شاهد آخر على عراقة مدينة "دمشق" وباكورة الفن المعماري والهندسي الإسلامي الذي صممهُ وصنعهُ آباؤنا للأجيال الحالية والقادمة.

يقع جامع "تنكز" شمال غرب "دمشق" القديمة المسورة في شارع "النصر" قرب محطة "الحجاز"، حيث الجامع مع ضريحه، سمي بهذا الاسم نسبة إلى "تنكز" نائب السلطان "الناصر محمد المملوكي" المستقر في "القاهرة"، وكان "تنكز" مملوكاً في البدء للملك "المنصور قلاوون" ولذلك حمل لقب "المنصوري" واستمر الأمير "تنكز" والياً على "دمشق" ما يقارب ثلاثين عاماً، صاحب صيت عطر وشديد الولاء للسلطان في "مصر". أما أصل الكلمة فهو تركي وتعني البحر.

أذهب إلى جامع "تنكز" لأخرج من الدنيا وهمومها بالصلاة فيه

تتفق الأبحاث والدراسات على أن الجامع أقيم مكان كنيسة القديس "نيقولا" فكان محطة للزائرين ومتعة للناظرين.

خريطة توضح موقع الجامع

وتذكر الدراسات أنه تم البدء ببنائه في صفر سنة 717هــ، وتكامل البنيان في شعبان سنة 718هـ، أي إنه لم يستغرق أكثر من سبعة عشر شهراً.

وفي سنة 795ه ، أجرى الأمير "صلاح الدين بن محمد بن تنكز" إصلاحات شاملة على المسجد استغرقت سبعة أشهر، فعاد أجمل مما كان، واحتفل بذلك احتفالاً كبيراً، كما جدد هذا الجامع بعد (74) عاماً في سنة 1392م، وفي عهد "إبراهيم باشا المصري" أصبح هذا الجامع "ثكنة عسكرية".

صورة حديثة لجامع

واستمر على هذا الحال حتى سنة 1937م حيث أصبح مقراً "للجمعية الغراء" كمدرسة "شرعية"، وتعرض الجامع لحريق سنة 1945م، ثم هدم الجامع وتم بناؤه من جديد عام 1951م وبقي على وضعه الحالي، ولم يبق من الجامع القديم إلا "المئذنة والضريح"، وتعد "المئذنة الشمالية" من أجمل "المآذن الإسلامية" فهي تتألف من قاعدة "صومعية" مربعة مرتفعة على الطراز الدمشقي القديم مشابهة لمئذنة العروس في "الجامع الأموي" يعلوها جذع مثمن مملوكي مع نوافذ مزخرفة، أما الشرفة فقد تجملت قواعدها بمقرنصات ضخمة متوجة المئذنة بقاموع مضلع فريد من نوعه مغطى بألواح من الرصاص يرجح أنها وضعت مع الترميمات الأخيرة. أما الجامع على شكله الحالي فيأخذ استطالة بطول 100 متر تقريباً مطلة على شارع "النصر" ومئذنتين صغيرتين.

يحتضن الجامع في مدخله من الجهة الشرقية تربة الأمير "تنكز" مغطاة بقبة تعتمر على رقبة لها طبقتين: سفلى مثمنة وطبقة عليا لها ستة عشر ضلعاً، تشكل آيةً من آيات الفن المعماري الإسلامي العريق.

في القرن التاسع زاره "البدري" ووصفه وصفاً يقرب من الخيال، يبين مدى جماله وروعة بنائه.

روعة ألهمت الشاعر "ابن حدقة" لقول الشعر والتغني ببهاء جامع "تنكز"، فقال:

وافيت جامع "تنكزٍ" فوجــــــــــــدته / مــتفرداً بين الريــــــــــــاض وحــــــــــــــيداً

لم صرت وحدك ههنا؟ فأجابني / لما جمعت الحسن صرت فريداً

في القرن الحالي يصفه العلامة "بدر الدين الحسيني" فيقول: «أقيمت الصلوات فيه وخطبت على منبره وفاح في الآفاق مسكه وعبيره، فهو جامع حسن المباني لطيف المعاني واري الزناد رفيع العماد».

أما الشاب "حسين زكريا" أحد المصلين، فيروي سبب إقامته الصلاة في هذا الجامع: «أنا أصلّي في جامع "تنكز" منذ سنتين، يشكل لي هذا الجامع عمقاً إيمانياً واضحاً لكونه تاريخي المنشأ فهو يبين عظمة الدين الإسلامي وعراقته التي تمتد في جذور التاريخ، عندما أصلّي في هذا الجامع أكون موجوداً في "دمشق" وملتصقاً بها».

أما الشاب "محمد شاهين" فيفضل الصلاة في جامع "تنكز" رغم وجود مسجد بالقرب من منزله يقول: «أذهب إلى جامع "تنكز" لأخرج من الدنيا وهمومها بالصلاة فيه».