تعدّ "ضاحية قدسيا" من الضواحي الهادئة جداً، ولكن هذا الهدوء ينكسر صباح كل يوم أحد، عندما تتعالى أصوات الباعة المتجولين الذين يتجمعون عند السوق التجاري وسط الضاحية في هذا اليوم، وهم يعرضون بضائعهم تحت خيم صغيرة و"بسطات" تزداد وتنقص حسب المواسم والأعياد.

إنه "السوق الأزرق" أو كما يعرف بين الأهالي بـ"سوق الأحد الشعبي" الذي ينتظره أهالي الضاحية أسبوعياً نظراً إلى رخص أسعار البضائع فيه، ولكونه أيضاً ملتقىً للجيران والمعارف، أما اليوم فقد أصبح هذا السوق متاحاً بشكل يومي.

نتفق أنا ومجموعة من الأصدقاء كل أسبوع على التجول في السوق ونذهب بعدها جميعاً لشرب الشاي والجلوس للحديث

مدونة وطن "eSyria" تجولت في "سوق الأحد" بتاريخ 24 تشرين الثاني 2013 والتقت السيدة "غادة شعبان" مدرّسة فرنسي تسكن في الضاحية وبدأت حديثها بالقول:

«أزور السوق بهدف إيجاد حاجياتي من مواد غذائية وخضار وحبوب وزيت وألبان وأقمشة وأحذية وقرطاسية، وبأسعار أقل بنسبة 15% تقريباً من غيره، وقد يستغرب بعضهم توافر حتى جرار الغاز وبالسعر النظامي الأمر الذي يشجعني على الذهاب أسبوعياً حتى وإن لم أكن بحاجة إلى مواد استهلاكية بعينها».

وتضيف السيدة "غادة شعبان": «أعمد أحياناً للذهاب لإلقاء نظرة على البضائع الموجودة ومقارنة الأسعار وهكذا لا أضطر النزول إلى الأسواق الأخرى البعيدة وخاصة في ظل الازدحام الشديد على المواصلات، وعدم توافر وسائط النقل بشكل يومي، الشيء الذي يوفر علينا كمواطنين تكاليف المواصلات والوقت».

وحول دور هذا السوق اجتماعياً؛ الذي غدا أكثر من مجرد مكان يشتري منه الناس لوازمهم، حيث أصبح وسيلة لقاء بين الجيران يجتمعون فيه، حدثنا المحامي "عبده مللي" فقال: «نتفق أنا ومجموعة من الأصدقاء كل أسبوع على التجول في السوق ونذهب بعدها جميعاً لشرب الشاي والجلوس للحديث».

وأكد "مللي" على جو الألفة والتقارب الاجتماعي الذي يخلقه سوق الأحد بين سكان المنطقة الواحدة فقال: «على الرغم من امتداد "بسطات" وخيم بعض الباعة إلى أماكن بعيدة في الضاحية إلى حد تصبح عنده الطريق غير معبدة ومملوءة بالأحجار أوالشوك، فإننا نتجول على امتداد السوق حتى آخر بائع لنطّلع على كل جديد».

ويتابع "مللي": «وعلى الرغم من الصخب الذي يحدثه السوق وقد يزعج بعض الأهالي القريبين منه، إلا أنه يعدّ متنفساً لهم ولنا من ضغط العمل والحياة والبيت كما يتيح للناس فرصة رؤية بعضهم».

أما عن رأي أحد الباعة في هذا الموضوع فيقول الشاب "أحمد موسى" بائع ملابس في سوق الأحد: «لكوني غير قادر على افتتاح محل بضائع خاص بي فإنني أؤمن السلع التي أراها جيدة (سواء الوطنية منها أو المصنعة في الخارج)، التي أرى أن سعرها سيكون مشجعاً للأهالي وترضي أذواقهم، لأقوم بعرضها في الأسواق الشعبية الأسبوعية التي تنتشر في أحياء وضواحي "دمشق".

والحقيقة إنني أرى إقبالاً متزايداً من قبل الأهالي على هذا النوع من الأسواق بسبب أسعارنا المنافسة وشمولية السلع التي نعرضها».

السيد محمد الدمشقي رئيس بلدية "ضاحية قدسيا" يقول: «لاحظنا كثرة "البسطات" غير النظامية في السوق التجاري في الضاحية ما سبب فوضى في البيع وشكلاً غير لائق فقررنا إعطاء تعهدات لعدد من الباعة تم اختيارهم بالقرعة».

ويضيف الدمشقي: «وقد سمحنا للباعة بالبيع يومياً شريطة أن يقيموا خيماً زرقاء ويدفعوا مبلغاً شهرياً للبلدية مقداره 4 آلاف ليرة سورية ومن هنا جاء اسمه "السوق الأزرق"».

لا تنحصر محاور الحديث عن سوق الأحد الشعبي في "ضاحية قدسيا" في هذه الجوانب الاقتصادية والاجتماعية التي ذكرت أعلاه؛ بل يجب أن نشير إلى أن بعض السيدات يتجولن في السوق ليس بهدف شراء السلع ولكن بعضهن يأتين بهدف البحث عن زوجات لأبنائهن، وهنا أشارت السيدة "ميمر أبو حمود" -وهي مرشدة اجتماعية - إلى هذه الفكرة فقالت:

«لا أسعى من خلال سوق الأحد إلى التبضع فحسب، وإنما أذهب للقاء جاراتي أو إحدى معارفي فأنا أعمل يومياً ولا أجد الوقت الكافي للتحدث إليهن ومعرفة أخبار الصديقات، وسأخبرك قصة طريفة حدثت معي أثناء تجولي في السوق منذ بضعة أسابيع:

فقد حدث أن اصطحبت معي في إحدى الأسابيع ابنة أخي، وأثناء تجوالي معها التقينا أحد جاراتي التي قامت بالسؤال عن ميلادها ودراستها، وسألتها أيضاً عن رأيها بالارتباط والزواج، ومن وقتها حرصتُ على الانتباه إلى هذه الناحية عند اصطحابي أي من فتيات العائلة، فقد تكون محط مراقبة من قبل النساء اللواتي يتجولن في السوق».