«يعد موضوع الفساد والإصلاح الاقتصادي في الوطن العربي موضوعاً هاماً خاصة بفكرته، وبمدى تأثير الحوكمة عليه، ولدينا اختلاف كبير من ناحية المصطلح اللغوي "الرشد" وهذه الكلمة قديمة جداً وأول ما وردت في القرآن الكريم بقوله تعالى: "فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون" صدق الله العظيم، كما ورد في المعجم العربي أن مصطلح رشيد وجمعه رشداء يعني "حسن التقدير"، وقد ورد في القران: "أليس منكم رجل رشيد؟" لذا ما أجمل أن يكون هذا المصطلح موجود في لغتنا العربية».

هذا ما تحدث به الأستاذ الدكتور "الأخضر عزي أبو علاء" أستاذ محاضر في جامعة "محمد بوضياف المسيلة" بالجزائر إلى موقع eSyria بتاريخ 15/10/2008 وأضاف قائلاً: «انطباعي عن "ورقة عمل" الأستاذ الدكتور "حسين القاضي" يعكس ما هو واقع في عمليات الإصلاح الاقتصادي في البلاد النامية والبارزة وقد تجسدت في كثير من هذه الدول بممارسات مضادة للتغيير وهذه الممارسات وجدت صداها العميق لدى طبقات المجتمع على مختلف توجهاتها السياسية، وقد دلت دراسات كثيرة في هذا الصدد الآن على أن رد الفعل ليس في بعده الخفي إلا محاولة مضادة للتغيير وكل هذه الظواهر تكبح سير الإصلاحات الاقتصادية وبالتالي تجسير محاربة الفساد بشأن صوره وآلياته وإقامة الحكم الرشيد في البلاد العربية، وهذا ما حمله بحث د."القاضي" من بعدٍ علمي واستراتيجي بحيث أبرز ما يعرف بـ"التهرب من تحمل المسؤولية"، وهذا التهرب من شأنه كبح اتخاذ القرارات ما يؤدي للفساد وهناك مؤشرات لقياس نسب الفساد، وتحتل البلاد العربية معدلات مخيفة».

تطرق الأستاذ الدكتور "حسين القاضي" إلى مبادئ الحوكمة وضرورة تطبيقها من قبل شركات الأعمال والالتزام بها من أجل أداء جيد، وتجنب المشاكل والانحرفات التي قد تحصل بسبب عدم الالتزام بقواعد ومبادئ الحوكمة، وهي أصبحت ضرورية بالوقت الحاضر بسبب ما نراه اليوم من أزمات ومشاكل دولية، والتي سببها غياب الإشراف والرقابة من الدولة، والأزمة المالية العالمية اليوم والتي هي في الحقيقة أميركية لكن الترابطات بين الاقتصادات الأخرى مع الاقتصاد الأميركي أثرت وسحبت الأزمة على العالم وسببها عدم الاتزام بضوابط وآليات الحوكمة حيث إن الولايات المتحدة التي تطلب من العالم الالتزام بالضوابط لم تكن هي ملتزمة بتلك الضوابط

الأستاذ الدكتور "حاكم محسن محمد" من كلية الإدارة والاقتصاد جامعة كربلاء بالعراق أضاف بالقول: «تطرق الأستاذ الدكتور "حسين القاضي" إلى مبادئ الحوكمة وضرورة تطبيقها من قبل شركات الأعمال والالتزام بها من أجل أداء جيد، وتجنب المشاكل والانحرفات التي قد تحصل بسبب عدم الالتزام بقواعد ومبادئ الحوكمة، وهي أصبحت ضرورية بالوقت الحاضر بسبب ما نراه اليوم من أزمات ومشاكل دولية، والتي سببها غياب الإشراف والرقابة من الدولة، والأزمة المالية العالمية اليوم والتي هي في الحقيقة أميركية لكن الترابطات بين الاقتصادات الأخرى مع الاقتصاد الأميركي أثرت وسحبت الأزمة على العالم وسببها عدم الاتزام بضوابط وآليات الحوكمة حيث إن الولايات المتحدة التي تطلب من العالم الالتزام بالضوابط لم تكن هي ملتزمة بتلك الضوابط».

