تعتبر النقود المعدنية القديمة الدمشقية خير دليل على معرفة تاريخ المدينة، وتميزت تلك المسكوكات بجماليتها وبأنها صورة عن الحكم الذي يمر بالبلاد.

مدونة وطن "eSyria" بحثت بتاريخ 24 تشرين الثاني 2013 في كتب التاريخ التي تحدثت عن المسكوكات النقدية في "دمشق" حيث أشار الباحث "بشير زهدي" في كتابه "دمشق أقدم مدينة في التاريخ" إلى أنه تبين لهواة جمع النقود المعدنية القديمة أن لكل نقد وزنه وشكله وأبعاده وصوره وكتاباته ورموزه وشاراته وتاريخه، ما يفسر أهمية هذه النقود المعدنية الأثرية، وجعل من دراساتها علماً جديداً خاصاً بها يعرف باسم "علم النقود" أو "علم النميات"، وأضاف: «منذ أقدم العصور التاريخية، ظهرت "دمشق" كمركز هام للحياة السياسية والاقتصادية الفكرية والروحية والثقافية والاجتماعية، تلتقي فيها القوافل الآتية من مختلف الجهات، وتفرغ في أسواقها محاصيل العالم القديم، وتعود من حيث أتت حاملة من محاصيل "دمشق" الزراعية والصناعية، ولا شك أن هذه المبادلات التجارية كان يسودها نظام نقدي ما، ما ساهم في انتشار النقود المختلفة فيها، وكان ينظر إلى ملوكها منذ بداية الألف الأول قبل الميلاد بأنهم (مالكو الذهب والفضة)».

للمسكوكات قدرة فائقة على استمرارية البقاء، فقد عرفت منذ أكثر من 2500 عام كأداة تساعد التجار في الإنجاز السريع لعمليات المبادلة، كما أنها استطاعت البقاء بعد زوال حضارات عديدة، فهي منجم غني بالمعلومات تزودنا بأدلة تساعد في تنظيم سرد التسلسل التاريخي للمدينة التي قامت بسكها

وهذا ما بيّنه الآثاري "خلف الطراونة" في كتابه "مسكوكات العالمين القديم والإسلامي" بقوله: «للمسكوكات قدرة فائقة على استمرارية البقاء، فقد عرفت منذ أكثر من 2500 عام كأداة تساعد التجار في الإنجاز السريع لعمليات المبادلة، كما أنها استطاعت البقاء بعد زوال حضارات عديدة، فهي منجم غني بالمعلومات تزودنا بأدلة تساعد في تنظيم سرد التسلسل التاريخي للمدينة التي قامت بسكها».

سك العملة قديماً

مشيراً إلى أنه في العصور القديمة أسهمت وفرة حاصلات "دمشق" وأهمية مصنوعاتها في انتقال كثير من نقود العالم القديم إلى أسواقها، ويدل على ذلك كثرة مجموعات النقود المعدنية الأثرية المكتشفة في "سورية" والمحفوظة في المتحف الوطني بـ"دمشق".

وتابع حديثه: «رغم إقامة "السلوقيين" في عاصمتهم السورية الجديدة، فقد حافظت "دمشق" على أهميتها وفعاليتها، بل ولجأ إليها بعض الملوك فأقاموا فيها واتخذوها عاصمة لهم، وكانت دور السك قد استأنفت نشاطها ما جعل البلاد تشهد نشاطاً نقدياً كبيراً أسهم في تلبية المتطلبات الاقتصادية والتجارية والمالية».

دينار الدولة الأموية

موضحاً أن العالم الأميركي "نويل" وصف نقود الملك السلوقي "أنطيوخوس السابع" (139- 129 ق.م) المسكوكة في "دمشق"، بهذا الوصف: «توجد على وجه النقد الفضي صورة جانبية يمينية لرأس الملك السلوقي يزينه الإكليل الملكي العريض والجميل، وفي الخلف صورة الربة تعلو رأسها خوذة حربية وهي واقفة وممسكة بيدها اليمنى تمثال ربة النصر، وتلمس بيدها اليسرى ترساً إلى جانبها الأيسر، وقد ظهرت خلفها وأمامها كتابة يونانية تضمنت لقب الملك السلوقي ويبدو تحت يدها اليمنى شارة توقيع، وفي الأسفل تاريخ سك النقود، ويحيط بهذا كله إكليل من الغار الجميل».

