يشكل "قصر العظم" نموذجاً للبناء الدمشقي القديم بحجارته الملوّنة والنّاعمة، وأقسامه المؤلفة من: "الحرملك"، و"السلملك"، و"الخدملك"، وقاعاته وحدائقه الدّاخلية ونوافير الماء، لتعيد من مرّ أو زار "قصر العظم" إلى ما قبل ثلاثة قرون من الزّمن...

مدوّنة وطن "eSyria" التقت، بتاريخ 5 شباط 2014، الشاب "أوس قيصر" من سكان "دمشق"؛ الذي تحدث عن البيت الدمشقي بشكل عام بعدما وصف روعته بالقول: «على اعتبار أن المرأة قديماً كانت ممنوعة من الخروج أمام الغرباء في المنزل، فتم تقسيم البيت الدمشقي إلى قسمين: الأول "البراني" أو ما يسمى "السلملك" مخصص لاستقبال الضيوف، والثاني "الجواني" أو ما يسمى "الحرملك" مخصص للعائلة والنساء».

على اعتبار أن المرأة قديماً كانت ممنوعة من الخروج أمام الغرباء في المنزل، فتم تقسيم البيت الدمشقي إلى قسمين: الأول "البراني" أو ما يسمى "السلملك" مخصص لاستقبال الضيوف، والثاني "الجواني" أو ما يسمى "الحرملك" مخصص للعائلة والنساء

أمين قصر العظم "ميساء إبراهيم" أكدت على وجود هذا التقسيم في "قصر العظم"، وقالت: «من المعروف أن القصر مقسوم إلى "حرملك" وهو المكان المخصص لنساء العائلة، و"سلملك" وهو المكان المخصص للأعمال ولاستقبال العامة والخاصة من وكلاء رب البيت وضيوفه، إضافة إلى "الخدملك" وهو الركن المخصص للخدم والحمام، وكل قسم منهم متصل بفناءات وبحرات وحدائق، ويعدّ هذا البناء من أهمّ المباني التّاريخيّة الضّخمة الموجودة في مدينة "دمشق" القديمة، وهو واحد من أفضل نماذج العمارة المبكرة للبيوت الدّمشقية الكبيرة، فقد اختار "أسعد باشا العظم" موقع القصر بعناية فائقة، ليجسد المكانة والقوة السياسية والاجتماعية الّتي تمتاز بها عائلة "العظم" في "سورية" العظمى خلال العصر العثماني».

تاريخ بناء قصر العظم

وأضافت: «خصص "الحرملك" لعائلة الباشا ولاستقبال ضيوف نساء المنزل من الطبقة الراقية، وهو يشغل القسم الأكبر من مساحة القصر، وتكون غالباً المساحة الأكبر في أي بيت دمشقي، وحول فنائه الواسع تتوزع القاعات والغرف والإيوان الكبير الذي يعد شبه غرفة مفتوحة على ساحة البيت، وتمتد أمامه بركة ماء كبيرة، وتحيط بها أشجار باسقة للزينة وأشجار حمضيات متنوعة، إضافة إلى عرائش الياسمين الدمشقي التي تزين واجهات الغرف، والقاعات بمداميك ملونة مغطاة بزخارف هندسية دقيقة، فيما غطيت السقوف بالأخشاب الملونة، وتضم بعض أقسام "الحرملك" طابقين؛ إذ يستخدم الطابق الثاني منهما للنوم في الشتاء حيث تساعد حرارة الشمس المختزنة إلى جانب منقل الفحم والمدفأة في التخلص من برد الشتاء القارس».

وتشير إلى أنه على إحدى اللوحات المُعلقّة على جدران "قصر العظم" كتب ما يلي: «كان يعطي "الحرملك" للباشا إحساساً بالهدوء والملاذ الآمن، إذ يستطيع من خلال مرح حياة العائلة أن ينسى هموم الأعمال السياسية الخاصة بحكم إقليم "دمشق" ومحيطها خلال فترة الحكم العثماني، وهكذا صمم "الحرملك" ليخلق ويعزز الإحساس بمحيط آمن من خلال الزخارف المتناغمة والمياه المتدفقة والحدائق الملأى بالأشجار والنباتات العطرية الفواحة والأضواء والمساحات المخصصة للاسترخاء، إضافة إلى نشاطات العائلة المختلفة».

جانب من داخل القصر

للقصر بوابة تؤدي إلى ممر عريض مغطى بعقود متصالبة، وعلى يمينه مصطبة للجلوس ويؤدي هذا الممر إلى قسمي الاستقبال والمعيشة أي "السلملك"؛ الذي تحدثت عنه "إبراهيم" بالقول: «هو جناح استقبال الضيوف من الرجال من خارج العائلة والمحافظة على خصوصية وحرمة العائلة في الوقت ذاته، وهو مؤلف من صحن مستطيل في صدره إيوان كبير وعلى جانبيه الغربي والشمالي غرف عديدة تطل على الصحن، ويرتبط الجناح المذكور مع "الحرملك" بممر ضيق».

وأضافت: «يعود هذا التقليد في حماية حرمة نساء وأطفال العائلة من وجود الضيوف الغرباء من الرجال في المنزل إلى فترة ما قبل الإسلام؛ إذ يمكن تعقب أثره في تصاميم البيوت الإغريقية والرومانية، وكان يوجد في "قصر العظم" بستان فاكهة صغير في المكان الذي تتواجد فيه حالياً مكاتب إدارة القصر».

صورة قديمة لقصر العظم

أما الآثاري "عقبة معن" فأشار إلى أن "السلملك" في القسم الآخر من القصر يعرض في قاعاته عن مهنة صناعة الزّجاج، وهناك قاعة النّحاس وتعرض نماذج لتلك الصناعة والأدوات المستخدمة فيها من حفر ونقش وتخفيت، إضافة إلى مجموعة نحاسيّة مزينة بماء الذّهب وماء الفضة، وعلى الجدران الخارجيّة مجموعة من الأطباق الكبيرة الّتي تستخدم لتناول الطعام، ومجموعة من الصناديق الخشبية في مدخل القصر الذي يعدّ الأصغر حجماً بين الأقسام ويسمى قسم الاستقبال، فيحمل ذات الزخارف وذات الطابع المعماري ووسط فنائه بركة ماء مربعة أيضاً، بينما حمام القصر صغير نسبياً، لكن عمارته تشابه عمارة الحمامات الدمشقية الضخمة، ومؤلف من ثلاثة أقسام هي: "البراني، والوسطاني، والجواني"».

يذكر التّاريخ أن 800 حرَفيّ عملوا خلال سنتين من أجل إتمام هذا القصر، إذ اجتهد وكلاء العمل بحثاً عن أعمال فنيّة في "دمشق"، و"سورية" الكبرى، وجنوب "بصرى" من أجل تزيين مكان إقامة الباشا، ومثال ذلك الأعمدة الرّومانية المأخوذة من "بصرى" والموجودة في فناء "الحرملك"، كما يذكر أن القصر يقع وسط مدينة "دمشق" القديمة ما بين الجامع الأمويّ شمالاً وسوق مدحت باشا (الشّارع المستقيم) جنوباً، بالقرب من البزوريّة، ويمتد على مساحة 5500 م2، أمر ببنائه والي دمشق "أسعد باشا العظم" عام 1163 هجري، 1749 ميلادي، ليكون داراً لسكنه بعد توليه ولاية الشّام.