يعد جامع "الحنابلة" من أهم المساجد الأيوبية وأقدمها في مدينة "دمشق" وأكثرها تميزاً من حيث التصميم الفريد وروعة البناء، حيث أنه يُعد نموذجاً لفن العمارة الأيوبية من حيث التخطيط والقواعد المعمارية والفنية.

وللتعرف أكثر على هذا الصرح المعماري والتاريخي العريق مدونة وطن "esyria" زارت الجامع والتقت السيد "ياسر الملك" أحد أبناء "حي الصالحية" القديمة وعن هذا الجامع العريق تحدث لنا بالقول: «يقع "جامع الحنابلة" خارج أسوار المدينة القديمة، عند السفح الشرقي لجبل قاسيون في منطقة الصالحية القديمة بحي "أبو جرش" في زقاق "الحنابلة" محاذياً لشارع الشيخ "عبد الغني النابلسي"».

يقع "جامع الحنابلة" خارج أسوار المدينة القديمة، عند السفح الشرقي لجبل قاسيون في منطقة الصالحية القديمة بحي "أبو جرش" في زقاق "الحنابلة" محاذياً لشارع الشيخ "عبد الغني النابلسي"

يواصل "الملك" حديثه: «لهذا الجامع التاريخ الكبير عدة أسماء منها "جامع الحنابلة" ويقال سمي بهذا الاسم لأن أبناء الشيخ "أحمد الحنبلي" هم الذين أسسوا بناءه، وكانوا على مذهب الإمام "أحمد بن حنبل" وكان وقفاً حنبلياً لذلك سمي بجامع الحنابلة، كما يعرف الجامع بالجامع "الصالحاني" نسبة لـ"أبي صالح الحنبلي" والذين ينتمون إليه "المقادسة" مؤسسو الجامع، وبـ"الجامع الجبل" لوقعه في جبل القاسيون ولأنه يعد من أكبر المساجد التاريخية القديمة حجماً وقيمة تاريخية وأثرية في هذه المنطقة الغنية بالأوابد التاريخية، وفضلاً عن تسميته بـ"جامع الصالحية" لوقوعه في "حي الصالحية" كما ذكرنا سابقاً، كما يعرف الجامع بـ"المظفري" نسبة إلى الأمير "المظفر أبو سعيد كوكبوري بن بكتكين"، زوج الأميرة "خاتون" شقيقة السلطان "صلاح الدين الأيوبي"».

مأذنة الجامع

الباحث التاريخي "أنس حسين"، عن تاريخ بناء الجامع وأهميته التاريخية والأثرية وعناصره المعمارية يقول: «يعد جامع "الحنابلة" أول جامع أيوبي في "دمشق" وأقدمهم بعد الجامع "الأموي"، وبذلك يكون من أهم الآثار الأيوبية في "دمشق"، تمت المباشرة ببنائه سنة "598هـ -1202م" من قبل الإمام "محمد بن أحمد بن قدامة القدسي" الذي هاجر من مدينة "القدس سنة" 550 هـ، وانتهى بناء المسجد في 17 رجب سنة 610هـ، وقد تعرض هذا الجامع لنكبات وحوادث كثيرة ومتوالية، ابتداءً من هجوم قازان سنة 699هـ، ثم هجمات التتار الوحشية التي انتهت سنة 803هـ، ثم كانت فتنة "جان بردي الغزالي" بعد موت السلطان "سليم الأول".

رمم الجامع في السبعينيات، ولا يزال يحافظ على مخطط بنائه القديم، وعلى معظم أقسامه الرئيسية، وهو واضح للعيان في نقوشه ويدل على أناقة وعراقة في صياغة الخشب المصنوع منه والمعشق والمتشابك بنقوش معقدة هندسياً ومشغولة على هيئة نباتات زهرية، والذي ينظر إليها من زقاق "الحنابلة" يراها قد توارت وحجبت بحكم التوسع والتطور العمراني حولها».

منبر جامع الحنابلة

يواصل "حسين" حديثه: «كان صحن الجامع المستطيل الشكل والموجود في الجهة الشمالية للبناء مع المنارة المبنية في الضلع الشمالي من الصحن، مفروش بالحجارة العادية، وتشبه تقسيماته تقسيمات وأجزاء صحن الجامع الأموي الكبير من حيث أروقة الصحن المحمولة على قناطر وكذلك النوافذ القوسية فوق القناطر بالإضافة إلى شكل ميضأة المسجد القديمة، مئذنة هي من آجر بطبقتين وتشبه إلى حد كبير مئذنة العروس بالأموي وعلى عتبة مدخل المئذنة كتابة على أنها عُمرت عام 610هجرية ـ 1223 ميلادية.

