في دمشق القديمة عندما تصل إلى حي "القيمرية" وُضِعت لافتة برتقالية صغيرة على واجهة مطعم لفتت الأنظار إليها، وتناقلتها صفحات الفيسبوك، كُتب عليها: "سندويش البطاطا بخمسين ليرة فقط لا غير، شو ما صار" في الوقت الذي تباع فيه نفس "السندويشة" بـ 120 ليرة في بقية المطاعم.

مدونة وطن eSyria ذهبت بتاريخ 27/6/2013 إلى "القيمرية" والتقت أحد زبائن المطعم، وهو الطبيب الشاب "رغيد شربا" ليحدثنا عن قصة قدومه إلى هنا، يقول: «أثناء وجودي في بيروت شاهدت صورة لهذه اللافتة على موقع الفيسبوك، وقرأت قصتها، فقررت أن أزوره فور عودتي إلى دمشق، وبالفعل هذا ما حصل، فقد عدت البارحة وها أنا أنتظر وجبتي».

سيبقى عندي سعر سندويشة البطاطا بخمسين ليرة سورية حتى آخر ليرة ربح

ويضيف: «أثمّن كثيراً هذه الخطوة التي يقوم بها صاحب المطعم، فنحن للأسف بتنا أقرب إلى عدم تصديق مثل هذه المبادرة الجريئة، وأتمنى أن تصيب العدوى بقية المطاعم وأصحاب المحال والتجار الذين استغلوا ظروف الناس والبلد، واحتكروا البضائع ورفعوا الأسعار بشكل غير معقول، خاصة في ظل غياب أي دور رقابي للحكومة أو جمعيات حماية المستهلك».

حسام حمّامي صاحب المطعم

كما التقينا صاحب مطعم "خبز وملح" السيد "حسام حمامي" ليحدثنا عن هذه الفكرة وهذه اللافتة وهذا التحدي، يقول: «هي ليست أكثر من أنني قمت بإسقاط الحالة على ذاتي وعائلتي، أن أعطي ابني 120 ليرة لشراء "سندويشة بطاطا" وقد لا يكتفي بواحدة لسد جوعه، هذا يشكل عبئاً مادياً كبيراً على الناس، خاصة أن الارتفاع شمل كل أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية. في إحدى المرات جاءني طفل ليشتري سندويشة وطلب مني أن أقسمها مناصفة بينه وبين شقيقه، هنا تسأل نفسك: هل سيشبع الاثنان؟ ماذا لو كانا مضطرين لدفع أكثر من ضعف الثمن؟ أنا وجدت أن الأمر يستحق أن نتوقف عنده دون أن يجرفنا تيار استغلال الظروف الراهنة».

صاحب مطعم يبيع بأقل من نصف سعر السوق، فهل يربح؟ وإن كان الجواب: نعم، فكم هي باهظة نسبة الربح عند غيره؟ يجيب "حمامي": «نعم أنا أربح، ولو كنت خاسراً فكيف لي ألا أرفع السعر أو لا أغلق أبواب مطعمي لأبحث عن مهنة أخرى؟ ولا أخفيك أنني لم أقم بأي عملية حسابية، ولم أعط الموضوع حقه من ناحية دراسة جدواه الربحية، قررت أن أحافظ على هذا السعر واتكلت على الله، وفي آخر كل يوم أجد نفسي رابحاً، وفي أسوأ الأحيان لا أخسر».

حمامي مع أحد العاملين في المطعم

هذا السعر الذي حافظ عليه الرجل، جعله يعلن تحديه على الملأ فيما يخص جودة منتجه: «أنا لا أقبل أن تأكل من عندي دون أن يعجبك الطَعْم، وأن تقرر العودة مرة أخرى لتأكل من هنا، قارن بين ما أقدمه هنا وما يقدمه أي مطعم آخر، ستجد أنني إن لم أتفوق عليه فسأكون بنفس السوية الجيدة، لأن الزبون لا يبحث فقط عن الأسعار الرخيصة، وتحديداً في مجال عملنا، الطعم هو أهم شيء، وكل شيء يأتي بعده، والطعم الجيد مردّه المكونات الغذائية الجيدة، فأنا لا أشتري بضاعة رديئة، لأن كل إناء بما فيه ينضح».

على موقع الفيس بوك انتشرت صورة الإعلان الذي وضعه "حمامي" على واجهة مطعمه الصغير، ففاجأته ردة فعل الناس، وتفاعلهم مع الفكرة، ومن المواقف الطريفة التي حدثت مع طاقم العمل: «استوقفت اللافتة المنشورة في الفيس بوك مجموعة من الصبايا فقدمن من منطقة "الشعلان" خصيصاً للتأكد من حقيقة ما أشيع عن مطعمنا، فقالت لنا إحداهن بعد أن تأكدتْ من ذلك: "يا ويلكم إن لم يكن طعم البطاطا لذيذاً"، قدمنا لها طلبها وذهبت مع رفيقاتها، وما لبثت أن عادت وطلبت كمية كبيرة من السندويش، وقالت: "أنا لا أريد أن آكل كل هذا ولكني أريد المساهمة- ولو بأضعف الإيمان- في نجاح مسعاكم وفكرتكم الاستثنائية المختلفة عن السائد في هذا الزمن الصعب».

الطبيب رغيد شربا ينتظر وجبته

الانتشار لم يكن على نطاق "دمشق" فحسب بل تجاوز وقعُها حدودَ سورية إلى العالم، فبحسب قول "حسام حمامي" أن إحدى السيدات السوريات - وهي مغتربة في كندا- أرسلت له تسأله عن صحة وجود هذا المطعم دون أن تدري أنه صاحبه، ووعدته أنها عندما تعود إلى سورية ستأتي على الفور لتأكل من عنده.

ولكن ماذا لو استمرت الأسعار في الارتفاع بما فيها المواد الأولية للمطعم من خضار وزيت وخبز..إلخ، إلى متى سيبقى السعر على ما هو عليه عنده، يقول "حمامي" باختصار: «سيبقى عندي سعر سندويشة البطاطا بخمسين ليرة سورية حتى آخر ليرة ربح».