منطقة مغرقة في القدم، بناها الآراميون بالتزامن أو يكاد مع مدينة "دمشق"، وتبعد عن مركزها حوالي 8كم، تم بناؤها في البداية كمعسكر متقدم لصد الهجمات عن "دمشق"، ومع مرور الوقت تحولت إلى جزء من المدينة، حالياً جميع أبنيتها طابقية حديثة ويقطنها خليط سوري عدده حوالي ربع مليون نسمة.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 16 تشرين الثاني 2014، الباحث "منير كيال"، وسألته عن حي "كفرسوسة"، فقال: «تعد من الأحياء القديمة جداً في "دمشق"، ويشتهر بزيت الزيتون الذي يرسل إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة "زيت الحرمين الشريفين" لإنارة الديار المقدسة، أو الذي كان الحجاج يأخذونه معهم عادة إلى الحج، وكان يتميز نقل الزيت بالمهرجان، وكان يحتفل فيه أهل الشام في ثاني أيام عيد الفطر، كما تتميز المنطقة بأن جمال الحج الشامي كانت تخرج منها باتجاه "مكة المكرمة"».

بني في "كفرسوسة" أقدم مساجد "دمشق"، وهو مسجد "كفرسوسة الكبير"، وهناك مكان أثري وحيد وهو مكان "الشيخ عبد الرحمن المسجف العسقلاني" الذي بني 613هــ

ويضيف "كيال" عن عادات وتقاليد أهل الحي: «تمتع أهل "دمشق" منذ القدم بخصائص اشتهروا وعرفوا بها، فقد أُثر عنهم رقة الحاشية، ولطف المعشر ورحابة الصدر، والتجمل والاستغناء والبرّ، فجعلوا لمدينتهم طابعاً تمثل في علاقاتهم وطباعهم وسلوكهم وتطلعهم إلى الحياة، وقد تمثل ذلك في التحاب والوفاء والإيثار، كان الرجل إذا أراد أن يفرح بزواج ابنه، والبيت ضيّق عليه، يستأذن جاره بالسماح له ببناء جدار مشرقة بيت ذلك الجار لبناء غرفة يزوّج بها ابنه، والأمر كذلك في مناسبة "الطهور" (الختان) التي كانت من أهم المناسبات التي تحتفي بها الأسرة في إطار من التقاليد والأعراف، كما تتوافد عراضات الأحياء المجاورة، على سبيل المشاركة بأفراح هذه المناسبة العزيزة على قلوب أسرة المحتفى بهم».

داخل تنظيم كفرسوسة

وأشار السيد "عبد الرحمن تقي" مختار حي "كفرسوسة" بالقول: «تعود بقدمها إلى العهد الآرامي، وكانت قديماً مستودعاً للخيول، "كفرسوسة" لفظ بالسريانية إحدى اللهجات العربية القديمة - أصله كُفرسوسية بضم الكاف، وهو من شقين كفر وتعني المزرعة، والشق الثاني سوسية وتعني الخيل، وبذلك يكون المعنى مزرعة الخيل، تبعد "كفر سوسة" عن مركز مدينة دمشق "منطقة المرجة"، وهي وسط المدينة لمسافة تتراوح بين 6 إلى 8كم تقريباً، وتقسم إلى ثلاثة أحياء وهي: "البلد"، و"الواحة"، و"اللوان" وجزء من حي "الإخلاص"، ويبلغ عدد سكانها ما يقارب 90 ألف نسمة، وحالياً "كفر سوسة" من المناطق الحديثة بمخططها العمراني وعماراتها وأبراجها السكنية العالية، وقد ذكرها "ياقوت الحموي" في معجم البلدان باسم كفرسوسية».

ويضيف: «اشتهرت "كفرسوسة" بالزراعة وتربية الأبقار، فكان عدد رؤوس الأبقار فيها 7 ألاف رأس، لكنها فقدت وجودها حالياً بسبب دخول التنظيم العمراني والحجر، وكان فيها الكثير من أشجار الزيتون القديمة، كما يمتاز الحي بوجود نسبة عالية من التعليم، ويضم الحي مدرستين ثانويتين، وثلاث مدارس شرعية، واثنتي عشرة مدرسة ابتدائية، وجمعية فلاحية».

السيد عبد الرحمن تقي مختار كفرسوسة

وختم "تقي" بالقول: «بني في "كفرسوسة" أقدم مساجد "دمشق"، وهو مسجد "كفرسوسة الكبير"، وهناك مكان أثري وحيد وهو مكان "الشيخ عبد الرحمن المسجف العسقلاني" الذي بني 613هــ».

ويشير "ياقوت الحموي" في معجم البلدان": «بنيت "كفرسوسة" بالتزامن مع مدينة "دمشق" أو بعدها بعقود قليلة، حيث لاحظ الآراميون بناة "دمشق" أن معظم الغزوات إنما كانت تأتي من جنوب المدينة؛ لذلك شعروا بالحاجة إلى معسكر متقدم لحماية المدينة وتنبيه سكانها من هذه الغزوات، فاختاروا كفرسوسة لمياهها الغزيرة وأرضها الخصبة وجعلوها معسكراً متقدماً».

كفرسوسة من غوغل إيرث.

وأشار السيد "ماجد أبو دقن" من أهالي المنطقة، الذي تصادف وجودنا معه عند المختار، وقال: «تقع "كفرسوسة" في قلب العاصمة "دمشق"، حالياً تعد من أرقى الأحياء السكنية في مدينة "دمشق" وتمتاز بأبراجها السكنية العالية، وفيها فندق "الكارلتون" والعديد من الأسواق الضخمة ويتوضع فيها أشهر مركز تسوق في "دمشق" وهو "الشام سيتي سنتر"، وفيها موقف يدعى "الجمالة"، حيث كانت تشتهر بتربية الجمال وتجارتها، وكانت جمال محمل الحج الشامي تخرج من هذه المدينة».