سمي سوق "مدحت باشا" بالمستقيم لدقة تصميمه ويصل عمره إلى مئات السنين، ما زال يحافظ على تألقه وتاريخه وزواره الذين اعتادوه رمزاً للعراقة والأصالة.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 22 كانون الثاني 2015، "أيمن العلاوي" وهو أحد تجارالقطن في سوق "مدحت باشا"؛ الذي حدثنا عن السوق بالقول: ‹‹أنا من التجار المتواجدين في هذا السوق منذ سنوات طويلة، أو كما يقال "أباً عن جد" بمهنة القطن، وهو من أقدم الأسواق الدمشقية التي تقع ضمن السور، وهو موازٍ لسوق "الحميدية" ويخترق "دمشق" القديمة ليصل بين "باب الجابية" غرباً و"باب شرقي" شرقاً، وتفرعاته المنتشرة على طوله تأخذك إلى تاريخ لا ينضب كزقاق "البرغل" الذي يشتهر ببيع الألبسة الجاهزة و"الشاغور الجواني" و"الشاغور البراني"، ولا يخلو من الحارات التي تؤدي إلى "سوق الحميدية"، ويتفرع منه أيضاً عدة أسواق مثل: "سوق البزورية" الذي يتخصص ببيع الأعشاب والتوابل والشموع، و"سوق الحرير" الذي يسمى "سوق تفضلي يا ست" ويحوي كل ما تحتاجه النساء من لوازم كالعطور والألبسة، و"سوق الخياطين" الذي يشتهر ببيع كافة مستلزمات الخياطة ابتداءً من الخيوط الحريرية والصوفية وانتهاءً بالإبر والدبابيس››.

ويضيف: ‹‹كذلك ترى المحال التي تحمل الطراز الدمشقي على جهتي السوق وفيها مختلف المنتجات النسيجية كالأقمشة الحريرية والمفارش والعباءات، وكانت هناك محال للحلويات، كما تتواجد فيه معالم أثرية بارزة مثل "قصر النعسان" الذي يصنف البناء الثاني من حيث المساحة بعد "قصر العظم"؛ ويعود بناؤه إلى أواخر القرن الثامن عشر، ويجذبك إليه الفن المعماري والزخارف البديعة المتقنة التي تزين جدرانه والتي تكاد تروي للزائرين قصة ماضٍ عريق، وأيضاً يوجد "مكتب عنبر" وهو بيت دمشقي أثري مستطيل الشكل وتبلغ مساحته 5 ألاف متر مربع؛ وله أربعة أقسام و40 غرفة، وهو الآن متحف يؤمه ألاف الزائرين الذين يرغبون بالتعرف إلى التاريخ الأصيل، وكما قال الأستاذ "فخري البارودي" في مذكراته: "كان مكتب عنبر المدرسة الإعدادية الوحيدة في دمشق، ويتراوح عدد طلابها بين 500 و600 طالب في النهار، يتعلم الطلاب مجاناً، أما في الليل فيدفعون أجرة الطعام والنوم، كما توجد أيضاً "مئذنة الشحم" التي تعود للفترة البيزنطية، ويوجد جامع الحبوبي أيضاً، وفي نهاية السوق توجد "كنيسة حنانيا" التي تتميز بنقوشها المعمارية المتداخلة، والتي تعود أيضاً للفترة البيزنطية، وقد عرف "سوق مدحت باشا" باسم "أبيا" أو الشارع المستقيم أو الطويل زمن الرومان، وفي عام 1878م أصبح اسمه "سوق مدحت باشا" بعد أن قام الوالي "مدحت باشا" بتوسيعه وتحديثه، ويبلغ طوله نحو 1600 متر تقريباً، وهو من أكبر الأسواق بالنسبة لتجارة المنسوجات وبيع القطن، والصناعات التقليدية كالموزاييك والصدف››.

مدخل السوق

وكان لنا حديث مع السيدة "سمر الإدلبي" إحدى مرتادي السوق، فقالت: ‹‹أنا اعتدت التسوق من "مدحت باشا" منذ صغري، إذ كنت أرتاده مع والدتي، فأنا أجد فيه كل ما أحتاجه من الأقمشة والمصنوعات اليدوية المميزة، ولا سيما أنها تباع بالجملة والمفرق، وهذا السوق التاريخي العريق يجسد حكايات عن "دمشق" وحضارتها وهو يستقطب ألاف الزائرين يومياً لرخص أسعاره مقارنة مع الأسواق الأخرى، ويتميز بشعبيته فمعظم شرائح المجتمع تتسوق منه وعند دخولك إليه تلاحظ العراقة والأصالة والعبق الدمشقي المستمر››.

ومن التجار الذين ما زالوا ضمن السوق منذ سنوات "آل علاوي، دركل، ولبابيدي".

الازدحام ضمن السوق
أيمن العلاوي