يعد من أشهر أسواق دمشق على الإطلاق، تاريخه مذكور في الكتب، وسقفه الحديدي استضاف كل سكان دمشق وزوارها؛ فلا يوجد أحد منهم إلا وزار هذا السوق، وما زال إلى اليوم يعد مركز الثقل المالي في دمشق.

إنه "سوق الحميدية" الذي وصفه المؤرخون بأنه درة أسواق الشرق وأكثرها جمالاً، وهو من أسواق العهد العثماني التي لا تزال قائمة إلى اليوم، يقع في الجهة الغربية من دمشق القديمة داخل السور، يمتد من آخر شارع النصر إلى المسجد الأموي.

أعمل في هذا المتجر منذ أكثر من ثلاثين عاماً، وهي من أهم الحرف التي يقبل زوار السوق على شرائها

عرف قديماً "سوق الحميدية" بـ"المدينة" نظراً لاختلاف وتنوع بضائعه، وعليه أورد مؤرخ دمشق "عماد الأرمشي" في سيرته الذاتية بأن والدته كانت تصحبه إلى "المدينة" لشراء ما يلزم، وفي لقاء مع المعمرة الدمشقية السيدة "صبحية البديوي الكيلاني" روت بأنها كانت تذهب منذ صغرها مع والدتها، إلى "المدينة" آخر سوق الحميدية، وكان الذهاب مفرحاً بالنسبة لها حيث كان السوق يعج بزواره من كل أنحاء سورية وكان مقصداً أيضاً لزائري دمشق من الأجانب المبهورين بما يضج به السوق من أضواء وبضائع متنوعة.

حسام اللحام

ومما قالته أيضاً: «من أهم المحلات التجارية اللافتة في فترة الخمسينيات من القرن المنصرم محل المحايري للأقمشة، ومحل الزين للألبسة الجاهزة والأقمشة، مع وجود محلات عدة تؤمن لزوار السوق الحلويات والمرطبات، ومما يلفت النظر وقوف الباعة المتجولين وسط السوق بثيابهم الدمشقية التراثية للفت انتباه السياح الأجانب إلى جمالية التراث الدمشقي».

مدونة وطن "eSyria" جالت في "سوق الحميدية" بتاريخ 22/6/2013 والتقت السيد "حسان اللحام" أحد تجار "سوق الحميدية" الذي قال: «عائلتي موجودة في السوق منذ مئة عام ونيف، حيث عمل الأجداد في تجارة السجاد اليدوي، وتوارث الأبناء والأحفاد مهنة التجارة، وأغلب محلات السوق هي موروثة، يعمل فيها أفرادٌ لأسر معروفة.

سلطان السبيني

أشتهر السوق ببيع الأقمشة الحريرية الدمشقية بألوانها السبعة، والأقمشة الصوفية (الجوخ)، وكذلك الملبوسات القطنية الدمشقية الشهيرة، ومنها ملابس الحج، والكله (الناموسية) التي كانت تستعمل في كل البيوت الدمشقية، كذلك أعي تماماً وجود محلات لبيع الأحذية الجلدية (الوردلة) المصنعة يدوياً.

ووجد مصنع قديم للزجاج الملون آخر السوق، وسوق الوراقين، ومحلات عدة لبيع المسك والعطور، إضافة إلى عدد من المحلات لبيع أدوات التسلية مثل طاولات الزهر والبرجيس والأركيل ومعداتها».

سوق الحميدية قديما

أما السيد "سلطان السبيني" صاحب محل شرقيات فأشار: «أعمل في هذا المتجر منذ أكثر من ثلاثين عاماً، وهي من أهم الحرف التي يقبل زوار السوق على شرائها».

وتابع بالقول: «يتفرع من السوق عدة شوارع توصل إلى الأسواق القديمة المجاورة لسوق الحميدية الذي يعد الشريان الرئيس لدمشق القديمة، مثل "سوق السروجية، سوق البزورية، سوق الصاغة، سوق العصرونية، سوق الحرير، سوق العرائس، سوق القباقبية، المناخلية، سوق الخياطين".

تم بناء هذا السوق على مرحلتين، المرحلة الأولى: بني قسمه الغربي الممتد بين باب النصر (عند المدخل الغربي لسوق الحميدية الحالي) وسوق العصرونية أيام الوالي محمد باشا العظم في عهد السلطان عبد الحميد الأول، وتم الانتهاء من التشييد (1780م) وعرفت هذه السوق باسم "السوق الجديدة".

والمرحلة الثانية: بني القسم الشرقي الممتد من سوق العصرونية والمسكية حتى باب البريد (بين سنتي 1883- 1884م) في ولاية الوالي راشد ناشد في عهد السلطان عبد الحميد الثاني.

وتم تجديد سوق الحميدية الممتد من باب الجامع الأموي الغربي إلى دائرة المشيرية (في الدرويشية) عام (1884م) حيث تم سقفه على طرز مدخل باب الجامع الأموي الغربي المسمى "زلحفة"، وقد استبدل الوالي "حسين ناظم باشا" السقف الخشبي وسقوف الأسواق الكبيرة في دمشق بسقوف من الحديد والتوتياء وقاية لها من الحرائق، ومن المحتمل أن يكون ذلك إبان فترة ولايته الأولى بين الأعوام (1895-1907م) لكونها أطول فترة ولاياته الثلاث».