وبين "طراونة" أن المسكوكات تعتبر من أجمل روائع العالم رغم صغر حجمها ففي الماضي استخدم النقش الذي على المسكوكات كرسالة موجهة إلى الشعب، وفي عهد الملك السلوقي "أنطيوخس السابع" شهد في "دمشق" سك نقود فضية عليها تاريخ وفق التقويم السلوقي، وتعود إلى عام 138 ق.م حتى عام 129 ق.م، وكان يشرف على سك هذه النقود المعدنية الدمشقية في العصر "الهلنستي" قاضيان يظهر توقيعهما معاً منذ عام 137 ق.م، وفي ذلك الوقت تميزت هذه النقود بأنها مؤرخة ويشرف على سكها عضوان مسؤولان عنها وعليها شارة دمشقية؛ ما جعل المختصين في علم النقود ينسبون سكها إلى دور السك الدمشقية، كما أنها كانت تبدو أكثر ثقلاً من غيرها من النقود القديمة.

وتابع: «هناك النقود البرونزية الدمشقية غير المؤرخة في أواخر العصر "الهلنستي" التي تميزت بظهور الملك "أنطيوخس الثاني عشر" كشاب حليق الذقن، أو بلحية مثل سلفه "ديمتريوس الثالث"، أما في عهود الملوك العرب "الأنباط" فسكت دور السك الدمشقية نقوداً حمل وجهها صورة جانبية لرأس "الحارث الثالث" بشعره الطويل، وعلى الخلف صورة ربة المدينة "تيكة دمشق" تبدو جالسة، تمسك قرن الخصب بيدها، وهناك كتابة يونانية تضمنت اسم الملك "الحارث"، وأهمية "تيكة" دمشق وشهرتها، وانتشار صورها على النقود الدمشقية، وظهورها بمظهر الفتاة الجميلة والأنيقة الثياب جالسة على صخرة، وحولها غصن شجرة عنب، وعند قدميها شاب يسبح يجسّد نهر الذهب "بردى"، ما جعل صورتها رمز بركة وخير وسعادة لأبناء "دمشق" وفعالياتهم المختلفة».

وأضاف: «إن هذه التفاصيل الخاصة والمتميزة قد استمرت فيما بعد في العصر "الروماني" فتابعت دور السك الدمشقية عملها وتميزت بأن وجه النقد حمل صورة جانبية لرأس الإمبراطور وعلى الخلف صورة ربة المدينة "تيكة" دمشق، وفي العصر البيزنطي تابعت الدور سك النقود البرونزية المتميزة، على وجهها صورة نصفية أمامية للإمبراطور البيزنطي، وعلى الخلف؛ حرف M بحجم كبير، وفي أسفل النقد الحروف الأولى من اسم "دمشق" DAM، إضافة إلى تاريخ السك».

وعن المسكوكات والنقود الدمشقية في عهد الخلفاء الراشدين والأمويين تحدث "بشير زهدي": «بعدما حرر العرب المسلمون بلاد الشام من نير الحكم البيزنطي، تابعت دور السك الدمشقية سك النقود المعدنية للدولة العربية الجديدة، محتفظة بتقاليدها وأسلوبها، بل وبإدارتها أيضاً، ويعتقد أن الذي كان مدير المالية الدمشقي في عهد الإمبراطور البيزنطي قد تابع القيام بوظيفته في العهد العربي الإسلامي الجديد في بلاد الشام، وتميزت هذه النقود البرونزية في بداية الحكم العربي الإسلامي بأنها تحمل على وجهها صورة أمامية للخليفة بمظهر قيصر أو إمبراطور، وفي يده سلاحه المؤلف من سيف طويل مستقيم، وعبارة (أمير المؤمنين)، وعلى الخلف حرف M مع كلمة (دمشق) باللغة العربية، وكلمة (طيب) أو كلمة (جائز) أو غيرها من الكلمات التي تؤكد سلامة سك هذا النقد قانونياً».