تعد أكبر المدارس الإسلامية في "دمشق"، وآخر مدارس العهد الأيوبي، أنشئت على المذهب الحنبلي، سميت بـ"الصاحبة" نسبة لبانيتها "ربية خاتون"، بناؤها يدل على ارتقاء الفن المعماري في الفترة الأيوبية.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 15 تموز 2014، الباحث التاريخي "عماد الأرمشي" الذي تحدث عن المدرسة "الصاحبة"، ويقول: «تقع خارج أسوار مدينة "دمشق القديمة" على سفح جبل "قاسيون" من جهة الشرق في منطقة "الصالحية" بحي "ركن الدين" حالياً، وهي من أكبر المدارس الإسلامية، يحدها شرقاً المدرسة "الركنية"، وغرباً جامع الشيخ "عبد الغني النابلسي" ومتاخمة لمسجد "أبو النور"، وتعد هذه المدرسة آخر ما تم بناؤه في "دمشق" من أقرباء السلطان الناصر "صلاح الدين الأيوبي"».

يوجد ضريح الواقفة في الغرفة الغربية الوسطى من المدرسة التي تضم إيوانين شرقي وغربي ومسقوفة بأعمدة مزدوجة، والضريح نفسه وضع بشكل منحرف عن استقامة الغرفة كي يتناسب وجوده ووضعه مع اتجاه القبلة

وذكر "ابن الجوزي" أن المدرسة أنشأتها "ربيعة خاتون" ولقبها "الصاحبة" وهي أصغر أولاد "نجم الدين أيوب بن شاذي بن مروان"، وبُنيت من أجل الشيخ "عبد الرحمن الناصح بن الحنبلي" للتدريس فيها، وذلك في سفح جبل "قاسيون" في رجب سنة 628 هجري الموافق 1231 للميلاد، وقد سمتها المدرسة "الصاحبة"، ومنهم من قال "الصاحبية"، ومنهم من قال "الصلاحية" أو "الناصحية"، وقد وهبتها لتدريس الفقه على المذهب الحنبلي، كما دخلت في خدمتها الشيخة الصالحة العالمة "أمة اللطيف بنت الناصح الحنبلي"، وكانت فاضلة زاهدة محاضرة بعلوم الدين، وهي التي أرشدتها إلى وقف المدرسة بسفح قاسيون على الحنابلة.

الباحث عماد الأرمشي

أما الآثاري "عقبة معن" فيقول: «تتمتع المدرسة التي بنيت على طراز فنون العمائر الأيوبية الرائعة بواجهة حجرية ذات قيمة معمارية فائقة، من حيث تدكيك الحجارة الجيرية وتركيبها، ولها أربعة شبابيك تطل على الغرف، ولبوابتها سحر جميل، فهي فخمة مزينة بمقرنصات حجرية رائعة على شكل محراب ومعقودة بثلاثة صفوف من الانحناءات الأفقية الجميلة على هيئة مقرنصات محرابية الشكل، وبها ست صدفات منحوتة نحتاً جيداً وصولاً إلى تاج البوابة، أخذت المدرسة شكل مستطيل، ومدخل بابها الرئيس من الجهة الشمالية، مع وجود نوافذ بالجبهة الحجرية يعلوها سواكف وكان عليها نقوش، وفوقها تتواجد أشكال حجرية مربعة محفورة حفراً هندسياً أخذت شكل حزام، وعليها نقش عبارة: (أشهد أن لا إله إلا الله)، ما يدلنا على أن هذه النافذة هي نافذة ضريح الواقفة "ربيعة خاتون"».

ويضيف: «يوجد ضريح الواقفة في الغرفة الغربية الوسطى من المدرسة التي تضم إيوانين شرقي وغربي ومسقوفة بأعمدة مزدوجة، والضريح نفسه وضع بشكل منحرف عن استقامة الغرفة كي يتناسب وجوده ووضعه مع اتجاه القبلة».

صحن المدرسة القديم ذو الطراز الأيوبي

ويبيّن الشيخ "عبد القادر بن بدران" في كتابه "منادمة الأطلال" أهمية المدرسة، ويقول: «تميزت المدرسة بالرقيّ في تقدم فن العمارة الأيوبية، وهي تقع في حارة "الأكراد" بـ"دمشق" في "حي ركن الدين"، وبناؤها عظيم يدل على الأبهة والجلالة، وهي من الآثار التي تدل على ارتقاء الفن المعماري في ذلك الزمن، والمدرسة ككل مؤلفة من أربعة أواوين ويوجد في الواجهة الشمالية صف من ثلاثة عقود متساوية الارتفاع، ويوجد في الناحية الجنوبية منها الإيوان الرئيسي وهو مركز المدرسة ويحيط به نوافذ كانت تطل على الحديقة وعلى نهر "يزيد" ومنه تطل على مدينة "دمشق"».

كتاب منادمة الأطلال للشيخ عبد القادر بن بدران