يشكل الحمام الدمشقي أو حمام السوق منذ القدم جزءاً هاماً من الروتين الاجتماعي للدمشقيين، لذلك ترى أن لكل حي حمامه الخاص به، يجتمع فيه رجال وشبان الحي من وقت لآخر.

عادات كثيرة تمارس في الحمام ولها طقوس احتفالية فهناك حمام العريس وحفلات الطهور التي كانت تتم فيها أحياناً، إضافة للمناسبات الخاصة التي تقوم العائلة باستئجار الحمام لها ولأقربائها. وبالنسبة للنساء يعد الحمام وسيلة ترفيه لاجتماعهن ورقصهن وغنائهن، وفيه تقوم أيضا السيدات بالبحث عن العروس المناسبة لولدها.

(eSyria) دخلت حمام نور الدين الشهيد في سوق البزورية الذي يعود للقرن السادس الهجري، والذي بناه السلطان نور الدين زنكي سنة 1170م، والتقت بالمعلم أبو محمد الذي حدثنا بدوره عن السلسلة التي يقوم بها الزبون خلال دخوله الحمام والتي تبدأ من ترحيب واستقبال التبع (الذي يقوم بتقديم الخدمات المختلفة بين أقسام الحمام كخدمة الزبائن والشطف والتنظيف) للزبون في القسم البراني والذي ايضا يستلم منه الحوائج الشخصية، وانتهاء إلى توجهه نحو الناطور الذي يقدم له حوائج الاستحمام والتعتيبة (بقجة مناشف) والميزار الذي يلفه الزبون حول خصره. قائلا: "يتوجه الزبون بعد أن يتجرد من كل ملابسه للقسم الوسطاني، يجلس بضع دقائق ليتأقلم جسده مع الحرارة قبل الانتقال للقسم الجواني الأكثر حرارة، وفي القسم الجواني يبدأ الزبون بالاستحمام جالسا خلف أحد الأجران بمفرده أو بمساعدة العاملين في الحمام".

وأضاف أن بعد الانتهاء يخرج الزبون للقسم الوسطاني ويجلس فيه قليلاً قبل العودة مجدداً للقسم البراني حيث يأخذ استراحة طويلة يتناول خلالها المشروبات الساخنة كالشاي والزهورات والمليسة أو الباردة.

الحاج أبو علي البالغ من العمر 67 سنة خلال حديثه مع (eSyria) التي التقته داخل الحمام بين أن حمام السوق يشكل بالنسبة للغالبية العظمى من سكان المدينة مجرد ذكريات الأجداد وتراث تاريخي، قائلا: "غالب زوار الحمام هم من الذين يحبون بين فترة وأخرى العيش في أجواء الماضي إضافة إلى بعض الُسياح والغرباء".

أما منصور العاني البالغ من العمر 26 سنة يزور هذه الحمام للاستمتاع بطابعها الأثري وبخصوصية عمارتها، وبنمط التحمم فيها والى وفرة الماء الساخنة ووجود التدليك لكامل الجسم، إضافة إلى البخار الساخن في الساونا (غرفة البخار وقد اضيف مؤخرا لكل حمامات السوق).

وعن الطقم العامل في حمام السوق، أشار المعلم أبو محمد أنه كان يتألف منذ القدم من ستة أفراد ولكنه في الوقت الحالي وفي اغلب الحمامات يقتصر على المعلم والمكيس والتبع:

المعلم: وهو مالك الحمام أو مستثمره، يتولى إدارة العمل ضمن الحمام، كما يتسلم من الزبون حوائجه الشخصية خلال فترة الاستحمام، ويتسلم الأجر بعد الانتهاء.

الناطور: مسؤول عن استقبال وخدمة الزبائن داخل الحمام ضمن القسمين البراني والوسطاني، يساعد الزبون في خلع ملابسه ويقدم له التعتبية، كما يقدم للزبائن المشروبات المتنوعة بعد انتهائهم من الاستحمام، ينوب عن المعلم في حال غيابه.

الريس أو المكيس: مسؤول عن تلييف وتفريك الزبون بالصابون والماء، ولكن يجب أن يتحلى بقوة عضلية، ينحصر عمله داخل القسم الجواني، وفي الغالب كان يعمل لحسابه الخاص أي أنه يكسب أجره من إكراميات الزبائن ولا أجر له من صاحب الحمام.

التبع: مسؤول عن تغسيل رأس الزبون ومساعدة المكيس في عمله ضمن القسم الجواني، ويقوم بتقديم الخدمات المختلفة بين أقسام الحمام كخدمة الزبائن وشطف وتنظيف الأقسام، إضافة لمساعدة الناطور في جزء من أعماله.

القميمي : مسؤول عن إيقاد النار وتسخين الماء ويسكن داخل قسم القميم.

الزبال: يقوم بجمع القمامة وروث الحيوانات من الاصطبلات وتجفيفها قبل تسليمها للقميمي واستخدامها كوقود لتسخين الماء.

وإن كان الحمام مخصصاً للنساء قال المعلم أبو محمد: "يتألف على الشكل التالي: المعلمة، أو الناطورة، أو الاسطة وهي تقابل مستوى الريس عند الرجال، والبلانة تقابل التبع عند الرجال".

يتألف الحمام الدمشقي من عدة أقسام: القسم البراني: وهو القسم الخارجي أو القسم البارد من الحمام وفيه يقوم الزبون بخلع ملابسه عند الدخول وارتدائها عند الخروج .ويتميز القسم البراني بمساطب مفروشة بالأرائك والمساند ومجهزة بالمناشف، يستريح عليها المستحمون بعد انتهائهم، كما يتميز بباحة مسقوفة بقبة محاطة بالنوافذ تتوسطها بركة ماء.

القسم الوسطاني: وهو قسم معتدل الحرارة من الحمام، تحتوي جوانبه مساطب يستريح عليها المستحمون خلال فترات الاستحمام، وهو قسم مسقوف بقباب تحتوي على فتحات زجاجية.

القسم الجواني: وهو القسم الداخلي الحار من الحمام، مسقوف بقبة ذات فتحات زجاجية تسمح للضوء بالدخول، يتألف من إيوانين متقابلين يتوضعان على طرفي بيت النار، وضمن كل إيوان يوجد جرن أو أكثر يحتوي على الماء الساخن الواصل من بيت النار عبر شبكة تجري تحت أرض الحمام، ويتفرع عن كل من الإيوانين غرف أو مقاصير خاصة تحتوي كل منها على الجرن الخاص بها.

قسم القميم: وهو ملحق بالحمام وله مدخل خاص، يتم فيه تسخين الماء إلى أقسام الحمام، يحتوي على غرفة لسكن القميمي.

وبالعودة إلى المصادر التاريخية نجد أن وجود حمامات السوق العامة في دمشق يعود للعهد الأموي، والبعض الاخر أعادها للعصر الروماني، ولذلك لا صحة للمصادر التي تعيد تاريخ الحمامات للعهد العثماني فقد كانت موجودة في دمشق قبل ذلك بقرون.