تزخر مدينة "يبرود" بالمغاور والكهوف التي تروي قصة حضارة موغلة في القدم، وهو ما رشحها لأن تكون واحدة من أقدم المناطق التي احتضنت سكن الإنسان الأول.

ويطلعنا د."جمال تموم"، الباحث التاريخي وأستاذ تاريخ الشرق الأدنى في "جامعة دمشق" على بعض من تفاصيل هذا التاريخ بقوله: «أكدت الدراسات التاريخية والمكتشفات الأثرية التي قامت بها بعثات وطنية وأجنبية خلال السنوات الماضية أن مدينة "يبرود" تعتبر أقدم سكن للإنسان في سورية والشرق عموماً، وهو ما يمكن الاطلاع عليه عبر المغاور والكهوف المنتشرة في أطراف المدينة، فضلاً عن شواهد تاريخية أخرى من لقى ومكتشفات مختلفة».

المصادفة هي من قادت عالم الآثار الألماني "ألفريد روست" إلى مدينة "يبرود" في العام 1930 على متن دراجة هوائية، وبعد اكتشافاته وأبحاثه التي أجراها في "يبرود"، زار وفد علمي من "جامعة كولومبيا" المدينة في العام 1964، إضافة إلى الأبحاث التي أجرتها البعثة اليابانية في عام 1987

ويبين د."تموم" في حديثه معنا: «المؤكد أن "يبرود" كانت موطناً للإنسان الحجري وهو ما أثبته علماء التاريخ، ووفرت الكهوف والمغاور أسباب البقاء لهذا الإنسان حيث تمكن من درء الأخطار، وتجنب الحيوانات المفترسة وعوامل الطبيعة القاسية، وهو ما أسهم في بناء حضارة لا تزال بعض معالمها قائمة حتى الآن، وأبرزها الأودية المنتشرة في المدينة ومنها واديا "اسكفتا والرسائل"، وهما من أقدم أودية العالم».

الدكتور جمال تموم.JPG

ودفع انتشار المغاور والكهوف عدداً كبيراً من الباحثين لزيارة مدينة "يبرود"، بهدف البحث عن تاريخ استيطان الإنسان في سورية والمنطقة عموماً، ويتحدث الأستاذ والباحث التاريخي "نوري عقيل" عن أولى هذه الزيارات بقوله: «المصادفة هي من قادت عالم الآثار الألماني "ألفريد روست" إلى مدينة "يبرود" في العام 1930 على متن دراجة هوائية، وبعد اكتشافاته وأبحاثه التي أجراها في "يبرود"، زار وفد علمي من "جامعة كولومبيا" المدينة في العام 1964، إضافة إلى الأبحاث التي أجرتها البعثة اليابانية في عام 1987».

وحول أبرز النتائج التي خرجت بها البعثات الأجنبية يقول: «خرجت البعثات الأثرية من "يبرود" باكتشافات مهمة أبرزها الملاجئ والكهوف في "وادي اسكفتا" والتي ثبت أنها كانت موطناً لإنسان العصور الحجرية القديمة منذ 300 ألف سنة، كما أثبتت المكتشفات الأثرية في هذا الوادي أن إنسان "يبرود" أقام واحدة من أعظم الحضارات الحجرية الصوانية في التاريخ البشري».

مدينة يبرود.jpg

ويضيف: «اكتشف في الطبقة السطحية لأودية "يبرود" ثلاثة ملاجئ صخرية تحتوي على أدواتٍ صوانية تعود إلى العصر "الموستيري"، وهي تتميز بنمط خاص من المقاحف ذات الحواف المتلاقية، والتشذيب المتدرج على شكل حراشف الأسماك، ودلت الأبحاث على وجود هذه الأدوات في مناطق أخرى من بلاد الشام، وهو ما يثبت أن اليبروديين في عصور ما قبل التاريخ انتشروا على منطقة واسعة، كما أسفرت أعمال التنقيب عن اكتشاف 25 حضارة حجرية متوضعة فوق بعضها أقدمها الحضارة الحجرية اليبرودية، وذلك على عمق 11 متراً تحت سطح أرض الكهوف والملاجئ، ويشير ذلك إلى أن المكان سكن من قبل جماعات بشرية مختلفة تتابعت عليه على امتداد العصر الانتقالي والعصر الذي تلاه».

وعن الأنشطة التي مارسها سكان "يبرود" قبل التاريخ يقول "عقيل": «مارس الإنسان الأول في هذه المنطقة أنشطة متعددة منها تصنيع الأسلحة، ودفن الموتى، وإيقاد النار التي ثبت أن إنسان "يبرود" كان من أوائل من استخدمها في حياته اليومية، وتعتبر الأدوات الحجرية الصوانية التي وجدها الباحثون من الآثار المادية المباشرة للعصور الحجرية، لأنها قاومت عوامل الاندثار ومنها "الفأس والمقحف والمكشط والمخرز "، وتميزت هذه الحضارة بصناعتها المتطورة بالمقارنة مع غيرها في مناطق العالم».

من اودية المدينة

وعثر في كهوف ومغاور "يبرود" على عظام وآثار قوائم حيوانية درسها الدكتور "بركنس" عام 1964، وهي تشير إلى وجود حياة بيئية متنوعة، حيث عثر على بقايا "للحصان، والكركدن، والوعل، والغزال، والدب الأسمر، والسلحفاة"، كما عُثر في هذه المغاور على فكين علويين لحيوان "وحيد القرن".

تجدر الإشارة إلى أن مدينة "يبرود" تقع شمال مدينة "دمشق" بحوالي \80\ كم، وهي معروفة بأنها تضم واحدة من أقدم الحضارات الإنسانية، وتشتهر بأوديتها وكهوفها التاريخية التي لا تزال قائمة إلى الآن وهي مقصد لزوار المدينة وقاطنيها.