كؤوس مختلفة الأشكال، ثريات ملونة وأوان لا تشبه إلا نفسها هي أقرب إلى اللوحات الفنية، هذا هو واقع حال منتجات معمل الزجاج اليدوي في سوق المهن اليدوية بـ"دمشق"، الذي أعيد فتحه مؤخراً بعد توقف دام نحو سنة ليعمل من جديد على مدار الساعة بعد أن كان ولمدة طويلة مقتصراً على يوم الأربعاء من كل أسبوع.

عقل ذكي منفتح، يدان بارعتان، وأدوات بسيطة هي عبارة عن قطعتي حديد واحدة للنفخ، وأخرى للقص هي عدة الشغل للحرفي "محمد نذير القزاز" الذي يبدع وينتج يومياً عشرات بل مئات القطع الزجاجية من الصحون والكؤوس والمزهريات.... eSyria التقى بتاريخ /30/4/2010/ السيد "القزاز" الذي بدأ حديثه بالقول:

هذه الصناعة الجميلة دليل أكيد على الحضارة العريقة لهذه المدينة "دمشق"، وسأحاول أن أدعو أصدقائي في "لندن" لزيارة هذا المعمل

«تعتمد صناعة الزجاج اليدوي على موقد من الآجر الناري "فرن"، فيه فتحتان واحدة لإذابة الزجاج، وأخرى لشيه، وأما أدواتنا التي نستخدمها في العمل فهي أنبوبة النفخ، ومقص الحديد، والرخامة، وتستغرق عملية الصهر التي تتم بدرجة حرارة تفوق الـ (1200) درجة مئوية نحو ساعتين يتحول خلالها الزجاج الخردة إلى "عجينة" من نار».

وحول طبيعة العمل يتابع "القزاز": «نأتي بالزجاج المكسر (الخردة)، ونضعه في قسم إذابة الزجاج "داخل الفرن" حتى يصير سائلاً، ينتقل بعدها عبر فتحة في أسفل الفرن للقسم الخاص بالزجاج الخام، حيث نضيف الصباغ إلى الزجاج المصهور، ليأخذ اللون المطلوب، ومن ثم نستخدم أنبوب النفخ، حيث نقوم بإدخال الأنبوب إلى الفرن فنأخذ "الطرقة" أو كتلة الزجاج المناسبة التي يقدرها الصانع مع الخبرة، حسب حجم القطعة التي ننوي صناعتها، ويكون ذلك في القسم الأعلى من الفرن حيث تبلغ درجة الحرارة نحو (1200) درجة مئوية، وبعد أن تأخذ القطعة الشكل المطلوب تنقل إلى فوهة الشوي حيث تحتاج إلى درجة حرارة (500) درجة مئوية وتبقى داخلها مدة تتراوح ما بين (7-8) ساعات، ومن ثم توضع في جزء ثالث أقل حرارة مما سبق، وبهذا التدرج الحراري بين أقسام الفرن تصير القطعة المصنوعة متينة، ولا تكسر بسهولة، وكلما رقت سماكة الزجاج كلما كان أكثر مقاومة لتبدل درجات الحرارة».

ويضيف قائلاً: «بعد الانتهاء من تشكيل القطعة يتم تلوينها من قبل الحرفي المتميز بالرسم، أو من قبل خريجي كلية الفنون الجميلة، ويتم إدخالها من جديد إلى الفرن بدرجة حرارة (400) درجة مئوية لتحافظ على اللون، وتترك حتى تجف وحدها نحو (24) ساعة كي تكون جاهزة للاستعمال- مع الإشارة إلى أن هناك نوعية من الألوان لا يحتاج تثبيتها إلى حرق (شيّ)- أو تترك القطعة المشكلة دون تلوين لتلبية رغبات الزبائن جميعاً، ولاسيما الأجانب الذين يفضلون القطع الشفافة (غير الملونة)».

وعن أسعار القطع الزجاجية الموجودة لديه أضاف: «يختلف سعر كل قطعة حسب الجهد المبذول لصناعتها، والنقوش الموجودة عليها، فهناك قطع (كأس مثلاً) سعرها (25) ليرة سورية، وإبريق بـ (1000) ليرة سورية».

لكن ماذا عن الصعوبات التي تواجهها هذه الصناعة الموغلة في القدم يقول "محمد نذير القزاز": «لكل مهنة محاسنها ومساوئها، ولعل مهنتنا من أكثر المهن التي تواجه صعوبات أولها درجة الحرارة العالية التي نتعرض لها وتحتاج إلى قدرة عالية على التحمل، وخاصة في أيام الصيف، إضافة إلى ما نتعرض له من أبخرة وغازات ضارة خلال مراحل العمل، ورغم ذلك حدث تراجع كبير في هامش الربح نتيجة رفع الدعم عن المازوت، حيث نستهلك يومياً ما يقارب الـ (200) ليتر مازوت، إضافة إلى صعوبة تسويق المنتج، وقلة الأيدي العاملة في هذا المجال، وأخيراً وليس آخراً التطور المذهل الذي حدث في صناعة الزجاج، في معامل آلية عملاقة، وإن كان لمنتجاتنا روح التراث الجميل، وهو ما يجذب السائح والمواطن على حد سواء».

بعض منتجات معمل الزجاج اليدوي

"محمد إبراهيم" أحد العاملين في المصنع يقول: «العمل في صناعة الزجاج بالطريقة التقليدية ليس صعباً كما يتخيله الكثيرون، لكنه بالتأكيد يحتاج إلى صبر ودقة وتركيز وقدرة على التحمل، لكن إصراري وحبي لها جعلني أتعلمها خلال سنوات قليلة».

"جون ويلش" سائح بريطاني قال: «هذه الصناعة الجميلة دليل أكيد على الحضارة العريقة لهذه المدينة "دمشق"، وسأحاول أن أدعو أصدقائي في "لندن" لزيارة هذا المعمل».

الجدير ذكره هنا حسب أحد المراجع التاريخية أن صناعة الزجاج هي إحدى المهن الصعبة التي برع "الدمشقيون" فيها خاصة مناطق "الشاغور" و"باب شرقي"، حيث تعتبر "دمشق" إحدى أكثر مدن العالم شهرة بصناعة الزجاج اليدوي فكانت الأواني الزجاجية تزخرف بالنقوش، ويرسم عليها الآيات القرآنية، ويتم التباهي بها في قصور الخلفاء لرقتها ونقاوتها وجمال ألوانها، وقد ساهم العرب خلال "فتوحاتهم" في نقل هذه الصناعة إلى مناطق العالم المختلفة.