بُني على الطراز المملوكي، تميزه مئذنته التي جمعت بين طرازين معماريين؛ فكانت صلة الوصل بين الجذع الدمشقي المثمن والطريقة المعتمدة في "القاهرة" بتكرار هذا الجذع...

مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 4 أيلول 2014، مع الباحث "عماد الأرمشي" عبر شبكة التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، الذي تحدث عن جامع "ابن هشام"، ويقول: «بنى الجامع القاضي "بدر الدين بن مزهر" عام 831 للهجرة الموافق 1427 للميلاد، غير أن اللوحة الرخامية المثبتة تحت المئذنة الخشبية القديمة جداً والمطلة على سوق "مدحت باشا"، والمقروءة بصعوبة تقول: (مئذنة "هشام" جددها القاضي "بدر الدين بن مظهر")، وقد تم تجديد المسجد والمئذنة الكبيرة عام 1173 للهجرة إثر زلزال "دمشق" الشهير أيام سلطنة السلطان العثماني "عبد الحميد الأول"».

إنه في ذي الحجة سنة إحدى وثلاثين وثمانمئة، فرغ من بناء مسجد "ابن هشام" في "الفسقار"، بناه القاضي "بدر الدين بن مزهر" من ماله، وجاء في غاية الحسن، وبنى له مئذنة في غاية الظرف

ويضيف: «يتألف المسجد من حرم طويل مغطى بعقود سريرية، وتنتصب المئذنة في الزاوية الجنوبية الشرقية للجامع، وتعود إلى العام 1171 للهجرة، لكن أهالي المنطقة يقولون إن المئذنة ترجع إلى عهد أقدم من ذلك، وتعود إلى العهد المملوكي كما يدل عليها طراز العمارة دون أدنى ريب، وهي قريبة من مئذنة جامع "القلعي" من ناحيتي المكان والزمان، إلا أنها مثمنة الشكل على الرغم من تشابه التصورات التشكيلية واللونية، كما هي المآذن في "القاهرة" المعتمدة على تكرار الجذع المثمن العلوي والأقل سماكة من السفلي، وتفصل بينهما شرفة المؤذن، وتتولد بذلك أشكال معمارية غنية ورشيقة ومشبعة، مقابل ذلك تحتفظ المئذنة الدمشقية بالكثير من تشبثها بالطابع الحجري المنحوت».

لوحة بناء الجامع

ويتابع: «تعد هذه المئذنة من أجمل المآذن في "دمشق" و"القاهرة"، فهي ذات جذع مثمن الأضلاع، ويتميز الجذع بكونه مقسوماً بأفاريز حجرية إلى أربعة أجزاء؛ جذع المئذنة الأول غني بالأشكال الهندسية المنحوتة وتتوسطه نافذة ضيقة أخذت شكل محراب أشبه ما يكون إلى الرواشن (أي واجهة على شكل شرفة) على طرفي الجذع، أما الجزء الثاني فهو أصم تتوسطه نافذة صماء مقوسة تطل على شرفة صغيرة، يعلوه الجزء الثالث وفيه نوافذ هرمية الرأس في كل ضلع، أربع من النوافذ صماء وأربع مفتوحة، أما الجزء الرابع فيضم الشرفة التي أخذت شكل الجذع أيضاً يتدلى منها مقرنصات ذات أقواس ثلاثية الفصوص، ويحيط بها درابزين خشبي، وترتفع فوقها مظلة خشبية ويعلو المئذنة جوسق (أي مقصورة) مثمن بطبقتين يتضاءل بالحجم؛ فيه نوافذ صماء ينتهي بهرم حامل للذروة الحجرية البصلية تحمل التفاحات والهلال».

ويذكر الشيخ "عبد القادر النعيمي" في كتابه "الدارس في تاريخ المدارس"، فيقول: «مسجد "ابن هشام" في سوق "الفسقار" (أي سوق "مدحت باشا") مسجد كبير له إمام ومؤذن، وله منارة جميلة، وعلى بابه ساقية وقناة من نهر "القنوات"، فحالها كحال معظم المنشآت الدينية والنفعية، مثل: المساجد، والمدارس، والخوانق، والتكايا، والزوايا، والرباطات، والحمامات، والخانات، تقام على ضفاف الأنهار ومصبات المياه في مدينة "دمشق" للاستفادة قدر الإمكان من هذا العنصر الحيوي المهم للحياة».

حرم المسجد

ويقول الراحل "بدر الدين الأسدي" في كتابه "الأعلام بتاريخ الإسلام": «إنه في ذي الحجة سنة إحدى وثلاثين وثمانمئة، فرغ من بناء مسجد "ابن هشام" في "الفسقار"، بناه القاضي "بدر الدين بن مزهر" من ماله، وجاء في غاية الحسن، وبنى له مئذنة في غاية الظرف».

أما الدكتور "محمد أسعد طلس" فقد ذكر الجامع عند إحصائه لمساجد "دمشق" عام 1942م في كتاب "ثمار المقاصد بذكر المساجد"، ويقول: «هذا المسجد مؤلف من قبلية مستطيلة ضخمة، لم يبق من بنائها القديم شيء إلا المحراب المدهون، والمنبر الخشبي الحديث، وله بابان ضخمان من الحجر من الشمال والجنوب، وللمسجد منارة حجرية مثمنة بديعة في بنائها وزخرفتها».

مئذنة الجامع

والدكتور "قتيبة الشهابي" ذكره أيضاً في كتابه "مآذن دمشق"، ويقول: «إن التسمية القديمة التي أطلقها "ابن عساكر" هي مسجد "ابن هشام" وليس "هشام"، لكن الناس يؤكدون أنه باسم "هشام بن عمار" المقرئ المتوفى سنة 245 للهجرة الموافق 859 للميلاد والمدفون ضمن المسجد، كما أكد ذلك المؤرخ الدكتور "أكرم حسن العلبي" في كتابه "خطط دمشق"».

يذكر أن جامع "ابن هشام" يقع داخل أسوار مدينة "دمشق" القديمة متاخماً لسوق "الصوف" ومطلاً على الشارع "المستقيم" أو سوق "مدحت باشا"، ويقابله سوق "الخياطين"، وخان "الدكة".