يتوسط سوق "الشيخ مجاهد" حي "العقيبة"، تنوع بضائعه ورخص أسعارها وغناه بالأوابد الأثرية جعله مقصداً لسكان "دمشق" للتسوق وللاستمتاع بآثار المنطقة التي تعود إلى أكثر من سبعمئة عام.

مدونة وطن "eSyria" زارت السوق بتاريخ 15 كانون الثاني 2015 وتجولت فيه، ليكون اللقاء الأول مع السيد "عبد الرحيم الطحان"، وهو من أقدم تجار الحي ويملك محلاً لبيع اللحوم يعود لأكثر من مئة عام؛ يقول: «يعد من أقدم أسواق "دمشق" لكونه يقع ضمن سور المدينة القديمة ويحوي أكثر من مئة محل، معظمهم يعملون بتجارة اللحوم والخضراوات والحلويات، إضافة لوجود بعض المهن مثل الحدادة والنجارة، ويمكن القول إنه سوق يلبي احتياجات المنزل اليومية، يقصده الناس من كافة أنحاء مدينة "دمشق" وأحياناً من خارجها؛ خصوصاً من أصحاب الدخل المحدود للتسوق نظراً لتوافر المواد ورخص أسعارها مقارنة مع أسعار الأسواق الأخرى».

إن السوق مثالي لتسويق بضاعته لكونه قريباً من المطاعم والأفران التي تكثر في الحي والأحياء المجاورة، كما أنه من القليلين الذين يعملون في هذا المجال

ويتابع "الطحان" قائلاً: «نحن كتجار في السوق معظمنا مستثمرون من خارج الحي تجمعنا علاقات جيدة، وما زلنا نحافظ على أخلاق المهنة في تعاملنا اليومي،

عبد الرحيم الطحان

كما يشهد السوق ازدحاماً وخصوصاً في فترة الذروة وعودة العمال والموظفين، إذ تكثر "البسطات" والباعة المتجولين.

وهنا ترى الفروق الكبيرة في الأسعار لتناسب بذلك كل المستويات المعيشية.

سوق الخضار

كما يمكنني القول إنه على الرغم من غلبة الجانب التجاري على الحي، إلا أنه يمكننا اعتباره

حياً سكنياً، ففوق أو وراء كل محل تجاري منزل تسكنه أكثر من عائلة، ومعظمها بيوت أثرية لا يسمح بترميمها أو إضافة التعديلات إليها لكونها مدرجة ضمن مدينة "دمشق القديمة"».

سامر الكمشة

وأثناء تجوالنا التقينا السيدة "زائدة سحلول" مدرسة لغة إنكليزية من سكان الحي، حيث قالت: «بما أنني سيدة عاملة وربة منزل؛ فالمسؤوليات المترتبة عليَّ كبيرة جداً، ولا وقت لدي للبحث عن مصادر تسوق رخيصة، فأرى في هذا السوق المكان المناسب لكونه قريباً من مكان عملي وسكني للحصول على حاجيات منزلي اليومية من خضار وفواكه ولحوم وخبز وبالسعر المناسب؛ وهو ما وفر علي الكثير من المتاعب لتأمين متطلباتي بأقل وقت وجهد ممكن».

ولكونها من أهالي الحي تابعت "سحلول" قائلة: «يسود التعاون والمحبة أرجاء السوق وبين قاطني المكان، بسبب الروابط العائلية التي تجمع تجاره، فهناك عادات وتقاليد ما زالوا يحافظون عليها في تجارتهم ومناسباتهم العامة».

