يعدّ "فارس سلطجي" حارس الأحلام السورية وحامي عرين مرماها في النصف الثاني من القرن الماضي، عندما كانت كرة القدم تنعم بالبساطة والانتماء، وتابع هوايته مدرّباً لحرّاس المرمى حتى بداية القرن الحالي بكل الوفاء والشغف للمستديرة التي كانت جزءاً من حياة الناس، ومصدر متعتهم.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 15 تشرين الأول 2016، شيخ الحرّاس السوريين "فارس سليم سلطجي"، ليتحدّث عن تاريخ نشأته، ويقول: «أنا من مواليد "دمشق" عام 1941، أبصرت النور في حيّ "القنوات" المعروف بحيّ "البكوات" الذي ضمّ كبار أعيان العائلات الشامية، كانت بيوت الحي مثل القصور، أقل بيت فيه عشر أو اثنتا عشرة غرفة، منها غرف علوية ومنها غرف أرضية، والتي احتوت "القاعة والليوان والمربع"، كانت هذه الغرف واسعة المساحات، مرتفعة السقوف، تدخلها أشعة الشمس من الصباح وحتى المساء، تتوسطها فسحة سماوية، وأرض الديار باتساعها، وتُعدّ منفذاً لأهل البيت، يلعب فيها الأطفال والأولاد، حتى نحن كنّا نلعب فيها كرة القدم، احتوى بيتنا أشجاراً رائعة، تفوح منها رائحة الياسمين والنارنج، إضافة إلى شجرتي الليمون الحامض والحلو، إلى جانب دالية العنب الزيني، التي تسترخي أغصانها في "مشرقة" البيت، الذي نفتقد طعمه وحلاوته اليوم، في تلك الفترة احتلت دوالي العنب زاوية في كلّ بيت، لتمتد على السطوح المعروفة بـ"المشرقة". اشتهر حيّ "القنوات" ببيوته العربية الجميلة بهندستها وقاطنيها من أهالي "دمشق" القدامى.

كان حارس مرمى بنادي "بردى"، ثم انضمّ إلى فريق "الجيش"، وهو حارس مرمى مشهور، مثَّل "سورية" دولياً داخل القطر وخارجه، ثم أصبح مدرّباً فدرَّب حراس مرمى المنتخب الوطني السوري، وكان نشيطاً وله سمعته الطيبة. كنّا فريقاً واحداً في المنتخب الوطني السوري، ومعنا من الرياضيين المعروفين، مثل: "أفاديس كولكيان"، و"موسى الشماس"، و"مظفر عقاد"، و"يوسف محمود"، و"حافظ أبو لبادة"، وغيرهم

بدأت الدراسة بمدرسة "صلاح الدين" القريبة من بيتنا، حيث كنت برفقة أصحابي من منطقتي، لينقلني والدي بعدها إلى مدرسة التربية والتعليم الخاصة المعروفة بنظامها وصرامة إدارتها وتعليمها. كانت بعيدة عن بيتنا قليلاً بمنطقة "السويقة"، وكانت من أحسن المدارس في ذلك الوقت، كان دوامها طويلاً، وأذكر من مدرّسيها المدرّس "غالب" المعروف بقسوته على الطالب غير الملتزم بالدوام المدرسي والمهمل لدروسه، كان العقاب يومها يسمى "الفلقة"، حيث تُضرب رجلا الطالب تأنيباً وتنبيهاً له، ونتيجة جدية التعليم تخرّج فيها أحسن عشرة طلاب من حملة الشهادة الابتدائية».

الحكم الدولي زكريا حزام

ويضيف عن تلك الفترة: «بعد نيلي الشهادة الابتدائية انتقلت إلى المدارس الإعدادية والثانوية، انتسبت بالبداية إلى مدرسة "دار الحكمة" الخاصة، خلف الإذاعة القديمة بمنطقة "تحت القناطر" عند بيت "فخري البارودي"، وكانت معروفة بمدرّسيها وتعليمها وطلابها المتميزين، أكملت فيها السادس والسابع والثامن، وانتقلت إلى ثانوية "دمشق الوطنية" بشارع "خالد ابن الوليد"، حيث درست الصف التاسع، وفيها اختير عدد من الطلاب ليكونوا النواة الأولى لفريق كرة القدم المدرسي، وكنت ضمن الفريق الذي أطلق عليه اسم "فريق ثانوية دمشق الوطنية"، وكنا نباري الفرق والأندية التي تضمّ عدداً من اللاعبين المعروفين، ومن أشهرهم: "محمد عزام" الذي كان يكبرنا، و"أحمد جبان"، و"أحمد عليّان"، و"أحمد طالب تميم"، و"لطفي كركتلي"، والراحل "فارس حنا"، وفيما بعد لعبنا مع فرق قوية وأصبحنا نذهب إلى المحافظات للّعب، وتألّق اسم المدرسة، ومديرها "عبد الستار الكسم"، وكانت أول مدرسة تنشئ فريق كرة قدم على مستوى جيد ولاعبين أكفاء، ولعبنا مع الأندية والمنتخبات وتطوّرنا، وأكملت بالمدرسة كل المرحلة الثانوية، ووقتئذٍ كان فريق "الجيش" مشهوراً، وأثناء خدمتي للعلم طلب مني "مخلِف العمر" المسؤول عن فريق "الجيش" والعميد "محمد موصللي" المسؤول عن الاتحاد الرياضي العسكري، أن أخدم "العسكرية" وأنا ألعب كرة القدم، وفعلاً ذهبت مع بعض أصدقائي منهم "أحمد الجبان" وأربعة شباب آخرين، ودخلت الفريق الذي كان له اسم كبير، وهو عماد الكرة السورية في ذلك الوقت، ومن ألمع اللاعبين: "موسى شماس"، و"أواديس"، و"بتراكي"، و"محمد عزام"، و"مروان دردري"، و"طارق علوش"، و"سمير سعيد"، و"جوزيف شارسيان"، وكانت مدة العسكرية سنتين لم نشعر بها، وكان للفريق لقاءات خارجية ومباريات دولية، حيث اشترك ببطولة العالم العسكرية أكثر من مرة، وكان ترتيبنا الثالث في إحداها».

