من بين الأشياء الأولى التي تسرق نظرات الزائر للمسجد الأموي في دمشق قبة الخزنة، التي توجد داخل ساحته، فروعة تصميمها المعماري ورسومها الجميلة يجعلان منها تحفة فنية وتاريخية تدفع كثيرين للسؤال عن وظيفة هذه القبة داخل المسجد وتاريخها.

في حديثه لمدوّنة وطن يشير مدير المسجد الأموي "عصام سكر" إلى أنّ القبة كانت بمنزلة وزارة مالية المسلمين، فمنها كانت تدار أموال الدولة من جباية للضرائب والإيرادات، ومصاريف ومستحقات ورواتب العاملين والموظفين وفق سجلات ترصد حركة دخول المال وخروجه.

أما عن تاريخ إحداث القبة وفن بنائها، فيذكر الباحث والمعماري الدكتور عبد الرحمن حمزة النعسان أنّ "الفضل بن صالح بن علي العباس" هو الذي أنشأها عام 192 للهجرة، وذلك في الجهة الغربية من صحن المسجد على شكل مضلع ثماني الأضلاع محمول على ثمانية أعمدة ذات تيجان كورنثية، ولها باب من الجهة الجنوبية يُصعد إليه بالسلالم، أما الإكساء الخارجي لهذه القبة فقد كان في العهد العثماني، وحمل طراز بنيانهم ذي المداميك السوداء والبيضاء، وفي خمسينيات القرن التاسع عشر تشكل في الجامع الأموي فريق لصناعة الفسيفساء وجرى وضع بعض من الرّسوم المستوحاة مما هو موجود من رسوم فسيفساء المسجد القديمة، على جدران القبة، فكان بريق الفسيفساء فيها جديد، وليس بقدم بقية فسيفساء الجامع».

القبة

أول من تولى أمانة بيت مال المسلمين، والتي بدأت مع دخولهم "دمشق"، كان "سرجون النصراني" الذي حظي باحترام "أبا عبيدة بن الجراح" فهو من جانب وجيه "دمشق" الأول، ومن جانب آخر أسهم في حقن دماء الدّمشقيين بتسليم "دمشق" صلحاً، ويذكر الدكتور "جوزيف زيتون" أن "معاوية بن أبي سفيان"، وهو أول والي لـ"دمشق"، قام بتكليف "سرجون النصراني" مستشاراً مالياً وأمين بيت المال، وعندما أقام الخلافة الأموية، ونظراً لإخلاصه، فقد عيّنه أميناً لبيت مال المسلمين، ومن ثم تولاها ابنه ثم حفيده "منصور" وهو القديس "يوحنا الدمشقي"، ومن حينها جرى العرف غالباً بتولي مسيحيين وزارة المالية في الدّولة الإسلامية.

وجاء الدكتور "جوزيف" على ذكر ما كتبه "جرجي زيدان" الكاتب الشهير في تاريخ الاسلام، بأنه وأثناء مرور البارون "فون سودن" أستاذ اللاهوت في كلية "برلين" بـ"دمشق" في أواخر القرن التاسع عشر، التمس الأذن من والي "الشام" "ناظم باشا" الاطلاع على محتويات قبة الخزنة بما فيها من مخطوطات ووثائق، لكن الوالي اشترط للموافقة الحصول على الإذن من الباب العالي في "القسطنطينية" فتدخل الامبراطور الألماني لدى الباب العالي فصدر الأمر لوالي "دمشق" بفتح الخزنة، وتمّ فتحها بحضور الوالي وجمهرة من وجهاء "دمشق" ومهتمين كان منهم الشيخ "طاهر الجزائري" مسؤول دار الكتب الظاهرية والبعثة الألمانية المرافقة من معهد الاستشراق الألماني ودبلوماسيون وقناصل…

الأعمدة ذات التيجان الكورنثية الحملة لبيت مال المسلمين

وكان في الخزنة رقوقٌ كثيرة من جلد الغزال ومن الورق كُتبت عليها مخطوطات كانت في معظمها تتناول الإيمان المسيحي واللاهوت وميامر وأناشيد روحية، باللغات اليونانية والسريانية والعبرانية واللاتينية والساحورية (بيت ساحور بجانب بيت لحم) مع رقوق أخرى عربية كُتبت بالخط الكوفي”.

الباحث والمعماري المستشار الدكتور عبد الرحمن حمزة النعسان