تحفل "دمشق" بعدد وافر من المدافن التي تضم رفاة نخبة من الرجال وعلى رأسهم الصحابة والزهاد والملوك والأمراء، وسواهم من المشاهير الذين كان لهم شأن في تاريخ "دمشق"...

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 16 آذار 2014 الباحث التاريخي "عقبة معن" الذي تحدث عن هؤلاء العظماء ويقول: «كثيرون هم القادة والولاة الذين عاشوا في "دمشق" ودفنوا في ثراها، وكان لأكثرهم بطولات وأعمال جلية يستحقون معها أن تحفظ الأجيال ذكراهم، فعرفت المنطقة كثيراً من الشخصيات التاريخية وضمت رفاة عظماء وشهداء أقيمت لبعضهم المدافن اللائقة التي تخلدهم، فتألقت بهم "دمشق" وغدت مركز إشعاع لسائر العالم العربي والإسلامي بما نالته من نهضة وعزة وحياة كريمة».

كثيرون هم القادة والولاة الذين عاشوا في "دمشق" ودفنوا في ثراها، وكان لأكثرهم بطولات وأعمال جلية يستحقون معها أن تحفظ الأجيال ذكراهم، فعرفت المنطقة كثيراً من الشخصيات التاريخية وضمت رفاة عظماء وشهداء أقيمت لبعضهم المدافن اللائقة التي تخلدهم، فتألقت بهم "دمشق" وغدت مركز إشعاع لسائر العالم العربي والإسلامي بما نالته من نهضة وعزة وحياة كريمة

وعن مدافن الملوك والسلاطين في "دمشق" يتحدث الباحث "خالد معاذ" ويقول: «دفن في "دمشق" الكثيرون من الملوك والأمراء والقادة والعلماء والصحابة ورجال الدين والرسل والمبشرين والفقهاء والأدباء والشعراء، والكثيرون ممن صنعوا التاريخ عاشوا فيها من العصور القديمة وحتى العصر الإسلامي، ويتواجد في "دمشق" وريفها مدافن عدد كبير من الصحابة والأولياء والعظماء وآل البيت والملوك والسلاطين، وحرص أغلب الملوك على تشييد تربهم في حياتهم وتباروا في جعلها أماكن نزهة لا تخلو من الروعة والوقار تنشرح لها الصدور وتنبسط لها السرائر، فغدت تلك الترب مراكز اجتماعية عامة يقصدها الغريب والقريب ويلتقي فيها الفقير والغني ويتذاكر فيها العلماء ويتدارس طلاب العلم، وزادها ما اشتملت عليه من الكتب القيمة والمؤلفات النادرة لتتحول تلك المدافن، ولا سيَّما قبور آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى مزارات».

قبر صلاح الدين الأيوبي

ويضيف: «ففي منطقة "السيدة زينب" في "ريف دمشق" يوجد مقام السَّيدة "زينب" رضي الله عنها ابنة سيدنا "علي بن أبي طالب" كرم الله وجهه، وبالقرب من الجامع الأموي في "دمشق" القديمة حيث الأزقة الضيقة تقود الخطى إلى ضريح واحدة من نساء المسلمين كان لها تاريخ طويل في الفراسة والشهرة، إنها السيدة "رقية" ابنة الإمام "علي بن أبي طالب" كرّم الله وجهه، ويقع الضريح في منطقة "الفراديس" في "حي العمارة" ليصبح بعد تجديده تحفة فنية، وداخل الضريح بطنت القبة بالمرايا الكريستالية، والثريات تتدلى على رؤوس الزائرين عاكسة فخامة العواطف نحو هذه السيدة وعائلتها المباركة، كما أن مقام السيدة "سكينة" ابنة "الحسين بن عليّ" رضي الله عنها في مقبرة "الباب الصغير" في "دمشق"، كما يوجد مقام أم المؤمنين السيدة "أم حبيبة" "رملة" ابنة "أبي سفيان" رضي الله عنها زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي مقبرة "الباب الصغير" أيضاً قبر "بلال بن رباح" مؤذن الرسول الكريم، الذي مات في "دمشق"».