الأستاذ الدكتور الأخضر الغزي

موقع eSyria التقى الأستاذ الدكتور "حسين القاضي" وأجرى معه الحوار التالي:

  • قدمت ورقة عمل حول حوكمة الشركات ودورها في الإصلاح الاقتصادي، وتطرقت إلى الفساد والإصلاح الاقتصادي في الوطن العربي، فهل يقتصر الفساد على الوطن العربي؟
  • الأستاذ الدكتور حاكم محسن محمد

    ** بالطبع لا يقتصر الفساد على الوطن العربي، بل إنه ظاهرة عالمية رافقت البشرية في كافة مراحل تطورها، وهذا ما يجعل دول العالم أجمع تتلمس التكلفة الاقتصادية الباهظة، والمشكلات الاجتماعية المدمرة الناجمة عن الفساد في العقود الأخيرة بسبب الأزمة الاقتصادية التي يشهدها العالم، وما فتئت مجموعات دولية من قبيل منظمة التجارة العالمية، ووكالات الأمم المتحدة، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ومنظمة الدول الأميركية، والاتحاد الأوروبي، ومجلس أوروبا، تدرس مشكلة الفساد باعتباره من أعظم المشكلات التي تواجه البشرية؛ بحكوماتها ومنظماتها الدولية وأحزابها ومنظمات المجتمع المدني والمجالس التشريعية والأسواق المالية والهيئات الاستثمارية وبقية فئات الشعب، ولعل أبرز الجهود التي ظهرت مؤخراً في مجال رصد مستويات الفساد المستشري في العالم كان تأسيس المنظمة الدولية للشفافية عام 1993، إذ تقوم هذه المنظمة برصد مستويات الفساد في عينة كبيرة من دول العالم ووضع بعض الدراسات الأكاديمية في مجال مكافحة الفساد وتتعاون هذه المنظمة في سبيل تحقيق أهدافها مع معهد "جالوب GALOB" ذائع الصيت في الدراسات الاجتماعية، وقد اعتمدت تقديرات المنظمة على الاستبيان الذي يسأل المستجوبين عن رأيهم في مستويات الفساد السائدة في قطاعات اقتصادية واجتماعية مختلفة في ستين دولة من دول العالم.

  • ذكرت أنه تم تأسيس المنظمة الدولية للشفافية عام 1993، ما مضمون تقريرها حول تفشي الفساد في الدول الأجنبية قبل العربية؟
  • الأستاذ الدكتور حسين القاضي

    ** تشير بيانات هذه المنظمة لعام 2007 إلى أن كلاً من الدانمرك وفنلندا ونيوزيلندا قد تربع على عرش الشفافية بين دول العالم؛ فحققوا نسبة 9.4 من عشرة، أما هولندة وسويسرا فقد حققت 9 من عشرة، وتأتي بعدها بريطانيا العظمى 8.7 وألمانيا 7.8 فاليابان 7.5 ففرنسا 7.3 والولايات المتحدة 7.2، ويزداد الفساد في العملاقين الآسيويين الصين الشعبية والهند إذ بلغ مؤشر الشفافية لديهما 3.5 ومع ذلك فهما أفضل من إيران التي بلغ معدل الشفافية فيها 2.5 فقط، أما الدول العربية فيمكن تصنيفها بحسب درجة الشفافية التي نشرتها المنظمة الدولية للشفافية إذ يبلغ الوسط الحسابي على مستوى الوطن العربي 3.5 وهو معدل يشير إلى ارتفاع نسبة الفساد في الوطن العربي بشكل عام، ولدى محاولة تفسير التباين في مستوى الفساد بين الدول العربية نجد أن الثروة النفطية لا تفسر هذا التباين؛ فالعراق وهي الدولة الثانية في إنتاج النفط واحتياطياته تعد أكثر الدول فساداً بعد الصومال، في حين بدت قطر الدولة الأكثر شفافية، أما ليبيا وهي دولة نفطية أيضاً فهي ذات شفافية منخفضة وفساد مرتفع 2.5، حيث توجد الدول الثلاث الأكثر فساداً في الوطن العربي وهي: الصومال والعراق والسودان، رأينا أن الإرهاب والحروب الأهلية والصراعات الطائفية والإثنية السائدة في هذه الدول تفسر ارتفاع مستوى الفساد في ظل سيادة الميليشيات المسلحة التي تعطل القوانين والأنظمة وتجعل الدولة لا تمثل كافة فئات الشعب، أما إذا اعتبرنا الفساد يعود إلى غياب القيم الدينية وعدم الحكم بمقتضيات الشريعة الإسلامية فنلاحظ أن نسبة الفساد في المملكة العربية السعودية بحسب بيانات المنظمة الدولية للشفافية يبلغ 6.6 أي إن الشفافية تبلغ 3.4 فقط، وأن الوضع في دول خليجية أخرى كالكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة أفضل من السعودية بكثير رغم أن هذه الدول تحكم بموجب قوانين وضعية مأخوذة في معظمها من التشريعات السائدة في الدولة المستعمرة سابقاً أي بريطانيا، وقد تم تطوير هذه التشريعات بعد رحيل الاستعمار البريطاني في ضوء الخبرات المكتسبة محلياً والتطورات الاقتصادية التي يشهدها عصر العولمة الذي نعيش فيه، ولعل الميزة التي تركت أثراً هاماً هي احترام القانون وضمان تكافؤ الفرص وتبسيط الإجراءات الحكومية.

