هو المؤسس الحقيقي لفن الحفر والطباعة، أحد أحدث الفنون التشكيلية، تتلمذ على يد الفنان التشكيلي الراحل "محمود حماد"، عاش صراعاً طويلاً مع مرض عضال، كان السبب الرئيس فيه إصراره على تصنيع ألوانه بنفسه مع أنها تحوي على مواد مسرطنة كانت السبب الرئيسي في مرضه.

"مصطفى فتحي" أحد ألمع نجوم الفن التشكيلي في العالم فهو من نجح في باريس طوال الفترة الماضية، فعاش الغربة المرة ليرفع اسم بلده عاليا في عالم الاغتراب، لكنه عاد ليودع أرض الوطن بمعرضه الأخير الذي أقيم في صالة "أيام غاليري"، التي كانت اقتنت أخيراً حوالي مئة من أهم أعماله.

سألته مرة عن بيته فأجابني: «أنا ما لي بيت. اليوم هنا، وغداً في دير الزور، وبعدها في باريس

بهذه الكلمات لخص السيد "محمود جوابرة" رئيس نقابة فناني درعا الذي التقاه eDaraa بتاريخ 3/2/2009 نبذة عن حياة صديق طفولته ومسيرته الفنية الفنان الكبير "مصطفى فتحي" الذي افتقده الوسط الفني خلال الأيام القليلة الماضية، تاركاً وراءه كنزا فنيا ثمينا أسماه فن الحفر.

"فتحي" في مرسمه الخاص

وتحدث "جوابرة" عن نشأة الفنان الراحل فقال: «كان صديقي منذ الطفولة ولد عام 1942 وبدأ حياته كفنان يمتلك موهبة طفولية واضحة، فكان يختلي بنفسه دائما مع الطبيعة يذهب إلى السهول يجلس فيتأمل الصخور، وفي المرحلة الثانوية التقى بالأستاذ الكبير "محمود حماد" الذي أعجب كثيرا بموهبته فعمل على إدخاله كلية الفنون عام 1960، وتابع "فتحي" دراسته في الكلية وتخرج منها عام 1965 حاملاً شهادة في الحفر والغرافيك، فعملت الكلية على إيفاده إلى باريس لمتابعة دراسته لكونه الأول على دفعته، فأكمل دراسته في باريس وحصل على شهادات عليا في الحفر والغرافيك».

ويتابع "جوابرة" الحديث عن حياة الراحل "فتحي" بالقول: «عاش "مصطفى" حياته في باريس فتزوج من فنانة فرنسية وعاد إلى سورية فعمل أستاذاً في كلية الفنون الجميلة، ورئيسا لقسم الحفر، بقي في سورية حتى عام 1985، ثم عاد إلى فرنسا مرة أخرى وأقام هناك، وحقق العديد من الانجازات المتميزة في باريس ولاقى مقابل ذلك تكريما متميزا فحصل على منزل بالتقسيط كهدية من الدولة آنذاك، في عام 1995 عاد إلى سورية بعد أن شعر بأن مصادر العمل في باريس بدأت تنضب، كان دائما يكرر عبارة: "درعا" بنظري أجمل من باريس، لأن باريس بنظره مظلمة تشاهد فقط من وراء الغيوم وهو يحب الشمس والطبيعة الخلابة، عمل بعد ذلك على افتتاح مرسمه الخاص على مساحة كبيرة وهجر العالم كله، حتى ابنه وزوجته في باريس، وسكن هذا المرسم وعاد يرسم طبيعة "درعا"».

وعن أجمل وأبرز المعارض والأحداث التي مر بها "فتحي" في حياته يقول "جوابرة": «"إشارات وزخارف قماشية" هو أجمل المعارض التي أقامها "فتحي" فهو يمثل تحولاً أساسياً من الأداء التقليدي في الطباعة إلى اعتماد الأقمشة الشعبية وتقنية طباعاتها، وتنقل المعرض بين "دمشق" وصالة نيل في "باريس"، ومتحف الفنون الجميلة في "أنغوليم" ودار الثقافة في متحف "مولوز"، وفي عمان. وكان متحف مولوز العالمي اقتنى من أعماله خمسة تصاميم قماشية، أعماله مقتناة في العديد من المتاحف وصالات العرض العالمية، ومن أهم الإنجازات التي حققها أيضا 15000 عمل للفن الشعبي الفلاحي في سوريا كانت وثائق رسمية لدى وزارة الثقافة الفرنسية التي عملت على إصدار كتاب خاص يتضمن الحديث عن الفن الفلاحي السوري ، إضافة إلى العديد من المعارض العالمية والمشاركة المتميزة في معرض الفن العربي الذي تقيمه باريس للأشخاص المتميزين، كونه يكتسب خصوصية ».

