«في السنواتِ الأخيرةِ الماضيةِ تفاقمت مشكلةُ تأمينِ المياهِ للمواطنِ في العديدِ من مناطقِ القطر، وبدأت شيئاً فشيئاً هذهِ المشكلةُ تتصدرُ صحفَنا المحليةَ فلا يمضي يومٌ ولا نطالع فيه مقالاً أو تقريراً أو زاويةً تتحدث عن نقصٍ في كميةِ المياهِ أو عن عدمِ الرضا عن نوعيتها حتى في البيوت فقد أصبحَ هذا الموضوعُ حديثَ الناسِ اليومي "انقطاع الماء لعدة أيام متتالية أو السهر الليلي حتى الصباح لتعبئة الخزانات"، وقد أصبحَ منظر الصهاريجِ المحملةِ بالمياهِ- غيرِ الموثوقةِ المصدر- تجوب الشوارعَ منظراً مألوفاً وشاهداً على وجودِ مشكلةٍ ما أو أزمةٍ ما».

هذا ما تحدث به السيد "زياد حرب" لموقع esyria بتاريخ 7/9/2008 قائلاً: «المهندس "أسامة انديوي" هو واحد من الفنيين الذين يحاولون طرح إشكالية المياه ووضع الحلول الناجعة لها وخاصة مياه الشرب لما لها من أهمية في مواجهة صعوبة الحياة وعدمِ القدرةِ على تلبيةِ حاجاتِ المواطنين المتزايدةِ للمياه».

موقع eSyria التقى المهندس "أسامة انديوي" مدير الموارد البشرية في مشروع تزويد /14/ قرية ومخيمين في جنوب غرب "دمشق" في "مؤسسة مياه الشرب والصرف الصحي" وأجرى معه الحوار التالي:

السيد زياد حرب

*ما أسباب مشكلة المياه التي نعيشها محلياً الآن؟

** تكمن أسباب المشكلة في محدودية العرض وذلك بسبب قلة الموارد المائية وعدم تجانسها المكاني وعدم انسجام هذا التوزع مع التوزع السكاني، وكذلك الكفاءة المنخفضة في تنمية وإدارة هذه الموارد، وزيادة نسب التبخر بسبب الموقع الجغرافي، بالإضافة للزيادة الكبيرة المتسارعة على الطلب الناتجة عن تزايد معدلات النمو السكاني وتزايد معدلات الاستهلاك "المنزلية والصناعية والسياحية"، وتزايد الطلب على الغذاء مما أدى لزيادة في الاستهلاك الزراعي، وعدم الكفاءة في استخدام طرق الترشيد.

المهندس أسامة انديوي مدير الموارد البشرية

*ما الحل الفني والعلمي برأيك؟

** لمعالجة هذه المشكلة لدينا خيارات من أهمها: تنمية الموارد المائية المتاحة "تنمية الموارد التقليدية" منها: مياه الأمطار، بما أن زيادة كمية الهطول عملية معقدة وتحتاج إلى طرق حديثة وغير تقليدية فلننظر إذن إلى مقدار الاستفادة من هذه الأمطار في وضعها الحالي، فقد أشارت المصادر إلى أن نسبة الاستفادة من هذه الأمطار قليلة ولا بد من العمل على زيادتها عن طريق "التخزين الدائم للمياه ومتابعة بناء السدود السطحية" وحصاد المياه بكافة الطرق الممكنة، ثم الموارد السطحية والتي تشمل الأنهار والينابيع والبحيرات، والموارد السطحية لأن طبيعة المجاري المائية السطحية لا تسمح ببناء سدود كبيرة، إذا ما استثنينا سد "الطبقة"، وسد "الرستن"، وسد "تشرين"، وسد "قطينة"، فإن السدود الباقية هي سدود صغيرة محدودة الأهمية، وإن خيار تنمية الموارد المائية عن طريق التخزين يكاد يصل إلى نهايته، فلم يبق من الأحواض التي يمكن إنشاء سدود عليها سوى حوض نهر "الكبير الجنوبي".

  • برأيك استراتيجياً كيفية الحل؟
  • ** على الصعيد الاستراتيجي لا بد من إيجاد حل لهذه المشكلة من خلال إعداد الدراسات الهندسية وإنشاء منظومات للتخزين الجوفي مثل: التغذية الصناعية عبر حقن الحوامل المائية بفائض الينابيع، والتغذية الصناعية عبر حقن الحوامل المائية بمياه الصرف المعالجة بعد التأكد من أن هذه المياه لن تلحق ضرراً بها، وحصاد الأمطار، وحتى يتم ذلك لا بد من المضي قدما في استكشاف مواردنا الجوفية وتحديث المعطيات المتعلقة بها، والعمل على استثمار المكتشف منها بصورة سليمة.

    *ذكرت في سياق الحديث عن الموارد المائية غير التقليدية وهل يمكن الاستفادة منها؟

    ** الموارد المائية غير التقليدية هي مياه الصرف الصحي التي غالبا يتم صرف المياه العادمة إلى الأنهار إن وجدت وبذلك يمكن الاستفادة من هذه المياه في عمليات الري، لكن يجب معالجة هذه المياه قبل صرفها على الأنهار وذلك حفاظا على البيئة الحيوية داخل المياه.

