في ظل تصاعد مشكلة السكن العشوائي وانتشارها الواضح في المدن الكبرى وضواحيها، لم تدخر الحكومة السورية جهداً في وضع الحلول والخطط والبرامج لعلها تكون منقذ مخططاتها التنظيمية، إلا أن المشكلة تزداد تعقيداً في ظل تأرجح قضية "العشوائيات" بين كفتي الاستثمار العقاري الذي يقوده التاجر اللاهث وراء الربح السريع من خلال مضاربته بعملية بيع وشراء عقارات المواطن الحالم بسكن يلبي حاجته وكفة التنمية العمرانية التي تقف خجولة أمام الاستثمار العقاري في ظل عدم مراعاة الجوانب الاجتماعية والخدمية والإنسانية للعقارات المشيدة للمواطنين.

موقع"eSyria" التقى د.المهندس "عارف طرابيشي" استشاري في التنمية العمرانية والتخطيط الاستراتيجي حيث يقول: «منذ أربعين عاماً كان اسم المستثمر العقاري تاجر بناء وكان القانون السوري يحاربه، لأنه سابقاً كان يمنع تجارة العقار والبناء معتبراً إياه تجارة مضاربات، واليوم وقع الاقتصاد العالمي في أزمة سببها الاستثمار العقاري والمضاربات العقارية، بمعنى ثمة من يشتري ويبيع ونبقى "نضحك" على بعضنا حتى نكتشف أن كل هذا إنتاج غير حقيقي وغير مادي بمعنى هي تجارة أموال، عندها سقطت الرأسمالية العالمية تحت شعار اسمه الاستثمار العقاري، وفي سورية نقترف خطأً كبيراً بأننا بدأنا اليوم بتشريع الاستثمار العقاري بعد فشل هذه التجربة في الخارج وننسى أن همنا الأول هو التنمية العمرانية التي يقودها الفكر الهندسي وليس الاستثمار العقاري الذي يقوده مضارب العقارات».

يمكن حل مشكلة السكن العشوائي عن طريق مصارف وبنوك تمنح قروضا سكنية آخذين بعين الاعتبار خلق فرص عمل، وللأسف أغلب مخططاتنا التنظيمية تتعامل مع كتل بيتون دون أن تتجه نحو خلق فرص عمل من خلال مشاريع عمرانية وليست سكنية لما لها من أبعاد اقتصادية واجتماعية

وعن سبب اتجاه المواطن السوري نحو السكن العشوائي والتجمعات العشوائية وإعمار المناطق الزراعية يقول د.عارف: «إن ذلك يعود لسببين أساسيين؛ الأول هو حاجة المواطن الحقيقية للمأوى ضمن شروطها الاقتصادية الصعبة والثاني وجود تجار جشعين استغلوا حاجة المواطن بل شجعوه باتجاه السكن العشوائي، فالسكن العشوائي نتاج تاجر مستثمر جشع خفي، فثمة شريحة غير منظمة في الدولة يمكن أن تعرفهم ولكن غير معلن عنهم بشكل واضح بمعنى ثمة تجار غير مرخصين ليس لديهم شركة ولا رخصة، ومن هنا بدأت المشكلة وخير مثال على ذلك منطقة "مزة 86"».

مخالفات

بدوره يقول المهندس "عبد الكريم إدريس" مدير التنمية العمرانية سابقاً في وزارة الإدارة المحلية: «يمكن حل مسألة السكن العشوائي بطريقين، الأولى بخطة استراتيجية للمخالفات والثانية معالجات مرحلية وكلاهما يتعلق بنوع المشكلة، فعندما يكون هناك ثمة مشكلة تحتاج لحل فوري يمكن حلها بخطط قصيرة الأمد ولكن إذا كانت المشكلة تحتاج إلى وقت وكلف واستثمارات فبإمكاني حلها بخطط استراتيجية، وبنفس الوقت لا يمكن حل مشكلة المخالفات خلال فترة زمنية قصيرة لأنها بحاجة لاستثمارات ضخمة، وهنا يتضح دور الوحدات الإدارية لتنفيذ مشاريع خاصة أو محدودة لتعطي نوعاً من الطمأنينة في منطقة مخالفات».

