تمثل "التكية السليمية" في واقعها التاريخي بناء من أجمل الأبنية الأثرية في سورية، لكونها أحد المعالم السياحية الهامة التي كانت قديماً مكاناً لطلبة العلم، حيث تشكل بهندستها المعمارية أجمل الأبنية التاريخية من حيث القيمة والأهمية.

وللتعرف أكثر على هذا البناء الاجتماعي الأثري "eDamascus" وبتاريخ 4/4/2012 التقى السيد "أنس الحسين" أحد قاطني حي المدارس، وعن هذا البناء التاريخي يقول: «تقع "التكية السليمية" في منطقة "أبو جرش- حي الشيخ محي الدين" مقابل جامع "الشيخ محي الدين" الذي يرتبط به سياحياً وأثرياً، أنشأها السلطان "سليم الأول" سنة 924 هجري وجددها السلطان "سليمان القانوني" بعد احتراقها سنة 962 هجري، والتكية معروفة لدى العامة باسم مطعم السلطان "سليمان" نسبة إلى بانيها، حيث كان يأوي إليها طلبه العلم أو المقطوعون عن بلادهم، والتكية مبنية من الحجر وتتميز بالكتابات الأثرية المنقوشة على الحجر».

أتيت اليوم لأتعرف إلى هذا البناء الجميل ولأسمع ما قاله الباحث التاريخي عنه، وقد لفت انتباهي هذه الهندسة العمرانية المتميزة، وهذه الأناقة في إعادة إحياء مثل هذه الأماكن، ما يشجعني على الطلب من جميع أصدقائي وأهلي زيارة هذا المكان والتعرف عليه وعلى كل ما يحيط به

يواصل "الحسين" حديثه: «يتألف مبنى "التكية السليمية" من بهو واسع مستطيل يتفرع منه أبواب الغرف والقاعات الخاصة بالمستودعات والمؤونة والمطبخ، والمبنى مسقوف بقبتين كبيرتي الحجم وبيضويتين مصممتين بطريقة هندسية في غاية الإبداع، ويدخل التكية من خلال باب خشبي في الواجهة الجنوبية، ويتألف الباب من فتحة واسعة ذات قوس مخمس يتضمنها فتحة أصغر تعلوها عتبة على شكل قوس فارسي، وتعد "التكية السليمية" البناء الوحيد من هذا الطراز في سورية‏، لأنه يعتمد على عدة ميزات معمارية جعلته من الأبنية التاريخية والاجتماعية الهامة في بلاد الشام، وهو المحور الشكلي والهندسي الذي يختزل العمارة الإسلامية في أشكالها الأكثر رواجاً كالأقواس والقباب والباحة الداخلية والزخرفة الجميلة، ويعطي لهذه الأشكال وظائف خصوصية إسلامية نجد مرتكزاتها في فكر إسلامي موحد الجذور والمظاهر والمآرب وفي مناخ ديني واجتماعي مشترك».

الضريح الذي يقع خلف المدخل الرئيسي

كما التقينا الدكتور "غزوان ياغي" الباحث في شؤون العمارة والفنون الإسلامية، فقال: «لم تكن مباني "التكايا" في بداياتها تتميز بما وصلت إليه من فنون العمارة والتأسيس، فقد شيدت لتحقيق الأهداف المرجوة منها، وتوفير أماكن النوم المناسبة، وأماكن إعداد الطعام والخبز والطهو، إلا أنها ارتبطت بتطور فنون العمارة الإسلامية أيضاً، فأصبحت تعد من إنجازات السلاطين والحكام كمبنى متميز، ويعتبر بعضها معلماً سياحياً ومزاراً تهتم به المؤسسات السياحية مثل "التكية السليمية"».

