فضلاً عن دوره في الاستحمام والتنظيف يعد حمام "المقدم" من أهم معالم العمارة الإسلامية في العصر المملوكي، حيث يمثل قطعة فنية رائعة الجمال.

"eDamascus" زار حمام المقدم والتقى الشاب "عمر محمد" أحد الزبائن الدائمين للحمام، وعن رأيه بهذا الحمام يقول: «لم أكن اعرف عن حمام المقدم سوى ما يقال عنه في الأوساط الشعبية، فتوجهت إليه مع والدي بدافع الفضول وحب الاستطلاع، فوجدته مكاناً مريحاً وهادئاً ونظيفاً، بل إن بخار الماء الطبيعي خلصني من آلام ظهري إلى غير رجعة، فأصبحت زبونا دائما أنا وبعض أصدقاتي وزملائي من الجامعة، فضلاً عن أنه يمثل تحفة أثرية وإبداعية في غاية الجمال من حيث التصميم الفريد والزخرفة».

لم أكن اعرف عن حمام المقدم سوى ما يقال عنه في الأوساط الشعبية، فتوجهت إليه مع والدي بدافع الفضول وحب الاستطلاع، فوجدته مكاناً مريحاً وهادئاً ونظيفاً، بل إن بخار الماء الطبيعي خلصني من آلام ظهري إلى غير رجعة، فأصبحت زبونا دائما أنا وبعض أصدقاتي وزملائي من الجامعة، فضلاً عن أنه يمثل تحفة أثرية وإبداعية في غاية الجمال من حيث التصميم الفريد والزخرفة

كما التقينا الباحث التاريخي "رضوان عياده"، وعن الأهمية الأثرية لحمام "المقدم" قال: «يعد حمام "المقدم" من أهم الحمامات الأثرية في مدينة "دمشق" والذي مازال يعمل بكل تفاصيله القديمة إلى اليوم، وهو يشكل أحد الأبنية الاجتماعية الهامة في المدينة، فضلاً عن دوره في الاستحمام والنظافة، ويتميز بتصميم هندسي في غاية الروعة والجمال، حيث النوافذ الملونة والمزخرفة والقبب البيضوية والدائرية الشكل، فضلاً عن البحرة التي تتوسط الحمام وهي في غاية البراعة والجمال، بالإضافة إلى الفوانيس الملونة القديمة والزخرفة الحجرية التي تزين جدران الحمام، وإجمالاً "حمام المقدم" أعتبره بناءً متكاملاً من جميع الجوانب، سواء من حيث القيمة "الوظيفية والتاريخية الأثرية أو الجمالية"».

وللتعرف أكثر على هذا الحمام العريق وتاريخه وأسلوب عمله التقينا السيد "سعيد شعبو" مدير حمام "المقدم"، فيقول: «يعد حمام المقدم من أقدم الحمامات الشعبية في سورية الذي مازال يعمل بشكل كامل، فيعود بناء هذه الحمام إلى أكثر من 850 سنة أي مع بداية العهد المملوكي، وسمي هذا الحمام المقدم نسبة إلى بانيه "محمد بن عبد الملك" المعروف بابن المقدم الذي توفي سنة 583 هجرية، وهو قائد من الولاة الأمراء في عهد "نور الدين الشهيد، وصلاح الدين الأيوبي"، ومازال الحمام يعمل بكامل طاقمه وبنفس الأساليب القديمة في الاستحمام في الحمامات الشعبية، وقد تم ترميه وتجديده بالكامل سنة 1980م من قبل صاحب الحمام الحالي السيد "محمد المارديني" الذي ورث الحمام عن والده والذي ورث الحمام بدوره لأبنائه».

يواصل السيد "شعبو" حديثه: «يعد التصميم الهندسي لهذا الحمام من أجمل الأبنية الأثرية القديمة لما يحمل من الزخرفة والتصميم الفريد بالنقوش، فبعد نزولك من الدرج إلى القسم الذي يسمى "البراني" وهو يشبه في تصميمه مضافة كبيرة أو الليوان كما في البيوت الدمشقية القديمة أو القصور الدمشقية ولكن بحجم أكبر، تصادف مصطبة على الجهة اليسارية، حيث يتم استقبال الزبون وتسليمه المناشف واستلام ملابسه، وبعد ذلك سترى مصطبة المعلم حيث يقوم الزبون بتسليم أماناته وحاجياته الهامة، ووضعها في خزانة صغيرة ليستلمها عند خروجه، كما يحيط بالبراني مصاطب مفروشة بالأرائك والمساند ومجهزة بالمناشف، ومعدة لراحة الزائرين، ومنها للاستراحة وشرب الشاي العجمي بعد الاستحمام . أما البحرة التي تتوسط الحمام فهي من أهم معالم الحمام، بشكلها البيضوي وكبر حجمها الملبس بالرخام البني نسبياً، وهذه البحرة موجودة منذُ بداية بناء الحمام حيث كانت تزود الحمام بالمياه التي تأتيه من مياه نهر بردى، أما الآن فالحمام يزود بالمياه عن طريق بئر خاص بالحمام.

