للسائر في طرقات الشام القديمة أن يسمع وقع أقدامه بجرس لن يسمع مثيلاً له في العالم، عند مروره من سور قلعة "دمشق" الغربي بقرب الكثير من المعالم التاريخية والحضارية والثقافية في "دمشق"، فيجد متحفاً للزهور الذي يعيد فصول تاريخ "دمشق" القديمة من جديد.

مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 26 آب 2014؛ التقت رئيس الجمعية السورية للبيئة المهندس "سمير الصفدي"، الذي حدثنا عن هذه الحديقة بالقول: «هي أول حديقة بيئية تم إنشاؤها في "سورية"، وبالتحديد في قلب "دمشق" القديمة، كان حرم فرعي النهر اللذين يمران في الحديقة في الماضي عبارة عن بساتين، وكان يوجد على طرفها مقهى الزعيم، لكن مع التطور العمراني تحولت المنطقة إلى مكبٍّ للنفايات والأوساخ، ثم تحولت إلى مرآبٍ لسيارات القمامة وبائعي البسطات، كان المنظر حينها غير حضاري للمنطقة، هنا جاءت فكرة الجمعية السورية للبيئة بتحويل مكب النفايات هذا إلى حديقة بيئية، تجمع كل الرصيد النباتي المتأقلم مع البيئة الدمشقية، فبدأنا العمل على ذلك؛ إذ كانت الأرض حينها ملكاً لوزارة الزراعة، ثم انتقلت إلى مديرية حدائق محافظة "دمشق"، على أن تتحول إلى حديقة وتتولى الجمعية السورية للبيئة عملية إنشائها بناءً على طلبنا، بدأنا إنشاء الحديقة عام 2003 بالتعاون مع السفارة السويسرية التي قامت بتمويل جزء لا بأس به من المشروع، وكانت الجدران حول فرعي النهر حينها ترابية؛ فقمنا ببناء جدار حجري بدلاً منها، واستمرَّ العمل فيه مدة عامين ونصف العام تقريباً، أما إنشاء الحديقة فلم يستمر أكثر من عشرة أشهر فقط، ليتم افتتاحها في العام 2005، بمساحة 1700 متر مربع».

حديقة مميزة تشكل لوحة فنية طبيعية، تجذب أنظار الزائر إلى المنطقة بأشجارها ونباتاتها الخضراء وتصميمها الرائع، كما أن المقهى يمتاز بهدوئه وبنائه وتأثيثه الداخلي الرائع، فهذه الحديقة تدعوك إلى استراحة قصيرة بين ممراتها، للتمتع بهدوئها قبل القيام بجولة في أرجاء مدينة "دمشق" القديمة

وأضاف قائلاً: «الحديقة مؤلفة من ثلاثين جزيرة بمناظر خلابة، تجذب الناظر إليها بسحرها، كل جزيرة منها تحوي نوعاً مخصصاً من النباتات، ومنها: "جزيرة نباتات الظل، جزيرة النباتات الصخرية، جزيرة الزينة القديمة، جزيرة الغابات، الجزيرة المائية، جزر محاصيل الغوطة، جزيرة الأشجار المثمرة"، وغيرها الكثير.

الياسمين يغطي محيط الحديقة

فهذه الحديقة تضم نحو ثلاثمئة نوع نباتي مختلف، تمثل أهم وأشهر أنواع النباتات، أي ما يعادل عشرة بالمئة من النباتات الموجودة في كامل "سورية"، حيث حاولنا بذلك أن تحوي معظم النباتات المشهورة في معظم المناطق السورية، كما ضمَّت بين أرجائها نباتات البيت الشامي وغوطة "دمشق" ووادي بردى والجبال المحيطة به، ولذلك سميت بالحديقة الشامية، ومن الأشياء اللافتة أن محيط الحديقة مغطى بالياسمين الدمشقي، كما توجد جزيرة خاصة بالياسمين؛ ما أضفى عليها عبقاً وأصالة دمشقية الطراز.

وقد حاولنا أن يكون للحديقة نظام بيئي متكامل، وذلك بعدم استخدام المبيدات الحشرية إلا عند الضرورة القصوى، واستخدام السماد العضوي الأقرب إلى البيئة والطبيعة، إضافة إلى نظام الري الحديث، كما يوجد بئر ماء للحديقة، وأربعة عمال ومهندسين للإشراف عليها بشكل مستمر».

تنظيم الحديقة

وأضاف بالقول: «تم بناء كافتيريا ضمن الحديقة، تراعى فيها الشروط البيئية، وتقدم الأطعمة البيئية، وهي المكان الأول في "سورية" الذي منع فيه التدخين، وقد تم الاتفاق بين محافظة "دمشق" والسفارة السويسرية أن يكون واردها دخلاً مشروعاً وعلنياً، يمكن للجمعية الأهلية الاستفادة منه في الاهتمام والعناية بالحديقة، من أعمال صيانة دورية وشهرية، وأية مشاريع هادفة إلى حماية البيئة في "سورية"».

وأضاف بالقول: «الجمعية السورية للبيئة هي أول جمعية غير حكومية تحصل على ترخيص للعمل في مجال التنمية والبيئة عام 2001، وتأسيسها في حد ذاته يظهر التغيير الذي بدأ يطرأ على المجتمع المدني السوري، فالهدف من الحديقة البيئية والنباتية إحياء وتعميق الرابطة بين الإنسان وموارده الطبيعية المتجددة؛ من ماء ونبات وتربة، ورفع مستوى الوعي وخاصة بين الأجيال الجديدة حول أهمية العناية بالبيئة وحمايتها، وربط التعليم بها، ونشر المعرفة عن التنوع الحيوي المسيطر على "دمشق" وحوضها، إضافة لإحياء بعض النباتات السورية القديمة، وتعريف معظم الناس بالناتج النباتي السوري في كل المحافظات، والتشجيع على إنشاء المزيد من الحدائق البيئية».

الجزر النباتية

أما عن زوارها ونشاطاتها فيخبرنا بالقول: «هناك أعداد كبيرة من الزوار تأتي إلى هنا من كل مكان، منها الجمعية السورية للتوثيق والاكتشاف، والكثير من المدارس التي تحضر طلابها لتعريفهم بالبيئة وأهميتها، وطلاب الجامعات أيضاً؛ كطلاب كلية العلوم والزراعة الذين يزورون الحديقة للاطلاع على نباتات غير موجودة إلا فيها، وطلاب كلية هندسة العمارة للاستفادة من شكل الجزر وتصميمها، كما يزورها السياح بنسبة عالية جداً، كما تستضيف الحديقة ملتقيات شعرية وأمسيات موسيقية».

كما التقينا "نيفين الحلبي" إحدى الزائرات للحديقة البيئية؛ فحدثتنا بالقول: «حديقة مميزة تشكل لوحة فنية طبيعية، تجذب أنظار الزائر إلى المنطقة بأشجارها ونباتاتها الخضراء وتصميمها الرائع، كما أن المقهى يمتاز بهدوئه وبنائه وتأثيثه الداخلي الرائع، فهذه الحديقة تدعوك إلى استراحة قصيرة بين ممراتها، للتمتع بهدوئها قبل القيام بجولة في أرجاء مدينة "دمشق" القديمة».