لما تتمتع به سورية من مواقع أثرية عريقة تحتوي الأصالة والتاريخ العريق، جاءت ضرورة المحافظة على هذا الإرث الحضاري وذلك بمبادرة من مؤسسة الآغا خان للتنمية باستخدام الأبنية الثقافية لتنمية المنطقة ضمن طريقة معينة يمكن أن تساهم في رفع مستوى حياة الناس الموجودين وتدرب الكفاءات وتحافظ على الهوية الثقافية للمنطقة.

موقع "eDmascus" زار موقع الترميم التي تقوم به مؤسسة الآغا خان في ثلاثة من أهم البيوت الدمشقية القديمة (بيت نظام- السباعي- القوتلي) والتي يعود تاريخها إلى العهد العثماني والمغطاة والمميزة بالزخارف والنقوش التي تميزها.

عملي في المشروع هو عبارة عن تدريب ما زال مستمراً إلى الوقت الحالي وقد استفدت كثيراً من خبرات المدربين في مجال الحجر والعجمي والترميم ومن حيث التعرف على مواد بناء جديدة وطرق عدة للترميم، يقتصر عملي على تدعيم الأماكن المهددة بالهدم ومساعدتها على الثبات من حيث المواد التي نستخدمها، نحن مقسمون إلى عدة فرق فمنهم من يعمل على إنشائية البناء ومنهم على زخرفة الحجر والعجمي وهكذا يصبح العمل متكاملاً، فكل فريق يعمل ضمن خطة عمل معينة وعليه إنهائها في الوقت المحدد، ويشمل خطة العمل توثيق الزخارف التي نعمل عليها ضمن رموز وأرقام خاصة بحيث يمكن العودة ومعرفة مكان الزخرفة من خلال الترقيم التي توضع لكل منها وهذا ما يسمى بالتوثيق، فيتم دراسة المكان المراد ترميمه من خلال العودة إلى تاريخه وكيفية المحافظة عليه ضمن خطة عمل معينة، اكتسبت من عملي هنا بالإضافة إلى الخبرات العملية طريقة التعامل مع الآخر وحب روح الجماعة

خلال جولتنا في موقع الترميم أطلعنا على الآليات المستخدمة في العمل للحفاظ على الأصالة التي تميز هذه البيوت.

من مراحل العمل

التقينا من الخبراء المشرفين على المشروع الخبير "شادي خليل" عن آلية العمل يحدثنا بالقول: «بدأنا المشروع من بيت نظام الذي يتألف من (قاعة العنب - الشيشه والطبق و الليوان)، حيث يعود عمر الغرفة 180 سنة، حيث يعتبر هذا المشروع تمهيدي لكامل المشروع، فمن ضمن خطة العمل نقوم بدراسة الألوان الأساسية والمضافة للمكان المراد ترميمه لتحديد المواد التي ستستخدم لإزالة الألوان المضافة لاحقاً ولكي لا نؤذي اللون الأساسي، هذه الدراسة تطبق على كل واحد سنتيمتر من الغرفة، وتتخلل الدراسة المواد التي ستستخدم وإلى أي درجة سنصل فهناك مواد تعود بعد التنظيف إلى كما كانت من قبل، فهدفنا أن تكون الغرفة التي ترمم وحدة متكاملة فيوجد الكثير من النقص نعيد بناءه حسب الصور والوثائق المتوفرة، فنحن نقوم بتوثيق كل المراحل ففي نهاية العملية سنقوم بترك قطعة صغيرة عن كل مكان قبل عملية الترميم، ولمصداقية الترميم والعودة بالبيت كما كان في بداياته نعود إلى كتب وصور للبيت ونقوم بدراسة كم مر عليه من عمليات ترميم، لكن القرار إلى أي درجة سنصل فيجب دراسة ذلك بدقة، فمثلاً في قاعة العنب فهو يحتوي على عصرين ،الحجر الذي أتى كان موجود منذ البدء ثم التصميم الخشبي الذي تلاه فكل هذه الملاحظات يجب الانتباه لها ودراستها، فكل خطوة نخطيها نقوم بدراستها مع الصور والأدلة».

