جمعته مع الحجر علاقة حميمية استطاع من خلالها أن يحول هذه الكتلة الصماء بعدما افرغ فيها جزءاً من روحه إلى فم ينطق ويعبر عما تخفيه النفس من أسرار، مستغلاً في ذلك موهبة منحه الله إياها يعمل دوماً على صقلها وتطويرها ليكتشف عوالم مازال يسعى لاكتشافها، إنه النحات "خالد النقاوة" أحد الأسماء البارزة في سماء الفن في محافظة "درعا".

زاره موقع eDaraa ليحدثنا عن مشواره مع النحت. وكانت البداية كما يقول: «مع موهبة الرسم التي ظهرت لدي في مراحل الدراسة الأولى والتي استطعت خلالها أن ألفت الأنظار من حولي ولا سيما أهلي والمعلمين في المدرسة، وأيضاً كانت لدي القدرة على التعامل مع المعجون والطين واستخدامها لصنع الأشكال والمجسمات المختلفة، وما أزال أذكر الأوقات التي كنت أذهب فيها مع الأصدقاء إلى الوديان التي تقع على أطراف البلدة حيث كنت أمضي أوقاتاً طويلة في صنع مختلف الأشكال من الطين والتي كانت تبهر الجميع».

ليست المسألة متعلقة بالدراسة ولاسيما عندما نتحدث عن موهبة قوية جداً كالتي يمتلكها الفنان "ياسين النقاوة" الذي أبهر الجميع بأعماله والذي كان ليكفيه عمله الرائع "يوم القيامة" لينتزع إعجاب الجميع، مما لا شك فيه أنه مشروع فنان ماهر، ومن واجبنا أن نأخذ بيده وندعمه كثيراً

لم تتح لـ "ياسين نقاوة" الفرصة لكي يتابع الحياة الدراسية، فكان العمل هو خياره التالي ولكن ذلك لم يمنع استمراره في مجال النحت الذي كان سبيله للتعبير عن نفسه، يقول: «محبتي للحجر البازلتي الواسع الانتشار كان لها دوركبير كي أمضي في هذا الطريق، فهذا الحجر جزء من حياتنا، ونحن على تواصل مستمر معه نراه في كل مكان، وأنا أرى في كل حجر من هذه الحجارة منحوتة جميلة تحتاج فقط لإزالة الغبار عنها لتبدو بشكلها الجميل، هذا الشيء سهل عليّ العمل كثيراً، ومكنني من تطوير ذاتي بشكل سريع حيث كنت بداية الأمر أتعامل مع الحجارة الصغيرة والمتوسطة فقط، انتقلت بعدها إلى المنحوتات الكبيرة التي تحتاج إلى الدقة والتفاصيل والمهارة وهي أشياء اكتسبتها بمرور الوقت ومساعدة العديد من الأشخاص الذين كان لهم دور بارز فيما وصلت إليه».

مع ملهمته سديل

تجلت موهبة الفنان "النقاوة" في سن مبكرة واستطاع بعد رحلة في هذا المجال أن يقدم العديد من الأعمال كان أبرزها وكما يقول: «استطعت بعد سنوات طويلة من العمل تتجاوز الخمسة عشر عاماً أن أقدم ما يزيد عن مئة منحوتة تتناول موضوعات مختلفة وإن كنت دوماً أحب تجسيد الأحداث التي تمر بنا بعمل نحتي، فمن ذلك أني قمت بعمل منحوتة لحذاء "منتظر الزيدي" بعد حادثته الشهيرة، ومن أهم الأعمال التي قدمتها كانت السنبلة التي تمثل القمح الحوراني، ومنحوتة لامرأة حورانية تحمل جرة يتدفق منها الماء في رمز للعطاء، ومنحوتة لامرأة أخرى تحمل طفلاً وتتخذ هيئة الحورية تمثل الأمومة، كما أني جسدت الملكة "غزالة" التي يقال أنها حكمت المنطقة في عمل نحتي، ومن أهم الأعمال التي قدمتها منحوتة من الخشب باسم "يوم القيامة" وقد استقيت موضوعها من إحدى آيات القرآن الكريم وهي تمثل أحوال الناس في هذا اليوم العظيم، وأعمل الآن على تنفيذ عمل أقدم فيه "السبع" الذي هو رمز القوة».