وعن أهمية هذه التكية يقول "ياغي": «يعد مجمع "التكية السليمية" الذي أنشأه السلطان العثماني "سليم الأول" سنة 924 هـ، وجدده السلطان "سليمان القانوني" بعد احتراقه سنة 962 هـ، لوحة فنية تأخذ جمالها ورونقها من مجموعة أجزاء متراكبة بهندسة بديعة، تأخذ بلب الناظر وبصره، وكل جزء فيها يمثل فناً بحد ذاته، وخصوصاً القبتين، وهو بناء محدودب له شكل بيضة، ويطل منه نوافذ مزخرفة ومنقوشة في غاية الروعة والجمال، ويتم تهوية التكية من خلال هذه النوافذ، وتتمّيز عمارة "التكية السليمية" عن معظم الأبنية الأثرية الأخرى المصممة والمبنية في ذلك العهد بكونها لم تشيد كمبنى منفرد وحيد في فضاء المدينة، وإنما صممت أساساً لتكون "مجـمعـاً" من المباني العديدة ذات الوظائف المختلفة، وهـو جانب معماري وتخطيطي على قدر كبير من الأهمية، يعكس الرغبة لتأكيد طبيعة المباني ذات النفع العام وترسيخها في صميم النسيج التخطيطي للمدن الإسلامية، ومن هنا تبدو فرادة المعالجة التصميمية واستثـنائـيتهـا، مقارنـة بمـا كان سائداً ومتناولاً في الممارسة البنائـية في ذلك الوقت والعائـدة للثقافـات متنوعة».

باب أحد الغرف

ويواصل: «وعلى العموم فإن عمارة "التكية السليمية" تدل على نضج المعالجات التصميمية التي مارسها وابتدعها المعماريون السوريين، لإحراز أكبر قدر من الفضاءات الحّرة الفسيحة داخل الأحياء المسقفة، والعمل على انسـجام الشكل الخارجـي مع خصوصية المداخل الفضائية المحصورة، واعتبرت الأعمال البنائية والمعمارية التي أجراها السلطان "سليمان" أعمالاً ذات أهمية كبيرة في منجز العمارة الإسلامية، إذ مثلت هذه العمارة الإبداعية بحجمها البنائي ونوعية الأساليب التقنية المعتمدة فيها سابقة تخطيطية فريدة من نوعها، وهي بناء زخرفي مفعم بالأنـاقة والبهاء والسطوع، وأدى كل ذلك إلى رفع أهمية هذه التكية وتقييمها كحدث إبداعي يشترك باقتدار في تأسيس وإرساء المشهد التكويني العام لعمارة "التكية السليمية" في دمشق، والتكية يدخل إليها من باب خشبي صغير ومقوس من الأعلى، يصعد إلى التكية بدرج صغير، والباب مزين بالحجارة السوداء والبيضاء من أعلى القوس المخمس، وفي شمال الباب نافذة يقع خلفها ضريح قديم، احتفظ به عند بناء التكية. وعن يمين الباب سبيل مفتوح في الواجهة ويليه فرن التكية، وتتألف التكية من غرفتين واسعتين، يعلو سقف كل منهما قبة بيضوية الشكل في غاية الروعة والجمال والإبداع في العمارة والتصميم الهندسي، وبهما فتحات للإنارة، بالإضافة إلى ملحقات تستخدم لصنع الطعام ويوجد قبر مجهول على يمين الداخل والتكية مبنية من الحجر البديع، وتضم كتابات أثرية منقوشة على الحجر».

التقينا الزائر "محمد سلوم" وهو أستاذ تاريخ وأحد ساكني الحي حيث قال: «أتيت اليوم لأتعرف إلى هذا البناء الجميل ولأسمع ما قاله الباحث التاريخي عنه، وقد لفت انتباهي هذه الهندسة العمرانية المتميزة، وهذه الأناقة في إعادة إحياء مثل هذه الأماكن، ما يشجعني على الطلب من جميع أصدقائي وأهلي زيارة هذا المكان والتعرف عليه وعلى كل ما يحيط به».

القبة التكية