أما السيد "علي اسماعيل" المدير التنفيذي في مؤسسة الآغا خان للتنمية، عن ترميم البيوت الثلاثة والهدف من ترميمها يقول: «بدأنا بثلاثة من أهم البيوت القديمة الموجودة في "سورية" ويتراوح تاريخ بنائها من (250-350 ) عاماً، وهي نموذج لأجمل ما يكون لفن العمارة والذي يتنوع ويختلف من بيت لآخر، فالروح الدمشقية القاسم المشترك بين هذه البيوت فلكل منها طابعها الخاص، فبيت نظام أكبرها وهو يتميز بالتفصيلات المعمارية الموجودة فيها وهي الثلاث بحرات والثلاث أقسام (السلملك- الحرملك- الخدملك) فهذه الأقسام توجد في البيوت المعروفة بغناها، فبيت سباعي لا يحتوي على هذه الثلاثة أقسام لكنه بيت سكني، أما التوزيع المعماري لبيت القوتلي فقد كان المكان الأمثل للاستقبالات والمناسبات الاجتماعية فوظيفته كانت اجتماعية أكثر من أن تكون سكنية، فهدفنا من الترميم هو البحث عن الوظيفة الأساسية التي كانت تخدم هذه البيوت وإعادة توظيفها ضمن الإطار الصحيح، فمثلاً بيت نظام كان وظيفته استقبال الزوار وبعض الغرف للمنامة وسيبقى محافظاً على وظيفته نفسها، فهذه الغرف المتحفية التي ترمم ستستقبل الزوار ضمن أوقات معينة للاستمتاع بجمالها ».

الخبير شادي خليل

ويتابع السيد "علي" بالحديث عن الخبرات المكتسبة ومدة تنفيذ المشروع بقوله: «مؤسسة الآغا خان للثقافة واحدة من المؤسسات الرائدة على مستوى العالم للحفاظ على الأبنية التاريخية، الخبراء الذين يعملون مع المؤسسة لهم باع طويل للحفاظ على أبنية تاريخية مهمة حول العالم في أكثر من 37 بلد، فالخبرات المكتسبة عن أي واحد من الخبراء هي خبرة ممتدة إلى عشرات السنين، فبالتالي اختيارهم هو اختيار دقيق من قبل المؤسسة من أجل إعطاء الأهمية للمعالجة التي تتم في هذه البيوت، ومدة تنفيذ المشروع من المتوقع أن يشمل ثلاث سنوات فهو مشروع يحتوي على الكثير من التفاصيل المعمارية التي تحتاج إلى معالجة دقيقة، فبيوت بهذا الغنى مراد معالجتها ضمن أرفع المعايير يحتاج إلى فترة زمنية طويلة، أما عن عملية اختيار الفريق للعمل فقد حرصنا على أن يكون من الشباب المتحمسين الخريجين الجدد ضمن اختصاصاتهم المعينة، فهؤلاء الخريجين يقومون بنقل المعرفة الأكاديمية التي تناولوها ضمن سنوات الدراسة تطبيقاً لكن تحت إشراف مدربين عالميين، فنحن هنا طبقنا نموذج تعليمي- تدريبي- تأهيلي رفيع المستوى يعادل أرفع البرامج التدريبية التي تقام حول العالم».

بالإضافة إلى ما يحمله المشروع من أهمية في الحفاظ على الأصالة التاريخية و الثقافية، فإنه وفر لكثير من الشباب الخريجين فرص عمل وكسب خبرات ميدانية، من المتدربين في المشروع والتي تعمل فيه منذ عام التقينا المهندسة المعمارية "ريم حسواني" لتتحدث عن تجربتها بالقول: «عملي في المشروع هو عبارة عن تدريب ما زال مستمراً إلى الوقت الحالي وقد استفدت كثيراً من خبرات المدربين في مجال الحجر والعجمي والترميم ومن حيث التعرف على مواد بناء جديدة وطرق عدة للترميم، يقتصر عملي على تدعيم الأماكن المهددة بالهدم ومساعدتها على الثبات من حيث المواد التي نستخدمها، نحن مقسمون إلى عدة فرق فمنهم من يعمل على إنشائية البناء ومنهم على زخرفة الحجر والعجمي وهكذا يصبح العمل متكاملاً، فكل فريق يعمل ضمن خطة عمل معينة وعليه إنهائها في الوقت المحدد، ويشمل خطة العمل توثيق الزخارف التي نعمل عليها ضمن رموز وأرقام خاصة بحيث يمكن العودة ومعرفة مكان الزخرفة من خلال الترقيم التي توضع لكل منها وهذا ما يسمى بالتوثيق، فيتم دراسة المكان المراد ترميمه من خلال العودة إلى تاريخه وكيفية المحافظة عليه ضمن خطة عمل معينة، اكتسبت من عملي هنا بالإضافة إلى الخبرات العملية طريقة التعامل مع الآخر وحب روح الجماعة».