أما اليوم فقد تغيرت أرضية الجامع بسبب أعمال الترميم التي طرأت عليها فصارت مفروشة بالرخام الأبلقي البديع ذو الأشكال الهندسية المتداخلة، ويتوسط صحن الجامع بحرة "نافورة" مربعة الشكل مطوقة بعقد رخامي، وفي شرقي وغربي الصحن إيوانان كبيران مبنيان بطريقة هندسية في غاية الروعة الإبداع، وإلى جانبهما المنارة المربعة الجميلة المكتوب على بابها ما نصه: "بسم الله الرحمن الرحيم، /أمر بعمارة هذه المئذنة المباركة العبد الفقير إلى رحمة الله تعالى الملك العادل سيف الدنيا والدين كوكبوري بن علي بن بكتكين سنة تسع وتسعين وخمسمائة/"، للجامع باب شرقي، وقد كتب عليه ما نصه: "بسم الله الرحمن الرحيم /إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله و باليوم الآخر، هذا ما أمر بعمله تقرباً إلى الله تعالى وطلب ثوابه العبد الضعيف الفقير إلى رحمة الله والمعروف بذنوبه الراجي إمداد عفوه وتوبته "كوكبوري بن علي بن بكتكين صاحب أربيل" غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر بمحمد وآله بتولي الفقير إلى رحمة الله، محاسن بن سليمان القلانسي سنة 599 ولله الحمد والمنة وصلى الله على محمد و آله/"».

أحد الجدران الأثرية للجامع من الداخل

المهندس "مازن عبدوش"، وعن بناء "جامع الحنابلة" وتصميه الهندسي الفريد يقول: «يعد هذا الجامع ي من أوائل الجوامع الكبيرة التي بنيت بعد الجامع الأموي الكبير، وهذا الجامع من الآثار الأيوبية الضخمة التي مازالت قائمة بكل عناصرها الجمالية والهندسية إلى يومنا هذا، ويدل التصميم الفريد والنقوش الجميلة التي تتمتع بها بناء "جامع الحنابلة" على عظمة وروعة العمارة الإسلامية، فيدخل إلى حرم بيت الصلاة من باب خشبي كبير إلى يمينه بابان صغيران، وهناك نوافذ محيطة بالمدخل الرئيسي فوق الأبواب من جهة الحائط الشمالي والغني باللوحات المنحوتة الغنية بالزخارف الجصية الأنيقة على هيئة نباتات زهرية مرسومة بشكل فني وعليها رسومات داخل "القوصرة" وهي مثلث في أعلى واجهة المبنى، وقد انمحى معظمها ولم يبق منها الآن إلا ما على الباب الأيمن الثاني، سقف الجامع مصنوع من الخشب تغطيه طبقة من التبن والكلس، وهو محكم الصنع يقي المسجد ويحميه من العوامل الطبيعية المتعددة».

يواصل "عبدوش" حديثه فيقول: «والحرم نفسه مضاء من خلال نوافذ موضوعة داخل الحجارة الضخمة بشكل منظم متناسق الأبعاد مع أرضية المسجد، والجدار الجنوبي متآخي مع النوافذ التي تم دمجها من الزجاج المعشق والملون مع بعض من النوافذ العلوية ومضاءة من السقف الملتحم مع الجدار الجنوبي، والقبيلة قائمة تحت ثلاث جملونات خشبية مركبة على ثلاث مجموعات من العقود الحجرية مبني على شكل مثلث أو ضلعاه يستندان إلى مجموعتي العقود وتحتها خمس قناطر ومن أمامها خمس أخرى، وهي مقسومة إلى ثلاث أجنحة موازية لحائط القبلي، يقطعها مجاز قاطع منحرف قليلاً إلى الغرب، مدعمة بـرتل من الركائز الضخمة الحاملة للقناطر الحجرية المساندة والملتحمة مع الأعمدة الخشبية للسقف، ولها شباكان مزخرفان بشكل جميل يطلان على زقاق الحنابلة، وآخران إلى طريق المسكي، وأربعة جنوبية تطل على البيوت العربية القديمة في الحي.

وفي جدار القبلية سدة خشبية ذات زخارف بديعة و كذلك فوق الشباكين الشرقيين كوى بديعة الزخرفة من الزجاج. ويشبه هذا الجامع في بناءه وتصميه إلى حد كبير جامع "الأموي الكبير" في "دمشق"، فالمسجد يضم في تصميمه العام صحن وقاعة للصلاة على غرار الجامع الأموي، وللجامع جبهة حجرية غربية فيها الباب الغربي الكبير الذي يؤدي إلى صحن الجامع المربع الشكل الذي تتوسطه بركة ماء مربعة ونافورة وإيوانان يقوم كل منهما على خمس قناطر قديمة، وللمسجد باب آخر يواجه الباب الغربي».