ويشير أستاذ التاريخ "عدنان البدري" بالقول: «تتمتع "دمشق" بموقع جغرافي لا بد لها من أن تكون مهباً لتيارات شتى تأتيها من كل جانب، ما دامت عقدة المواصلات وملتقى للقوافل الذاهبة والآتية وبخاصة طريق الحج، فقد كان هؤلاء الحجاج يقيمون في "دمشق" ردحاً من الزمن يباشرن خلاله حرفهم التي حملوها من ديارهم البعيدة من كل فن غريب وصفة نادرة، وكان يتلقفها الصناع السوريون فيحسنونها ويطورونها ويدخلون إليها بحسب مواهبهم فنوناً جديدة، وهذا ما حصل من تأثرها بالحضارات الأخرى».

ضريح الملك الظاهر بيبرس في المدرسة الظاهرية

ويضيف: «دفن في "دمشق" وريفها عدد من الخلفاء الأمويين منهم الصحابي "معاوية بن أبي سفيان" مؤسِّس الدولة الأموية ودُفن في مقبرة "الباب الصغير"، كما توجد في المقبرة قبور الخلفاء الأمويين "مروان بن الحكم"، و"عبد الملك بن مروان"، و"الوليد بن عبد الملك"، إضافة إلى مدافن العديد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل قبر الصحابي "أسامة بن زيد" في حيّ "المزَّة"، وقبر الصحابي "أبو الدرداء الخزرجي الأنصاري" في مقبرة "سيدي صهيب الرومي" في حيّ "الميدان"، وقبر الصحابي "زيد بن ثابت الأنصاري" في حيّ "باب السريجة"، كما دفِن في "دمشق" طبقات من كبار العلماء والفقهاء مثل: "أبو القاسم" الملقب بـ"ابن عساكر" المدفون في مقبرة "الباب الصغير"، وفي شرق المقبرة دفِن المعلم الثاني والفيلسوف الكبير "أبو نصر الفارابي" الذي صلَّى عليه يوم وفاته القائد العظيم "سيف الدولة الحمداني". كما دفِن في "دمشق" العلامة "ابن تيمية"، وعدد من المؤرخين والعلماء منهم: "ابن الجوزي"، و"العماد الأصفهاني"، و"ابن خِلِّكان"، و"السّبكي"».

ويتابع: «تضم قبور "دمشق" عدداً كبيراً من السلاطين والأمراء السلاجقة والأيوبيين، أبرزهم الأمير "معين الدين" الذي صدَّ الصليبيِّين عن "دمشق"، والسلطان "نور الدين محمود بن زنكي" وقبره في مدرسة "نور الدين"، والسلطان الملك "صلاح الدين الأيوبي" محرِّر القدس وهازم الصليبيين وقبره في المدرسة "العزيزية" شمال المسجد "الأموي الكبير"، و"الملك العادل" وقبره في المدرسة "العادلية"، والملك "الظاهر بيبرس" وقبره في المدرسة "الظاهريَّة"، وإلى جانبه دفن ابنه الملك "السعيد"، أما السلطان "الناصر فرج بن برقوق" فقد دفن في مقبرة "الباب الصغير"، والسلطان "وحيد الدين بن عبد المجيد العثماني" دفن في حديقة "التكيَّة السليمانية"، وغيرهم من عظماء وقادة الإسلام».

الباحث عقبة معن

ويختم الباحث "خالد معاذ" بالقول في مجلة "الحوليات" الأثرية: «تحمل تلك الأضرحة والمدافن قيمة تاريخية متمثلة بمن دفن فيها وقيمة معمارية متمثلة بالطراز والمدرسة "الهندسية" التي أنشئ البناء من خلالها، فتشييد الأبنية على الأضرحة ليست دخيلة أو طارئة على "سورية" بل هي قديمة ومألوفة منذ زمن بعيد ولا يقتصر بناؤها على العهد الإسلامي فحسب بل يتعداه إلى عدة قرون قبل الإسلام، فإذا نظرنا إلى هندسة الترب وتتبع تطورها خلال الأدوار التاريخية نجد أن أسلوبها لم يتغير؛ ما يدل على أن هذا الأسلوب لم يظهر فجأة أو ليس وليد قرن واحد».