كما التقينا السيد "برهان كناني" الذي يعمل في مهنة الحدادة، فحدثنا قائلاً: «تعد "الحدادة" من المهن الحديثة التي دخلت إلى السوق إذا ما قارناها مع تاريخ السوق الذي يعود إلى مئات السنين، كما يعد سوق الحدادة هذا الوحيد في مدينة "دمشق"، يقصده الناس من كافة أنحاء المدينة وأحياناً من المحافظات الأخرى؛ حيث نقوم بصنع خزانات المياه والمازوت وسخانات الحمام، كما قمنا مؤخراً بصناعة خزانات الطاقة الشمسية، ويمثل سوق "الشيخ مجاهد" بداية سوق "الحدادين" باتجاه جادة "ستي زيتونة" إلى شارع "الملك فيصل"، ومعظم شاغلي المحال هم من خارج الحي؛ لكنني أرى فيه المكان المناسب لممارسة عملي لكونه يتوسط المدينة، ويتميز بسهولة الوصول إليه من قبل الزبائن».

"سامر الكمشة" أحد النجارين المتخصصين بصناعة الأدوات التي يستخدمها أصحاب المطاعم والأفران، و"العصي" التي تستخدم "للرفش والمعول"، يقول: «إن السوق مثالي لتسويق بضاعته لكونه قريباً من المطاعم والأفران التي تكثر في الحي والأحياء المجاورة، كما أنه من القليلين الذين يعملون في هذا المجال».

"فاطمة" سيدة تقصد السوق للحصول على حاجياتها اليومية، وعن سبب اختيارها له حدثتنا قائلة: «منذ الصغر أقطن الحي وأعرف كل المناطق المجاورة له، وبصراحة قصدت أكثر من سوق للحصول على حاجياتي، ولكن في كل مرة كنت أعود إليه لأنني أستطيع الحصول على كل ما يلزمني كربة منزل بأقل وقت وجهد، إضافة إلى أن الأسعار هنا مناسبة للجميع والسلع متنوعة من خضار وفواكه ولحوم ووجبات جاهزة، كما يحوي عدداً من المدارس التي وفرت على أبنائنا الوقت وخطر عبور الشوارع المكتظة بالسيارات مثل مدرسة "المثنى بن حارثة"، ومدرسة "ابن النديم"؛ وهما من البيوت القديمة التي تم تحويلها إلى مدارس بعد إجراء عملية ترميم عليها».

وعن تاريخ السوق وأهم التطورات التي دخلت إليه التقينا السيد "محمد غسان المسرابي"؛ وهو عضو في لجنة الحي كما يعمل في مجال الخياطة، حيث قال: «يعد سوق "الشيخ مجاهد" من أهم وأقدم أسواق مدينة "دمشق" دخلت إليه الكثير من التغيرات شملت المهن التي يعمل بها أصحاب المحال التجارية؛ حيث كانت "النجارة والخياطة والتنجيد" من أكثر المهن التي يعمل بها أهالي الحي، كما كان يحوي سوق "هال" تم نقله إلى "الزبلطاني" مع الإبقاء على سوق صغير يلبي حاجة الأهالي من الخضار والفواكه، ولكن بسبب تغير متطلبات الحياة اليومية والأولويات تم تحويل معظم المحال لبيع اللحوم والخضار والحلويات والسمانة، كما يتميز السوق ببعض الأكلات الشعبية التي ينفرد بها ويقصده الناس من كافة الأحياء لتناولها مثل أكلة "الحبوبية، والسحلب، والعوامة" حيث تبقى المحال مفتوحة إلى ساعة متأخرة خصوصاً في شهر رمضان المبارك، وجاءت تسميته نسبة للشيخ الجليل الذي سكن الحي منذ مئات السنين؛ حيث مات ودفن، كما يحوي العديد من المعالم الأثرية مثل: جامع "التوبة"، ومنزل "خالد بيك العضم"، ومنزل "عبد الرحمن اليوسف"، التي تم تحويل بعضها كمركز لمديرية الآثار وبعضها الآخر قامت المحافظة بوضع يدها عليها لإعادة ترميمها، كما يمتد السوق من جامع "التوبة" حتى ساحة المحافظة يقسمه جسر "الثورة" لتسمى المنطقة ما بعد الجسر "ساروجا"، كما يتفرع عنه جادات كثيرة منها: "ستي زيتونة"، جادة "النوفرة"، وجادة "ما تحت المئذنة"، ويعد السوق سياحياً بامتياز، يقصده الناس من داخل "دمشق" وخارجها».