عندما تظهر المشكلة -أي مشكلة تخص الأمور الحياتية في المجتمع- فإنها تبدأ من المواطن، هو من يلمسها أولاً، يعاني بسببها، يواجهها، يتحمل وجودها، ويسعى إلى الخروج منها. لكن فعلياً لا يمكن حلها إلا إذا وصلت إلى الجهات المعنية القادرة على اتخاذ القرار في تصحيح أو تعديل أو تجديد ما يمكّن للوصول إلى وضع أفضل، ولكي تتمكن تلك الجهات من التحرك لحل المشكلة، يجب أن تعلم بها أولاً، تعاينها، تتأكد من وجودها، وتدخل في تفاصيل (أصلها، وفصلها).

ففي حال كانت المشكلة تخص شريحة كبيرة من المواطنين، فلن يصعب على الجهات المعنية الاطلاع عليها، حيث إنها ستكون حديث الساعة، ووجبة مواقع التواصل الاجتماعي الأساسية، وضمن أبرز عناوين وسائل الإعلام، ومن أكثر المواضيع التي تتردد على ألسنة الناس من الوزير إلى سائق التكسي.

أما في حال كانت المشكلة تخص شريحة محددة من المواطنين؛ فئة من الطلاب، اختصاص معين من الأطباء، موظفو قطاع ما، العاملون في مهنة معنية، فلن تكون مهمة الجهات المعنية بسهولة الحالة السابقة، حيث إن الحديث عن المشكلة فقط لن يكون له التأثير ذاته، فالصدى سيقل كلما تطلب الوصول إلى دائرة أوسع.

في الحالة الآنفة الذكر، الحل الأمثل لوصول المشكلة إلى الجهات المعنية والقيام بإجراءات فعلية لحلها، هو التقدم بشكاوى رسمية من المواطنين المتضررين إلى الجهة المسؤولة عنهم، التي عليها أن تقدمها إلى الجهات المسؤولة الأعلى؛ أي صاحبة القرار لاتخاذ الإجراء المناسب.

قد يقول بعضهم إن هذا الحل «الوردي» غير قابل للتطبيق، ويتساءلون: منذ متى تستجيب الجهات المسؤولة لشكاوى المواطنين بهذه الطريقة؟

قد يكون الكلام مقبولاً إلى حدّ ما، لكن هل تعلمون، أنه من خلال تجربتي بإجراء عدد من التحقيقات الصحفية التي تخص مشكلات من النوع الذي يهم شريحة معنية من المواطنين، كان الجواب الأول للكثير من الجهات المعنية حول الواقع غير المقبول لهؤلاء الناس، أنه لم يصل إليها أي شكوى بهذا الخصوص؟ فكيف لهم أن يعلموا ما الذي (ينغّص عيشة) شريحة المواطنين المسؤولين عنها؟

فلماذا لا تكون الخطوة الأولى من المواطن نفسه؟ لماذا ينتظر ويصبر على المشكلة حتى تتفاقم، ولا يقوم بشيء إلا الإعلان عن معاناته لمن حوله؟ لماذا لا يكون المواطن المتضرر صاحب المبادرة بتقديم شكوى ضد المشكلة التي يعاني بسببها؟ فيكون بذلك على الأقل انتزع ذريعة عدم تحرك الجهات المسؤولة لحل مشكلته.

الوصول إلى قناعة بعدم جدوى الشكاوى مشكلة بحدّ ذاتها، لأنها توصل إلى طريق مسدود، وليس بوسعنا لتغير ذلك إلا دعم ونشر ثقافة الشكوى، وتفعيلها بالأسلوب الأمثل، لعلها تحقق الغاية المرجوة منها.