل إلى "درعا" في اليوم الثاني، حيث استقبله طلال وجماعته بعد أن فرغ من احتلال بلدة "ازرع"، ونالت "طفس" نصيبها من الانسحاب بعدها انسحب الأتراك من مناطق حوران بعدما ألحق بهم الشيخ "طلال" خسائر كبيرة، فامتلأت صدورهم غيظاً وحقداً، وأرادوا ضرب مدينته "طفس" وهنا كانت اللحظة التاريخية لاستشهاد الشيخ "طلال"، حيث يذكر الباحث "تيسير الفقيه" بالقول: "هاجم الجيش التركي المنهزم "طفس" بالمدافع الثقيلة والرشاشات وترك وراءه جثث الأطفال والنساء والشيوخ، فعندما رأت عينا "طلال" ما حل بأبناء بلدته، صار يئن كالنمر الجريح ويرغي ويزبد لما فعله الأتراك، ويرفض أن يكلم أحداً، وبعد أن ألقى نظرة فيها كل الغضب والثورة والألم، أسدل كوفيته وضغط على عنان فرسه فراحت تعدو به كالسهم المارق إلى سهل السعادة نحو العدو.

انحدر "طلال" من قمة الجبل، وتوقف إطلاق الرصاص من الجانبين، وراح الجميع ينظرون نحو "طلال" الذي ما كاد يقترب من العدو حتى صرخ صرخة الحرب "طلال.. طلال". فتساقط عليه زخ من رصاص العدو مزق أحشاءه فخر صريعاً مع فرسه».

الباحث إبراهيم الشعابين

وقد خلد الشاعر "عبد الكريم حسين كيوان" الذكرى الرابعة والسبعين لاستشهاد البطل المجاهد "طلال حريذين" بقصيدة أخذنا منها بعض الأبيات فيقول:

«أهلاً "طلال أبا منصور" يا رعشاً/ من الضياء وراح الدمع ينبجـــــس

كأنما الأرض ماجت أخضراً عطراً/ وضرعها الدر لا غور ولا حبس

وأشقر النور قد جاب الذرى وسرى/ في مقلة الحب واجتاح المدى عرس

يا طلة الخير في ساحي وفي وطني/ كما تفجر صبح ليله دمس

قد أوسعونا عطاءً غير ما بخس / ونالهم من عطانا الماحل اليبس».

الباحث في التراث "إبراهيم الشعابين" يصف المجاهد والقائد "طلال حريذين" بالقول: «لقد حمل القائد "طلال" سيد سهل حوران (كما كان يطلق عليه) البندقية، ودرج وراء أحلام وطنية جميلة ميمماً الساحات النضالية، فلقد شهدت سهول حوران معارك وطنية مهمة قادها هذا البطل الذي أوقع ضربات قاتلة في صفوف الأتراك، والمعروف عنه بأنه يرمي الطير من كبد السماء، ومن الطبيعي أن تكون دقة رمايته قد سهلت اصطياد رؤوس الأعداء، ومن صفاته إيمانه المطلق واستماتته بالدفاع عن الهوية الوطنية».