  • إذاً هناك مشكلة الفساد ما الحلول الناجعة برأيك لحل أزمة الفساد والإصلاح الاقتصادي في الدول العربية؟
  • ** من أهم سياسات مكافحة الفساد على مستوى كل دولة من الدول العربية هي "شفافية موازنة الدولة" إذ إن المال العام الذي يدور حوله الفساد الإداري يتمحور في الأغلب حول موازنة الدولة وما يدخل فيها من نفقات جارية أو نفقات رأسمالية تنفذ في الأغلب عن طريق العقود مع القطاع الخاص المحلي أو الأجنبي تغلفها سرية تامة ومركزية شديدة لحماية عمليات الفساد، ولا شك في أن وضع الأوراق فوق الطاولة وليس تحتها وإتاحة الفرصة للجميع للاطلاع على كل ما يجري يسهم إسهاماً مباشراً في جعل المعركة ضد الفساد معركة الشرفاء كافة، ولا يقل أهمية عن ذلك التركيز على ضرائب الدخل باعتبارها الأكثر عدالة من ضريبة القيمة المضافة وغيرها من الضرائب غير المباشرة بالإضافة إلى إحاطة هذه الضريبة وغيرها بجو من الشفافية والبساطة والوضوح، وكذلك "تدعيم استقلال أجهزة الرقابة العليا"، إذ إن في كل دولة عربية جهازاً للرقابة العليا وأحياناً يوجد جهاز خاص للشفافية وآخر لمراجعة الحسابات الذي يتولى قطع حسابات الحكومة من إيرادات ونفقات والتحقق من التقيد بالاعتمادات المخصصة وصرفها بكفاءة وفعالية أي الحصول على أحسن الخدمات بأقل الأسعار، بالإضافة إلى التحقق من إدارة الشؤون العامة بشفافية والتحقيق بالانحرافات، ولما كانت عمليات الفساد الكبرى تتم في الأغلب بمباركة السلطات العليا فإن جعل هذه الأجهزة تابعة للسلطات التنفيذية يفقدها مبرر وجودها، ويجعلها لا تحاسب إلا الموظفين الصغار أو المغضوب عليهم من كبار الموظفين، ولعل الخلل في هذا الجانب يكمن في طبيعة النظم السياسية في الوطن العربي التي تفتقر إلى فصل واضح بين السلطات، مع "تدعيم السلطة القضائية" والذي يتمثل في غياب المحكمة العليا التي تراقب دستورية القوانين التي تسنها السلطة التشريعية والإجراءات التي تتخذها السلطة التنفيذية وتفسح المجال لأي مواطن أن يتقدم بطلب للتحقق من مثل هذه القوانين أو القرارات، وعدم فاعلية مجلس القضاء الأعلى وهيمنة السلطة التنفيذية عليه، وعدم أتمتة الإجراءات والمستندات وتكدس المعاملات، والأهم من ذلك "تقوية الرقابة الإعلامية".