يضيف المهندس "عبد الكريم": «عملية المعالجة معقدة لما لها من أبعاد اقتصادية واجتماعية وتأمين فرص عمل، وقانون التخطيط الإقليمي هو خطوة حل استراتيجي لهذه المشاكل لأنه يعمل على أمد طويل ويضع توجهات وخطط إستراتيجية تلامس كل القطاعات فهو خطوة حل إستراتيجية لتتمكن من علاج أسباب ظهور مناطق المخالفات، ومن خلاله يمكن العمل على تحسين البيئة الاجتماعية والخدمية لهذه المناطق، كان برنامج السكن الشبابي للمؤسسة العامة للإسكان مهماً جداً ولكن هذا البرنامج يحتاج للاستمرار لأن التعداد السكاني في تزايد، فإذا لم يستمر السكن الشبابي فسيبقى هنالك شباب بلا سكن، وإذا لم أخدم فإني سأهجر سكان المناطق غير المخدمة وهنا سأقع في حلقة مفرغة».

المهندس عبد الكريم إدريس

عن قانوني 15و33 ودورهما في حل مشكلة السكن العشوائي يقول المهندس "إدريس": «القانون 15 للتطوير العقاري أعطى فرصة كبيرة للتدخل في مناطق المخالفات أو السكن العشوائي، ولكن ثمة إشكالية كبيرة تتمثل بموضوع الملكية وهي تنوع كبير بإثبات الملكية، وهذا ما يمكن أن يعمل إرباكاً خاصة في مناطق العشوائيات وهنا أتى القانون 33 لحل هذه المشكلة، وهو متعلق بالتدخل في المناطق المملوكة على الشيوع وإفرازها عن طريق حل موضوع الملكية وإعطاء كل مالك إفرازا أو حصة، فالقانون /15/ وقانون /33/ ودخول شركات تطوير عقاري التي تؤمن استثمارات تحت مظلة الوحدات الإدارية هذا ما يمكن أن يعطينا حلولا يمكن أن تكون سريعة لبعض المناطق محددة».

من جهته بيّن المهندس "حسن جنيدان" مدير التخطيط العمراني في وزارة الإدارة المحلية أن خطة وزارة الإدارة المحلية فيما يخص معالجة السكن العشوائي تتمثل بالتعميم على كافة المحافظات بجرد كافة المخالفات وإعداد إضبارة كاملة لكل منطقة بما فيها الملكيات ومساحتها وحدودها وعدد السكان والحالة الاجتماعية لسكان المنطقة، والحالة الفيزيائية للأبنية ليتم عرضها في سوق الاستثمار العقاري.

المهندس "جنيدان" أشار إلى أن للوزارة توجهاتها لمعالجة هذه الظاهرة وذلك من خلال التشديد على الوحدات الإدارية لتطبيق القانون رقم /1/ لعام 2003 والمرسوم التشريعي /59/ لعام 2008 بخصوص مخالفات البناء، إضافة إلى الإسراع في توسيع المخططات التنظيمية للمدن خصوصاً الكبيرة وإعداد قانون التخطيط الإقليمي للمحافظات.

أما الباحث في القطاع العمراني المحامي "محمد نصر الدين الدالاتي" فيقول: «حاجة المواطن تجعل منه ضحية لأن يسكن في سكن عشوائي ليقع في براثن التجار الذين يستغلون حاجته، فمهما بنى التاجر من وحدات سكنية سواء أكانت مخالفة أم غير مخالفة، ولم يجد المواطن الذي يرغب بالسكن في هذه المناطق،فسوف يتوقف (التاجر)، فالعملية مرتبط بعضها ببعض، والتاجر في المحصلة يستغل حاجة المواطن».

وعن كيفية حل مشكلة السكن العشوائي يقول الباحث والمحامي "محمد الدالاتي": «يمكن حل مشكلة السكن العشوائي عن طريق مصارف وبنوك تمنح قروضا سكنية آخذين بعين الاعتبار خلق فرص عمل، وللأسف أغلب مخططاتنا التنظيمية تتعامل مع كتل بيتون دون أن تتجه نحو خلق فرص عمل من خلال مشاريع عمرانية وليست سكنية لما لها من أبعاد اقتصادية واجتماعية».