يرى الفنان "نقاوة" أنه ما كان ليبدع هذه الأشياء لولا مساعدة بعض الأشخاص الذين يتحدث عنهم فيقول: «هناك العديد من الأشخاص الذين أدين لهم بالفضل في ما أنجزته من أعمال منهم أخي "محمد" الذي يساعدني في نقل الحجارة وهي من أصعب المهام، وأيضا عمي "قاسم النقاوة" مدرس الجغرافية الذي أطلعني على بعض المحطات التاريخية صرت من خلالها قادراً على تحديد مواصفات المنحوتة وإرجاعها للزمن الذي تعود إليه، وأيضاً المعلمة في مدرسة إعداد المدرسين "سماح أبازيد" التي كان لها دور كبير باطلاعي على تاريخ الفن وتزويدي بمعلومات عن أهم المدارس الفنية مثل التجريدية والسريالية والتصويرية وغيرها، كما كان لها دور كبير في تشجيعي للمشاركة بالعديد من المعارض، وبقي أن أذكر ملهمتي في العمل ابنتي "سديل" التي لا يحلو لي العمل دون أن أراها أمامي».

من أشهر أعماله منحوتة يوم القيامة

من خلال أعماله ومنحوتاته يود "النقاوة" أن يقدم رسالة والتي يلخص فحواها بقوله: «ما أود قوله هو أن قدرة الإنسان لا تقف عند زمن كما أن ليس لها حدود، من خلال رؤيتي للعديد من الأعمال التي أنجزها الإنسان القديم والتي أبهرتني كثيراً أردت مما أقوم به من أعمل على بث رسالة مفادها أن الإنسان المعاصر لديه القدرة على إبداع الكثير من الأشياء الجميلة، وأيضاً أردت أن أقول بأن الفنان العربي لا يقل أهمية عن الأجنبي الذي نرى أعماله عبر شاشة التلفاز».

بحجم الصعوبات تأتي الآمال والأمنيات فما الذي يقوله الفنان "النقاوة": «أواجه الكثير من الصعوبات في تنفيذ الأعمال والتي غالباً ما أقوم بها لجهات مختلفة، وكذلك اضطر للتنقل بهذه الأعمال بين مختلف الجهات وذلك كله على نفقتي الخاصة، ومن الصعوبات التي تواجهني والانتقادات التي أتعرض لها على مزاولة هذا العمل، أتمنى أن أتلقى الدعم والتشجيع لأتمكن من الاستمرار في الإبداع والعطاء».

الفنان التشكيلي محمد خير بخش

نالت أعمال الفنان "ياسين خالد النقاوة" إعجاب الكثيرين ولاسيما العارفين في هذا المجال، "سماح أبازيد" مدرسة الرسم في مدرسة إعداد المدرسين تقول: «يملك الفنان "ياسين النقاوة" موهبة فطرية رائعة وهي متطورة بشكل مستمر استطاع من خلالها أن يبرز انفعالاته وما تخفي نفسه بمنحوتاته الحجرية التي تحمل الإحساس الرائع والجميل، للفنان "ياسين" أعمال جميلة ورائعة ويظل أبرزها منحوتة "يوم القيامة" هذا العمل الأخاذ والذي فاجأ فيه الجميع بروعته ودقة تصويره والذي استطاع أن يضاهي الأكاديميين لما فيه من دقة في التنفيذ والإخراج الفني والانسجام والتكوين، أنا أقدره كثيراً فهو إنسان ذو إرادة عالية ويملك مخيلة خصبة، كما أنه يسعى دوماً لتطوير ذاته، ما يحتاجه الفنان "ياسين" هو تغذية الرؤيا من خلال الاحتكاك والمشاركة، وهذا أمر مرده للتشجيع الذي أعتقد أنه أقل ما يمكن أن نقدمه له».

الفنان "محمد خير بخش" يقول: «ليست المسألة متعلقة بالدراسة ولاسيما عندما نتحدث عن موهبة قوية جداً كالتي يمتلكها الفنان "ياسين النقاوة" الذي أبهر الجميع بأعماله والذي كان ليكفيه عمله الرائع "يوم القيامة" لينتزع إعجاب الجميع، مما لا شك فيه أنه مشروع فنان ماهر، ومن واجبنا أن نأخذ بيده وندعمه كثيراً».