ضمن مساحة تقدر بحوالي 2000 م2 وبجانب مدرسة "عبد القادر أرناؤوط" الكائنة في حي التجارة بدمشق، يقبع "المتحف المدرسي للعلوم" التابع لوزارة التربية، والذي يشكل ثروة علمية نادرة حيث يحتوي على مجموعة ثمينة من مئات الحيوانات المحنطة من مجاهل إفريقيا والهند، إضافة إلى الوثائق البصرية والمئات من التجارب الفيزيائية والكيميائية التي ليس لها مثيلات إلا نادرة في متاحف أوروبا.

موقع "eSyria" قام بجولة في أقسام "المتحف المدرسي للعلوم" للتعرف على أقسامه ومقتنياته، هناك التقينا بأحد الزوار السيد "محمد شيخ برمجة" الذي كان برفقة عائلته بجولة في المحتف، فحدثنا عن أهمية المتحف كونه مكاناً تعليمياً وترفيهياً بآن واحد: «المحتف بأقسامه المتعددة والمتنوعة يدخل الزائر في جولة علمية وتاريخية، من خلال المعلومات والمقتنيات الموجودة في أقسامه، حيث تناسب كل الأعمار بمختلف اهتمامات الأشخاص للخوض في معالم الطبيعة الأفريقية والمقتنيات الفيزيائية والكيميائية التي توضح للزائر مراحل تطور التكنولوجيا المتواجدة بين أيديهم في المناهج الدراسية والحياة العملية».

كما يضم الطابق الثاني أنواعا نادرة من المستحاثات مصنفة حسب أنواعها حيث استعنّا بأساتذة من قسم الجيولوجيا لمعرفتها، إضافة إلى الصخور البركانية، فلزات، معادن، أواني مستطرقة، وأول أجهزة السينما الصامتة

من المتحف حدثنا بداية الأستاذ "موفق مخول" مدير المتحف والمسؤول عن فريق العمل عن ممتلكات المتحف: «ينقسم المتحف بشكل أساسي إلى جناحين، جناح في الطابق الأول وهو مخصص لمحنطات الحيوانات التي اصطادها الرحالة والصياد الدمشقي "حسين إيبش" والذي سمي باسمه؛ وبوجود هذه المحنطات خلقت فكرة متحف العلوم، حيث يزيد عدد المحنطات على 450 حيواناً محنطاً اصطادهم "إيبش" خلال رحلاته في أدغال أفريقيا والهند، لتوثيق الحياة البدائية في هذه المنطقة من العالم من خلال الحيوانات التي اصطادها وأدوات الصيد اليدوية إضافة إلى الصور الفوتوغرافية».

يضيف: «المتحف بمقتنياته هذه يحتضن قيمة بمستوى عالمي وهي الأولى من نوعها في المنطقة، حيث تضم مجموعة المحنطات 275 جمجمة و63 رأس غزال، إضافة إلى الحيوانات الأخرى ومنها "الزرافات، الأسود، النمور، الفيلة، فرس النهر، فهود، ضباع، ظباء، أيائل، تماسيح، وحيد القرن، ثيران"، إلى جانب 219 صورة فوتوغرافية، وهي مجموعة يزيد عمرها على مئة عام، حيث كان "إيبش" من الأوائل عالمياً بدأ بتوثيق علمي وبصري لحياة قبائل الأفارقة في الغابات، في وقت لم يعرف خلاله صور ضوئية احترافية ملتقطة في الطبيعة».

عن باقي أقسام المتحف يقول "مخول": «الطابق الثاني فيه محنطات من بيئتنا المحلية، كما أن فريق العمل قام بتجميع الآلات والتجارب الفيزيائية والكيميائية التي عثرنا عليها في ثانوية "جودت الهاشمي" وتبين أنها تعود لمصانع فرنسية أغلقت ولم تعد منتجة، وهذه الآلات يوجد مماثلات نادرة لها في فرنسا تحضنها متاحف فرنسية متخصصة وراقية جداً، ذلك إضافة إلى عرض السجلات القديمة لمدرسة "جودت الهاشمي" التي خرجت الكثير من الشخصيات والأسماء السورية اللامعة مثل صور د."نجاة قصاب حسن" و"فارس الخوري" والكثير من الوثائق البصرية التي تمثل ذاكرة الوطن».

يتابع الأستاذ "موفق مخول": «كما يضم الطابق الثاني أنواعا نادرة من المستحاثات مصنفة حسب أنواعها حيث استعنّا بأساتذة من قسم الجيولوجيا لمعرفتها، إضافة إلى الصخور البركانية، فلزات، معادن، أواني مستطرقة، وأول أجهزة السينما الصامتة».

