عند زيارة مدينة "النبك" في منطقة "القلمون" فإن الوقوف أمام مبنى "السرايا" الذي يقع في أعلى نقاط البلدة القديمة، تشعر المشاهد بالمكانة التاريخية التي تمتعت بها هذه المدينة في وقت من الأوقات.

ولتقريب الصورة من النواحي التاريخية والمعمارية، التقت "مدونة وطن" "eSyria" الباحث التاريخي "مصطفى محمود" والذي تحدث بالقول: «يقع مبنى السرايا في البلدة القديمة لمدينة "النبك"، ودلت الأبحاث على أنه بني فوق برج روماني حيث استخدمت بعض حجارته في البناء، وجرى ترميمه في السنوات الأخيرة على عدة مراحل».

يقع مبنى السرايا في البلدة القديمة لمدينة "النبك"، ودلت الأبحاث على أنه بني فوق برج روماني حيث استخدمت بعض حجارته في البناء، وجرى ترميمه في السنوات الأخيرة على عدة مراحل

ويضيف السيد "محمود" بالقول: «استخدم مبنى السرايا مقراً للحكومة العثمانية في عهد "مدحت باشا"، وذلك في العام /1878/ حين تم فصل قضاء منطقة "القلمون" عن قضاء منطقة "دوما"، لتصبح مدينة "النبك" مركزاً للقضاء حيث بنيت فيها السرايا لهذا الغرض، وبقى المبنى مستخدماً كدار للحكومة في عهد الانتداب الفرنسي، حتى أخلي في ثمانينيات القرن الماضي».

مبنى السرايا من الداخل

ويصف "محمود" التصميم المعماري للمبنى بالقول: «يتشابه مبنى السرايا في "النبك" مع الأبنية المماثلة التي بنيت إبان الفترة العثمانية في "سورية وبلاد الشام"، حيث يتم اختيار الموقع المناسب من الناحيتين الجغرافية والاجتماعية، ويصمم المبنى على شكل مربع أبعاده /40/ × /40/ متر، ويتألف من طابقين يضمان عدة أجنحة حول باحة سماوية مربعة الشكل».

ويتابع حديثه بالقول: «يضم الطابق الأرضي أربعة أجنحة، وكل جناح يضم صفين من الغرف يتوسطهما رواقان صغيران يتصلان برواق المدخل الرئيسي للمبنى، فيما يتكون الطابق الأول من ثلاثة أجنحة أهمها الجناح الشمالي الذي يضم مقر "القائم مقام" حيث يضم صفاً واحداً من الغرف ذات المساحة الكبيرة المتصلة مع بعضها بممرات داخلية تناسب فصل الشتاء، ورواق خارجي واسع يناسب فصل الصيف».

المهندس نادر بحبوح

وعن المواد المستخدمة في البناء يقول: «كما ذكرت سابقاً فإن مبنى السرايا بني على أنقاض برج روماني قديم وتم استخدام بعض أحجاره في البناء، إضافة إلى استخدام الحجر المنحوت على كامل واجهات الأجنحة، وعلى إطارات الأبواب والنوافذ، كما جرى رصف المبنى بالبلاط التقليدي متعدد الزخارف والألوان، وهو ما أعطاه شكلاً مميزاً نتيجة استخدام الأقواس الدائرية والمنحنيات، أما اكساء الجدران فتم بالحجارة المنحوتة تتخللها الطينة العربية».

المهندس "نادر بحبوح" مدير المركز الثقافي في مدينة النبك أضاف بالقول: «مبنى السرايا من أبرز المعالم الأثرية والتاريخية في مدينة "النبك"، وهو معلم من معالمها بالنسبة لأهالي المنطقة، ونتيجة أهميته التاريخية سجل في عداد المباني الأثرية، وقامت المديرية العامة للآثار والمتاحف بترميم المبنى على عدة مراحل».

المبنى من الجهة الشمالية

ولا يقتصر دور "السرايا" على كونه أثراً يدل على تاريخ المدينة، إنما يتم توظيفه لأغراض أخرى، يذكر لنا المهندس "بحبوح" بعضها: «للتأكيد على القيمة التي يحتلها مبنى "السرايا"، قامت لجنة من مدينة "النبك" بتخصيص بعض الفراغات في المبنى بهدف عرض وثائق عن تاريخ المدينة ومنطقة "القلمون"، بالإضافة لعرض جزء من الموروث التقليدي والشعبي، والاستفادة منه من الناحية السياحية عبر مركز استعلام سياحي من أجل استقبال السياح، وتزويدهم بالمنشورات، وإعداد دراسة لإحياء بعض الحرف التقليدية ضمن المبنى لتشجيع زيارته».

وفيما يمثله مبنى "السرايا" لأهالي المنطقة، أشار المواطن "إبراهيم صوان" بالقول: «مبنى السرايا بالنسبة لأهالي مدينة "النبك" يشكل دليلاً على القيمة التاريخية والثقافية التي تمتعت بها المدينة عبر التاريخ، وهو رمز من رموزها، وعلامة يستدل بها، ورغم قلة الدراسات والوثائق حول تاريخه وأهميته، لكن أهالي المدينة يعرفون كل كبيرة وصغيرة عن مكوناتها نتيجة معلومات تتوارثها الأجيال».

يشار إلى أن مدينة "النبك" تقع شمال مدينة "دمشق" بحوالي /80/ كم، وهي من أكبر مدن منطقة "القلمون"، وتشتهر من الناحية التاريخية والأثرية بدير "مار موسى".