كل بيت في هذا الحي حديقة بحد ذاتها، سكن فيه الأمير "عبد القادر الجزائري"، ودفنت فيه السيدة "رقية بنت الحسين"، و"الظاهر بيبرس"، وفيه أحد أبواب "دمشق" السبعة القديمة؛ "باب الفراديس"، يختصر هذا الحي تاريخ "دمشق" بطريقة بنائه، والمعالم الموجودة فيه.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 14 أيلول 2014، الباحث التاريخي "محمد محمد"؛ الذي قال: «يعد أبرز أحياء مدينة "دمشق" القديمة، فيه باب يسمى "الفراديس"، يؤدي إلى حي دمشقي شهير وهو حي "العمارة"، ويقسم سكان الحي إلى قسمين: "براني، وجواني"، فما كان داخل السور يسمى "العمارة الجوانية"، وما كان خارج السور يسمى "العمارة البرانية"، يقع على بعد بضعة أمتار من المسجد الأموي الكبير».

شهدت منطقة "العمارة" نشوء شخصيات عظيمة عديدة ساهمت في صنع تاريخ المنطقة والعالم، نذكر منها الأمير "عبد القادر الجزائري، الأديب عزت محمد خير حصرية، الكاتبة وفاء الكيلاني، والشيخ رمضان ديب"

ويضيف: «منطقة "العمارة" هي واحدة من أقدم أحياء المدينة، وتعود إلى زمن تأسيس المدينة وعمارتها، ومن هنا استمدت اسمها، يمكن للمشاهد وللناظر رؤية مآذن مسجد بني أمية الكبير من كل منزل في الحي تقريباً، والأسواق القديمة ليست ببعيدة عن الحي أيضاً».

داخل سوق العمارة

وأشار السيد "عدنان الطباع" من أهالي الحي بالقول: «تنتشر في الحي البيوت العربية ذات الطابع الشرقي التقليدي مع الزخرفة الإسلامية، وهي أبنية أثرية تمتاز بفناء داخلي واسع يسمى بـ"أرض الديار"، تحيطه الغرف وتتوسطه بركة ماء جميلة، فلا يكاد بيت دمشقي يخلو من شجرة ياسمين أو غاردينيا، وتتكون البنية العامة لها من المواد الأولية المتوافرة في البيئة المتوسطية عامة؛ وفي غوطتي "دمشق" خاصةً من أخشاب وأحجار بازلتية وكلسية، فالشوارع داخل "العمارة" مرصوفة بالطوب الأسود».

وعن العادات التي لا يزال أهلها محافظين عليها يقول "الطباع": «نمط العيش في المجتمع الدمشقي القديم كان وما زال عائلياً بامتياز، حيث يقطن في البيت الواحد أسرة مؤلفة من ثلاث عائلات يتعدد أفرادها، من أهم عادات هذا الحي "السفرطاس"؛ حيث تجد أن "السفرة" في كل بيت تتكون من أصناف عديدة هي نفسها الأصناف في البيت الآخر؛ لأن كل بيت يقوم بإرسال "سفرطاس" من طبخه إلى جيرانه».

صورة لمقام السيدة رقية

ويختم بالقول: «شهدت منطقة "العمارة" نشوء شخصيات عظيمة عديدة ساهمت في صنع تاريخ المنطقة والعالم، نذكر منها الأمير "عبد القادر الجزائري، الأديب عزت محمد خير حصرية، الكاتبة وفاء الكيلاني، والشيخ رمضان ديب"».

وعلى الشارع الرئيسي لحي "العمارة" يمتد سوق طويل يكتظ بالدكاكين، تتنوع فيه المحال من الحلويات إلى الموالح، إلى المنظفات والأدوات الصحية والخردوات.

على الشارع الرئيسي بين شارع الثورة والعمارة

ويشير السيد "أحمد عيد" صاحب محل لبيع البن في الحي: «يحد السوق من الشرق "باب توما"، ومن الغرب "القزازين"، ومن الجنوب "شارع الثورة"، ومن الشمال "العصرونية"، وكان أصحاب المحال في سوق "العمارة" يمتهنون "القصابة"، ولكن حالياً تتنوع المهن في السوق، حيث يبلغ عدد السكان الأصليين نحو 25 ألف نسمة».

ومن الناحية الآثارية؛ أشار الآثاري "عقبة معن" بالقول: «يمتلك "حي العمارة" الدمشقي القديم القريب من الجامع الأموي العديد من الأوابد والمباني القديمة الأثرية، حيث تقع المكتبة الظاهرية تقابلها المدرسة العادلية الكبرى أو "مجمع اللغة العربية"، حيث يظهر الانسجام الواضح بين البنائين، وكأنما أراد المصمم أن يؤلف منهما وحدة عمرانية يتحديان الزمن والفناء بروعة وجلال، إضافة لوجود ضريح الظاهر ببيرس 676هـ-1277م، وفي حي العمارة باتجاه باب البريد شارع ضيق معبد بالحجر البازلتي الأسود، مشت عليه في يوم ما عربات السلاطين والملوك والأمراء وقادة الجيوش، وفي الحي يقع مقام السيدة "رقية بنت الحسين"، بني المقام على قبر السيدة "سكينة" في عام 1985 بطراز معماري فارسي؛ مشغول بتناظر رائع وتلبيس بالذهب، ويجاور المقام مصلى إلى جانبه باحة صغيرة».

ويضيف: «من حاراتها الشهيرة حارة "السبع طوالع" خلف المكتبة، وفيها أقام الأمير "عبد القادر الجزائري" قصراً في "العمارة الجوانية" أوائل القرن التاسع عشر، وكان لهذا القصر جسر خشبي على فرع نهر "العقباني"، يصل بين زقاق النقيب حيث القصر، وبين حي "الشرف الأعلى"، ومن أزقة "العمارة الجوانية" زقاق "النقيب"، و"بين السورين"».

ويذكر "ابن عساكر" في كتابه "تاريخ دمشق": «يُطلق العامة على"باب الفراديس" اسم "باب العمارة"؛ ويقع في الجهة الشمالية من المدينة القديمة، وهو من الأبواب السبعة الأصلية؛ بناه الرومان ونسب لكوكب عطارد، سمي الباب بهذا الاسم نسبة إلى محلّة كانت قبالته خارج السور تسمى "الفراديس"، وكانت ملأى بالحدائق الغناء والبساتين».