خلال لقاءنا فريق العمل في المتحف حدثتنا الأستاذة "هفاف مقدسي" لسانس جغرافية، تقول: «قسم المحنطات كبير وأساسي في المتحف وقد اعتمدنا في تصنيفه على دراسات بيولوجية فقدمنا تصنيف مقارن لها لتوضيح صفات وعادات كل حيوان إلى جانب طريقة تحنيطه، أما الطابق الثاني فهو يحتوي قسم الجيولوجيا والذي يضم مستحاثات لأول حيوان ظهر على الأرض من فصيلة ثلاثيات الفصوص ومستحاثات "الأمونيت" وهي كلها حيوانات منقرضة كانت موجودة في عصور جيولوجية سابقة، إضافة إلى أنواع من الصخور حيث يضم المتحف بلورات نموذجية لمعادن وهي نادرة الوجود في الطبيعة بشكلها الموجود هنا».

تضيف "مقدسي": «قسم الفيزياء له أهمية خاصة أيضاً فهو يضم العديد من الآلات الفيزيائية والكيميائية ومنها ما هو مصنّع يدوياً، والكثير منها مازالت بحالة جيدة ومن الممكن تشغيلها، ومنها آلة "رامسدن" لتوليد الطاقة الكهربائية الساكنة العائدة لعام 1764 لتوليد الفولتات العالية، ويوجد مثلها في متحف "سبارت" بباريس، إضافة إلى أجهزة علمية تتمثل بمجموعة من المجاهر، أجهزة الإسقاط، الفوانيس السحرية، الكاميرات، الآلات الكاتبة، آلات النسخ، الموازيين، وآلات موسيقية».

تتابع "مقدسي" خلال تجولنا بين أقسام المتحف: «العديد من التحف هنا تمتلك قيمة فنية جمالية عالية إلى جانب القيمة المادية والتاريخية كلوحات الخط لأهم الخطاطين مثل "محمد بدوي الديراني" خطاط بلاد الشام وأستاذه التركي "يوسف رثا" خطاط الجامع الاموي، وأجهزة المذياع الأولى والبيك آب، المرايا التي كانت تزين البيوت الدمشقية، إضافة إلى لوحات فسيفسائية كبيرة إحداها لمؤسس الحركة التشكيلية السورية "محمود جلال" حيث اللوحة المرسومة زيتياً للعمل معروفة من أعماله ويعتقد أن تنفيذ اللوحة فسيفسائياً تم بالمشاركة من قبل طلابه حيث كان يدّرس مادة الرسم في ثلاثينيات القرن الماضي في ثانوية "جودت الهاشمي"».

تختم "هفاف مقدسي" بالقول: «مقتنيات المتحف المختلفة تناسب مختلف الأعمار وتشمل مختلف العلوم، كما نسعى لأن يكون المتحف ميداناً للأنشطة التفاعلية للطلاب بحيث تحرك حواسه ويشغل هذه التجارب ضمن ورشات عمل مع إمكانية عرض أعمالهم وتجاربهم أيضاً».

كما التقينا الأستاذة بكلية التربية "هدى مصطفى" مدرسة بدار المعلمين أصول طرائق تدريس العلوم وأعمال التحنيط، وتقول عن قسم المحنطات: «محنطات "حسين إيبش" كلها خضعت لنوع التحنيط الجاف أما الحيوانات الصغيرة من بيئتنا المحلية خضعت لتحنيط رطب في حافظات زجاجية، والطفل من خلال زياته للمتحف يتعرف إلى أنواع من الحيوانات كالصقور على سبيل المثال بمختلف أشكالها وأنواعها، إضافة إلى المستحاثاة، التي تقوم من خلال رؤيته المباشرة والواقعية لها إلى تلقينه معلومات دقيقة عن التحنيط وأساليبه».

بأيد وجهود سورية بامتياز وجد "متحف العلوم" وصنفت محتوياته، حيث استغرق فريق العمل فترة تزيد على ثلاث سنوات لتجميع وترميم وتنظيف المقتنيات.

تقول الفنانة "ميلاد أسعد" التي قامت بمعالجة وإعادة ترميم محنطات "إيبش" للتخلص من المشاكل التي تسبب بها الزمن، إضافة إلى عمليات التزيين والديكور ليعطي شعوراً بجو افريقي: «اعتمدنا على أقل التكاليف والإمكانات لتنفيذ هذا المتحف حتى يكون المكان بسيطاً وعفوياً، قريباً إلى الأطفال، كما حاول فريق العمل الذي بذل كل جهوده باندفاع طوعي وحب وشغف للمتحف، من خلال التصميمات والديكور الداخلي للمكان المعتمد على الأخشاب والأغصان والحجارة التي جمعناها يدوياً وبعناية، إلى جانب الموسيقا التصويرية المشغلة في المتحف نقل الطفل الى جو المكان بمخاطبة حواسه الخمس إضافة إلى تلقينه معلومات جديدة عن عوالم لم يسبق له التعرف إليها».