وعن الشهرة والالتقاء مع الناس والفرق الكبيرة، أضاف: «كان الملعب البلدي يقيم في كل أسبوع مباراة خارجية لفريق "الجيش"، ويعدّ هذا المكان المتنفس لأهل "دمشق"، فقد كانوا ينتظرون يوم الجمعة بفارغ الصبر لمشاهدة مباراة الفريق، كان موقع الملعب مميزاً؛ فحوله طبيعة خلابة، وتحيط به المياه من الأعلى من نهر "تورا"، ومن الأسفل نهر "بردى"، والذهاب إليه للتسلية وقضاء يوم جميل بليرة سورية واحدة، تعلّق الجمهور بفريقه وبمبارياته، لتنوع الفرق الرياضية الزائرة، كفريق "ستيوا" الروماني، و"سبارتاك موسكو"، و"دينامو موسكو"، و"شختار" الروسي، وفرق من بلغاريا.

فارس سلطجي

بدأت حياتي الرياضية بنادي "بردى" لمدة ثلاث سنوات، وهو من الأندية العريقة والمعروفة، أما المرحلة الثانية، فكانت مع فريق "الجيش"؛ فإذا أراد اللاعب أن يتطوّر ويصبح له اسم كبير عليه أن ينضمّ إليه، حيث انتقلت إليه عام 1960-1961، وبقيت حارس المرمى الأساسي فيه حتى عام 1973».

ويتابع: «أُصبت بالسبعينيات في غضروف الركبة، ولم يكن الطب متطوراً آنذاك، فأرسلني فريق "الجيش" إلى رومانيا، فبعد مجيء فريق "ستيوا" الروماني إلى "الشام" لعبت ضدهم وأصبحت معروفاً، فاستقبلوني مجاناً، وبعد الانتهاء من العملية عدت إلى اللعب، ولكن أصبح عندي نقطة ضعف وخوف. في عام 1973 كان فريق "الجيش" في بغداد، ورديفه منتخب "سورية"، وكان من الضروري اشتراك منتخب "سورية" لكونه المنتخب الوطني الأساسي الذي يمثّل الوطن، لعب منتخب "سورية" مباريات للفوز بكأس العرب، كانت كلّ الدول العربية تشترك، حيث فزنا على عدّة فرق كبيرة؛ آخرها مباراتنا مع منتخب "العراق" أقوى الفرق المشاركة.

منتخب الجيش العربي السوري

لعبنا في "بغداد" سبع مباريات، لم يدخل مرماي إلا هدفان فقط، وكنت حينئذٍ نجم البطولة، وتمّ منحي كأس أحسن حارس مرمى عربي، وذاع صيتي في الأوساط الرياضية العربية والأوروبية، وجاءتني عروض كثيرة من "اليونان"، و"الكويت" و"العراق"، لكن حبّ الوطن جعلني أبقى في بلدي، وبعد عودتنا إلى "الشام" فاجأني إخوتي العراقيين بوضع صوري على أغلفة علب التمر العراقي، وأرسلوا لنا العلب، كان سروري كبيراً بهذه المبادرة، كما أرسلوا منها أيضاً عيّنة للراحل "عدنان بوظو" المعلّق الرياضي، الذي كتب بجريدة "الموقف الرياضي" تحت عنوان: "السلطجي على علب التمر العراقي"، وكانت تباع العلب في "بغداد" و"الكويت".

ذهبت إلى "الكويت"، لكنني لم أشعر بالراحة النفسية؛ كانت ملاعبهم موحشة بالنسبة لي، وأُصبت عدة مرات، وبعدها رجعت إلى "سورية" واستمريت مع فريقي حتى عام 1973».

قال عنه "زكريا حزام" الحكم الدولي المشهور: «كان حارس مرمى بنادي "بردى"، ثم انضمّ إلى فريق "الجيش"، وهو حارس مرمى مشهور، مثَّل "سورية" دولياً داخل القطر وخارجه، ثم أصبح مدرّباً فدرَّب حراس مرمى المنتخب الوطني السوري، وكان نشيطاً وله سمعته الطيبة. كنّا فريقاً واحداً في المنتخب الوطني السوري، ومعنا من الرياضيين المعروفين، مثل: "أفاديس كولكيان"، و"موسى الشماس"، و"مظفر عقاد"، و"يوسف محمود"، و"حافظ أبو لبادة"، وغيرهم».