داخل "التكية السليمانية" في قلب العاصمة يشعر الزائر وكأنه في قلب التاريخ، يختص سوق المهن اليدوية بكل ما هو فن راق عتيق كالفسيفساء والسجاد والصدف والفضة والنحاس، عشرات الحرفيين توارثوا كاراتهم أباً عن جد.

مدونة وطن "eSyria" قامت بجولة في أرجاء السوق بتاريخ 10 آذار 2015، والتقت السيدة "كفاح موازيني" التي قالت عن سبب وجودها فيه: «أرغب دوماً في تزيين بيتي بالتحف والشرقيات، وأقصد لذلك سوق المهن اليدوية هذا، ففيه أجد ما يرضيني ويحقق غايتي، فالحرفيون العاملون فيه على درجة كبيرة من الخبرة والإتقان، تتميز بضائعهم بتنوعها وغناها، إضافة إلى أن الأسعار مقبولة نوعاً ما، ومعظم الأحيان تكون أرخص من مثيلاتها في الأسواق والمحال العادية خارج السوق، إضافة إلى أن سوق المهن اليدوية يحوي بضائع حصرية ليست متواجدة إلا فيه».

عُرفت "دمشق" في معظم عصورها بأنها مدينة الحرف ومهد الفنون كلها، ويعود توفيقها في صناعاتها إلى وفرة المواد الأولية المستخرجة من جنباتها، وكل صنعة لها خصوصيتها

الحرفي "يحيى ناعمة"، الذي ورث مهنة تصديف الخشب؛ في محله بسوق "التكية" قال عن مهنته: «تصديف الخشب إحدى الحرف الدمشقية القديمة التي ما تزال تلقى رواجاً في السوق من قبل المولعين بالجمال والأصالة، ويعد الحفر على الخشب وتصديفه من أقدم الفنون الجميلة حيث تتحول القطعة الخشبية إلى تحفة فنية بأيدي الحرفي الدمشقي، وقد زين الأقدمون الأبنية المختلفة بالأجزاء الخشبية المصدفة، كمنابر المساجد، والصناديق وحوامل المصاحف، وصناديق الملابس، والخزائن، والكراسي، فاستخدموا لذلك رسومات هندسية جميلة».

هاني العشي رئيس لجنة السوق

السيد "هاني العشي" رئيس لجنة سوق المهن اليدوية بالتكية السليمانية وصاحب أحد المحال، قال: «يزيد عدد المحال في السوق على الستين محلاً، يعمل أصحابها في مختلف المهن اليدوية القديمة، التي تشمل "الفضيات، العاديات، الحلي البدوية، القيشاني والفسيفساء، الصياغة الذهبية، الحفر على الخشب، الموزاييك، الصدف، السجاد، البسط، البروكار، المطرزات الشرقية، الجبصين، الفن التشكيلي، الزجاج المعشق، معمل للزجاج، الجلديات، القش، العود الشرقي"».

وأضاف السيد "العشي": «يعمل السوق للحفاظ على المهن التراثية التي اشتهرت بها "دمشق"، ومعظم المحال المتواجدة في السوق تمتلك ورشات خاصة بها خارج "التكية السليمانية" نظراً لصغر مساحة التكية، وتعد مهن السوق مهناً توارثها الأبناء عن الآباء والأجداد، ففي السوق بإمكان أي شخص أن يراقب كيف يصنع الفخار والسيراميك والخزف، ويشاهد براعة الحرفي الدمشقي برسمه وزخرفته على الدهان العجمي».

البسط اليدوية

الباحث "محمد الفياض" المختص بالمهن اليدوية الدمشقية قال: «عُرفت "دمشق" في معظم عصورها بأنها مدينة الحرف ومهد الفنون كلها، ويعود توفيقها في صناعاتها إلى وفرة المواد الأولية المستخرجة من جنباتها، وكل صنعة لها خصوصيتها».

ويضيف: «حرصاً من الدولة على ربط الأماكن السياحية بالحرف التقليدية؛ افتتحت وزارة السياحة عام 1971م سوق المهن اليدوية، فقد خصصت القسم الثاني من "التكية السليمانية"؛ التي أسست عام 1554م، والتي تتألف من باحة تحيط بها أروقة، إلى محال أصبحت في النهاية "سوق المهن اليدوية" من ذاك السوق يمكن لأي شخص التجول في رحلة ممتعة مفعمة بحكايات الشرق الممتدة عميقاً في تاريخ الحضارات».

صناعة السيف الدمشقي

الحرفي "إبراهيم الأيوبي" في سوق المهن اليدوية يعمل بالنول يقول: «تشير الكتابات الآثارية القديمة إلى أن السوريين هم سادة صناعة النسيج منذ 4000 سنة ق.م، تميزت "دمشق" بحياكة النسيج منذ ما يزيد على خمسة قرون، وتميز النول الدمشقي ببصمة فنية خاصة أعطته هويته الشخصية، وعليه فإن حرفة النسج على النول حرفة يدوية بحتة، حيث إن أداة النول الخشبية التي تغزل نسيجها الطبيعي بواسطة أيدي حرفييها يحتاج العمل عليها إلى صبر طويل وطاقة كبيرة».

أما الحرفي "أحمد تقي" العامل في مجال الفضة فيقول: «تعد صياغة الفضة بتشكيلاتها التقليدية جزءاً من الأصالة السورية وموروثها الشعبي، وتعد من أقدم المهن اليدوية في "سورية"؛ التي تعود إلى أيام الرومان، وتعرف الفضة الدمشقية وخاصة الشرقية منها بجاذبيتها وجمالها؛ حيث يتم تطعيم معدن الفضة برسوم ونقوش غاية في الإتقان والإبداع؛ وهو ما يجعلها تحفة فنية معلقة بأيدي وأعناق مرتاديها».‏

يذكر أن "التكية" تقع على الضفة اليمنى لنهر بردى شرقي المتحف الوطني بدمشق، وأنجزت في عهد السلطان العثماني "سليمان القانوني" الذي شيدها عام 1554م مكان قصر الملك الظاهر بيبرس، وكان يدعى قصر "الأبلق".