البحرة التي تتوسط الحمام

قبة الحمام تزينها الفوانيس القديمة والثريات الجميلة، كما يحيط بالحمام خمسة نوافذ ملونة ومزخرفة وهي نوافذ قديمة جداً، كما أن أرضية الحمام وجدرانه بالكامل قبل الترميم كانت ملبسة بالحجارة الملونة "الأبيض والأسود"».

ويتابع: «القسم الثاني للحمام هو القسم "الوسطاني"، وهو قسم معتدل الحرارة، مسقوف بقباب دائرية الشكل تحتوي على فتحات تتيح لضوء الشمس الدخول، وعلى جوانبه توجد مصاطب يستريح عليها المستحمون خلال فترات الاستحمام، لكي يعدل الزبون حرارة جسمه قبل الخروج إلى البراني تفاديا للبرد والمرض، كما يوجد داخله مقصورة النورة "مكان المراحيض وإزالة الشعر أي "الحلاق"، أما القسم الثالث فهو "الجواني"، وهو القسم الداخلي الحار من الحمام، يتكون من إيوانين متقابلين يتوضعان على طرفي بيت النار، وضمن كل إيوان يوجد جُرن أو أكثر يحتوي على الماء الساخن الواصل من بيت النار عبر شبكة تجري تحت أرض الحمام، كما يتفرع عن كل من الإيوانين غرف أو مقاصير خاصة تحتوي كل منها على الجرن الخاص بها، هذا القسم مسقوف أيضاً بقبة مستطيلة الشكل، ذات فتحات زجاجية تسمح للضوء بالدخول، كما كان هناك قسم آخر تم الاستغناء عنه حالياً، وهو جناح خارجي ملحق بالحمام يشبه الكوخ وله مدخل خاص، يتم في هذا القسم تسخين الماء الداخل إلى أقسام الحمام الأخرى، ويحتوي على غرفة لسكن "القميمي" الذي يشعل النار، وكان الوقود المستعمل في إشعال الحمام عبارة عن القمامة المجففة وروث الحيوانات، ولم يعد في أيامنا هذه دور لهذا القسم نظراً لاختلاف أساليب التسخين، ولهذا تم الاستغناء عنه».

السيد "سعيد شعبو"

كما التقينا السيد "حسام الدين السيد"، موظف في الحمام، وعن طاقم الحمام يقول: «يتألف الطاقم العامل في حمام "المقدم" كما بقية حمامات السوق بشكل عام من "المعلم"، وهو إما مالك الحمام أو مستثمره، ويتولى إدارة العمل ضمن الحمام والحفاظ على آداب وأصول المهنة، كما يتسلم من الزبون حوائجه الشخصية خلال فترة الاستحمام، ويتسلم الأجر بعد الانتهاء، و"الناطور" وهو المسؤول عن استقبال وخدمة الزبائن داخل الحمام ضمن قسمي "البراني"، ويساعد الزبون في خلع ملابسه ويقدم له المناشف، كما يقدم للزبائن المشروبات المتنوعة بعد انتهائهم من الاستحمام من الشاي والقهوة والأركيلة حسب رغبة الزبون، و"المكيس" وهو المسؤول عن تلييف وتفريك الزبون بالصابون والماء، ينحصر عمله داخل القسم "الجواني"، و"التبع" وهو المسؤول عن تغسيل رأس الزبون ومساعدة المكيس في عمله ضمن القسم "الجواني"، ويقوم بتقديم الخدمات المختلفة بين أقسام الحمام كخدمة الزبائن وشطف وتنظيف الأقسام».

وعن أهمية حمام السوق والسبب الذي دفعه إلى هذه الشهرة التقينا السيد "عبد الله سلمان" أحد سكان الحي، فيقول: «قديماً لم يكن هناك حمامات متوافرة في المنازل فكان الناس يذهبون إلى حمام السوق مرتين في الأسبوع كمعدل وسطي إذ كانت هذه الرحلة تأخذ منحيين، الأول يكمن في الاستحمام والنظافة، والثاني يكون فرصة لاجتماع أبناء الأسرة الواحدة أو الحي الواحد، فالجيران يذهبون معاً إلى حمام السوق، إضافة إلى أن هذا المكان كان يعتبر مكاناً للاحتفالات، إذ اعتاد الناس قديماً على الاجتماع في الحمام لإقامة السهرات والأعراس والأفراح على مختلف مناسباتها وهكذا شكل حمام السوق بوابة للالتقاء وتبادل الأحاديث وفرصة لإرضاء حاجة إنسانية في الحفاظ على النظافة والاستحمام، ولهذه الأسباب كان لحمام السوق أهمية كبيرة لكون الاستحمام واحدة من الحاجات الإنسانية، وحمام المقدم من حمامات السوق التي اعتدت أن آتي إليها باستمرار منذُ صغري، وهو من الحمامات التي أحمل منها الكثير من الذكريات الجميلة، ولا أتوقع أن يأتي يوم وأترك هذه العادة لأنها بمثابة تواصل اجتماعي مع الحضارة والتاريخ الجميل الذي عشناه في هذه المدينة العريقة».