وحول معرض "غاليري" الأخير يقول "جوابرة": «هو عبارة عن سوى عربي قديم ومتهالك في شارع البدوي، طبعا شكل غياب الفنان "مصطفى فتحي" عن معرضه حالات شكوك، حول تولّي عائلته إقامة المعرض ودعوة الفنانين والنقاد والصحفيين السوريين إليه، إلى أن وصل الأمر إلى حدّ التشكيك بوجوده على قيد الحياة أصلاً».

وعن أطرف المواقف التي كان يتميز بخلقها يستذكر الصحفي "راشد عيسى" لحظات جميلة له بالقول: «سألته مرة عن بيته فأجابني: «أنا ما لي بيت. اليوم هنا، وغداً في دير الزور، وبعدها في باريس». ضحكته غير المتحفظة، وملابسه التي توحي باسترخاء من يستقبل ضيوفه الأقرب، من غير تكلّف أو حرج، كانت توحي أيضاً بتلك الخفة والانسيابية، التي بدت غريبة على رجل يشارف على السبعين من عمره».

وحول أعمال الفنان "فتحي" يقول الفنان سعد شوقي" أحد أصدقائه: «هي عبارة عن قطع قماشية قطنية يقوم بتشكيلها عبر رموز يبتكرها وينحتها على أختام خشبية، ويقوم أيضاً بصنع ألوان لوحاته وبتثبيتها على القماش بواسطة المياه، يرتكز إبداعه على معرفة عميقة لعالمه المحيط من الريف وبساطته».

ويذكر الصحفي"راشد عيسى" في مقالته حديثا للراحل "مصطفى فتحي" يروي من خلاله علاقته مع "حماد" بالقول : «سُحرت بشخصيته، حين تعرّفت إليه قررت أن أصير رساماً، وحين درست في كلية الفنون ذهب أصدقائي إلى قسم التصوير، وذهبت أنا إلى قسم الحفر، الذي كان يرأسه حمّاد. لقد ذهبت إلى مهنة الحفر بسببه، ولم أجد نفسي مخطئاً أبداً، الأستاذ الجيد يساعدك على اكتشاف نفسك».

ويتابع جوابرة الحديث عن بعض مقتطفات حياة الراحل بالقول: «تعلم الحلاقة من الفنان "محمود" ، وعمل فيها لوقت قصير، كانت تعجبه لوحات الرسام "حسن زيدية" فيقف أمامها مسحورا بها مع أنها شديدة البساطة».

وحول تجربته في فرنسا يروي الراحل للزميل "عيسى" خلال لقائه منذ فترة قصيرة فيقول: «في فرنسا اكتشفت بلدي سورية. اكتشفت أن في بلدي ثقافة عظيمة، لكن هم في الغرب لديهم التحليل الصحيح لها، أوروبا حللت هذه الأشياء وساعدتنا على تحليلها، كما حدث حين جاء شامبليون، العالم الفرنسي، فرأى حجر رشيد، وأخذه إلى باريس ودرسه، واستطاع أن يفك رموز الكتابة الهيروغليفية. نحن كسّرنا كثيراً من الآثار. الأوروبيون ساعدونا في الحفاظ على تراثنا وأعمالنا، في فرنسا اكتشفت التجريد وفناني التجريد، فهمت التجريد أكثر، واقتربت من نماذج كثيرة. الأوروبيون أحبوا شغلي كثيراً وقدّروه، في مسابقة لفناني القماش في فرانكفورت جرى اختياري واحداً من خمسة عشر فناناً، يشتغلون على القماش، رجل يأتي من حوران فيختاروه واحداً من خمسة عشر فناناً في أوروبا يشتغلون على القماش، هذا يعني أن لدينا حضارة. نحن كعرب بلاد القماش. في المقابر التدمرية اكتشفوا قماشاً مطبوعاً، ما يعني أن هذا الفن معروف لدينا».

وحول أهم المحطات في حياة الفنان الراحل والتي أحبها كثيرا يقول "محمود جوابرة": «عمل "مصطفى" على أن يجول في البلدات والقرى، وبجهدٍ فردي خالصٍ، على دراجته الهوائية مع زوجته، ليبحث في فنون الفلاحين والفنون الشعبية، وبالطبع كان يعاني من سوء الفهم دائما وهذا لم يقف عائق في وجهه».

ويختتم "جوابرة" حديثه عن حياة الفنان الراحل "مصطفى فتحي" بالقول: « لقد تلقى التقدير اللائق بتجربته، ولكن ليس على المستوى الرسمي، فأعماله أغلبها اشتراها فنانون أو دارسون للفن، من بينهم "خالد سماوي" الذي أعاد للفن السوري جديته، فرنسا كرمته أكثر بكثير طيلة حياته هو نجح ببلده لكن خارجها».