    لذلك لا بد من العمل سريعا لبناء محطات صرف صحي في كافة القرى والبلدات والمدن وذلك لتحقيق الأهداف منها "الحفاظ على صحة المستهلك للمنتجات المروية بهذه المياه، والحفاظ على صحة الفلاح المستثمر لهذه المياه وعلى بيئة نظيفة، والاستفادة من رواجع هذه المياه والتي ستساهم مساهمة كبيرة في تنمية مواردنا المائية، وإن تأهيل المياه المصروفة نتيجة الري لإعادة استخدامها مرة أخرى لأغراض الري الزراعي هي عملية مهمة جدا ويمكنها أن توفر لنا كميات جيدة من المياه وكذلك بناء قنوات الصرف الزراعي التي تقلل كثيرا من نسبة الهدر الحاصل أثناء الجر لمسافات طويلة، مما يتطلب ترشيد استعمالات المياه".

  • ما الأساليب الناجعة لترشيد استعمالات المياه؟
  • ** من أهمها تطوير أساليب الري واستخدام طرق الري الحديثة، إن الري بالغمر سهل الاستخدام وقليل التكاليف ولا يحتاج إلى مهارات خاصة غير أنه يستهلك كميات كبيرة من المياه وقد يسبب تملحاً للتربة وهو غير اقتصادي، وترشيد استخدام المياه في الري معناه العملي هو الانتقال من الري بالغمر إلى الري بالرش أو بالتنقيط، والري بالرش يحافظ على المياه ويحد من هدرها ويسمح بالتحكم بكمية المياه المقدمة.

    إذن لا بد من استبدال الشبكات المكشوفة للري بشبكات من مواسير تحت أرضية بحيث نقلل من فاقد المياه ونوفر ضغطا كافيا لاستخدام هذه المياه في عمليات الري بالرش أو التنقيط واستخدام طرق الري الحديث والتي تقلل من هذا الفاقد.

  • ما الاستنتاجات والمقترحات التي توصلتم إليها؟
  • ** الاستنتاجات أننا سنواجه في المستقبل القريب وضعا مائيا صعبا، فحصة الفرد من الموارد المائية المحدودة في طريقها للتناقص بسبب معدل التزايد السكاني الكبير وزيادة الطلب على الغذاء، فلا بد من المضي قدما في تنمية هذه الموارد والاستفادة من رواجع الصرف الصحي والصرف الزراعي، وإعادة النظر ببرامج تنظيم الأسرة وتفعيلها من جديد لأن من أهم أسباب زيادة الطلب على المياه هو التزايد السكاني الكبير، وبما أن إمكانية تنمية الموارد أصبحت محدودة فلا بد من الإلتفات إلى موضوع الترشيد في استعمالات المياه ولا سيما الانتقال من طرق الري بالغمر إلى طرق الري الحديث والانتقال من الشبكات المكشوفة إلى الشبكات المغطاة واستنباط أصناف نباتية تحتاج لكميات أقل من المياه وهذه الإجراءات يمكنها أن تؤخر لحظة الوصول إلى مرحلة العوز المائي، ومقترحاتنا أن يتم وضع استراتيجية واضحة لأولويات استخدامات المياه لأغراض الشرب هي أولوية غير قابلة للتفاوض فهدف أي تقدم أو تنمية أو تطور هو الإنسان، فإما أن تؤمن المياه له بشكل كاف أو تشجيعه على الانتقال إلى أماكن تواجد المياه ضمن خطط التنمية المستقبلية، واستخدام المياه للأغراض الصناعية لأن العائد المادي لاستخدام المياه في الصناعة كبير قياساً لاستخدامه لأغراض الري، على أن تستخدم هذه المياه بعد معالجتها لأغراض الري، وطرح استعمال المياه في مجال السياحة والاصطياف لأنها الأكثر ربحاً من استخداماتها الأخرى والوصول للأمن الغذائي المنشود، مع تطوير إدارة الموارد المائية وتوحيد الجهات الوصائية عليها بما يقلل من الإجراءات البيروقراطية ويحسن من كفاءة هذه الإدارة، وهنا لا بد من التشدد في تطبيق القوانين المائية التي من شأنها الحفاظ على هذه الثروة وحمايتها من الهدر، مع الأخذ بعين الاعتبار مفهوم التخطيط الإقليمي والتنمية المتوازنة التي تعتمد على توفر الموارد وإيجاد الطرق والسبل الخلاقة لجذب السكان إلى المناطق التي تتوفر فيها المياه، ودراسة جدوى استخدام آلية تعرفة مرنة للمياه لاستخداماتها المختلفة كوسيلة اقتصادية لتنظيم الانتفاع بالموارد المائية، وخلق ثقافة مائية لدى المواطنين تساهم في ترشيد استخدامه للمياه وتعامله مع الموضوع المائي، وقد يكون من المناسب تخصيص حصص دراسية في المدارس على مختلف مستوياتها للتعريف بالوضع المائي في القطر.